رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التراث الثقافى والهوية الوطنية



تعالوا بنا نقرأ معًا كلمات رائعة ومعبرة من مقدمة الدستور المصرى «فى مطلع التاريخ لاح فجر الضمير الإنسانى، وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام، فاتحدت إرادتهم الخيّرة وأسسوا أول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة». وإذا انتقلنا لفقرة أخرى «نحن نؤمن بأننا قادرون على أن نستلهم الماضى وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل. قادرون على أن ننهض بالوطن وينهض بنا». ونستكمل القراءة «نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقًا فى يومه وفى غده».
آثرت أن أبدأ مقالى بما يؤكد ما سأتناوله بخصوص جلسات مؤتمر «المواطنة وبناء مجتمع التسامح فى مواجهة خطاب الكراهية» الذى أقامه منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بالإسكندرية على مدى يومين فى الفترة ١٩-٢٠ نوفمبر الماضى. تناول الحوار التركيز على عدد من القضايا والمفاهيم، وركز الدكتور عماد جاد، عضو مجلس النواب فى حديثه فى جلسة «مقومات مجتمع التسامح والمواطنة» على أن أصعب أنواع التمييز، هو التمييز على أساس الدين والعرق والجنس، وأن هناك ثلاثة مكونات أساسية للتطرف والتعصب، الأول هو مكون معرفى عن طريق «التعليم والإعلام والثقافة والخطاب الدينى»، أما الثانى فمكون انفعالى يعتمد على الانفعال والغضب اللذين يؤديان إلى المكون الثالث، وهو مكون سلوكى يبدأ بتجنب الآخر ثم الهجوم عليه، وينتهى بالحروب والاقتتال إلى حد الإبادة الجماعية مثلما حدث فى بعض الدول مثل رواندا التى سقط فيها ٨٠٠ ألف قتيل نتيجة الاقتتال بين قبيلتى الهوتو والتوتسى. وأشار الدكتور عماد إلى أن مجتمع التسامح هو التعايش بين جميع المواطنين على أساس أن للجميع نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.وفى الجلسة الخاصة بالتراث الثقافى ودوره فى مواجهة خطاب الكراهية وصناعة التسامح، تحدث كل من الدكتور أحمد مجاهد، رئيس قسم الدراما والنقد بكلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتور رامى عطا، الأستاذ المساعد ورئيس قسم الصحافة بأكاديمية الشروق- عن أهمية التراث بشقيه المادى «الآثار والمنشآت الدينية كالمعابد والمقابر والمساجد والكنائس والحصون والقلاع والقصور والأدوات التى استخدمها الأسلاف فى حياتهم اليومية» والشق المعنوى الخاص بالتراث الشعبى وعادات الناس وتقاليدهم وأفكارهم ومشاعرهم ومعتقداتهم والفلكلور الشعبى من حكايات شعبية وأشعار متغنى بها والأمثال الشعبية والألغاز والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية. وأكدا أن للتراث أهمية كبرى لدوره فى تشكيل وتغذية الوجدان والوعى الجمعى ومده بالقيم وتشكيل الوعى العام، كما أشارا إلى أنه فى ظل العولمة وثورة الاتصالات والتواصل الاجتماعى، أصبحنا بحاجة إلى الحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية وفى حاجة إلى أن نأخذ من تراثنا النقاط المضيئة والمستنيرة ونبنى عليها لتطوير مجتمعاتنا. وفى الجلسة الأخيرة وجاءت تحت عنوان «الهوية الوطنية المصرية وصناعة التسامح»، أكد الأستاذ عصام شيحة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن الهوية الوطنية هى الخصائص والسمات للأشخاص التى تُنمِّى روح الانتماء لديهم ودونها تفقد الأمة استقرارها وهويتها، كما أوضح أن مكونات الهوية الوطنية هى كل شىء مشترك بين أفراد مجموعة محددة تساعد فى بناء المجتمع. وأكمل: الدولة الوطنية لها عدة سمات منها العلم الواحد والنشيد الوطنى والحقوق المشتركة والواجبات المشتركة التى يتعين على المجموع الوطنى العمل معًا من أجل إنجازها وتعتمد على ثقافة التسامح وتتبنى ثقافة السلام فى العلاقات الدولية ونبذ الحروب والسلام فى العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع الواحد، وتتبنى أيضًا مواجهة التمييز ضد المرأة. وأكد الدكتور سامح فوزى، رئيس قطاع الإعلام والاتصال بمكتبة الإسكندرية، فى نفس الجلسة أن التنمية والعمل المشترك بين أبناء الشعب الواحد تجعل للهوية الوطنية غاية ومعنى، كما تعتبر التنمية حاضنة للتنوع وإدارته وتعمل على نشر ثقافة قبول الآخر والتسامح. فالتنمية تساعد على مشاركة المواطن فى العمل وفى بناء المجتمع. وأضاف الدكتور سامح: المجتمع يحتاج إلى تجارب تنموية حقيقية داخل البيئات المحلية لتعزيز الهوية والتسامح والمواطنة. وانتهى المؤتمر إلى عدد من التوصيات المهمة منها:
إنشاء مفوضية عدم التمييز وتشريع القوانين التى تُجرِّم التمييز مع تفعيلها وتنفيذها. وضع مناهج تعليمية تعتمد على نشر ثقافة المواطنة وتنمية الانتماء وإطلاق القدرات والمهارات والمواهب والاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والاهتمام بتنقية المناهج من المواد التى تحض على التطرف والتعصب، واعتماد مناهج تقوم على استخدام المنهج العلمى فى التفكير، ولا تقوم على الحفظ والتلقين والسمع والطاعة. النزول بهذه الندوات والمؤتمرات للمدارس والجامعات ومراكز الشباب وقصور الثقافة لنشر ثقافة التسامح والمواطنة. التوعية الدينية التى نصل منها إلى الأرضية المشتركة بين الأديان. تحقيق العدالة الاجتماعية وإعلاء دولة القانون.