رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطورة الصمت



أثناء بحثى عن أصوات شعرية عالمية جديدة، عثرت عن طريق الإنترنت على الشاعر الأمريكى من أصل إفريقى كلينت سميث «١٩٨٨»، وقد جذبتنى قصيدته «الطفل الأسود الوحيد فى الصف».
أنت، على ما يبدو، مظهر من مظاهر عِدَّة من الكدح.
كما فى قضية براون ضد مجلس التعليم.
فى معظم الأيام تبدو الفصول الدراسية مثل غرفة الانتظار.
أنت تُعتبر خبيرًا فى كل ما يتعلق بموريسون، وكينج، ومالكوم، وروزا.
ألم تكن جالسًا فى تلك الحافلة أيضًا؟
أنت صديق مفضل للكل حتى لا تكون ذلك.
مؤدى أغانى راب.
رياضى مُفتَرض.
عرض تخفيض أو بالمجان.
استثناء ورسم كاريكاتير.
شديد السواد والبياض فى آن واحد.
إذا ما كنت ناجحًا فهذا بفضل التمييز الإيجابى.
وإذا ما فشلت فهذا بسبب كونك كنت مُعدًا لذلك.
أنت غير مرئى إلى أن يُشغّلوا جهاز التلفاز لمشاهدة مباراة رياضية.
هنا أنت ذو نجم قبل أن يحولوك إلى كويكب.
قبل أن يشاهدوك تتحول إلى غبار.
وبمزيد من البحث وجدت أن كلينت سميث قد أصدر مجموعة شعرية بعنوان Counting Descent «عد تنازلى » عام ٢٠١٧، وقد حصلت المجموعة على جائزة أفضل كتاب شعر من المجموعة السوداء لجمعية المكتبات الأمريكية.
وسميث شاعر ومعلم وناشط حقوقى ضد التمييز العنصرى، وهو أيضًا مرشح للحصول على درجة الدكتوراه من كلية هارفارد العليا للتعليم، ويسعى سميث من خلال كتاباته ومحاضراته إلى أن ينبه إلى خطورة التمييز العنصرى.
يقول فى حديث له، بعنوان «كيف تربى طفلًا أسود فى أمريكا؟»: «أذكر فى ليلة، عندما كان عمرى حوالى ١٢ سنة، فى رحلة ليلية إلى مدينة أخرى، قمت أنا وأصدقائى بشراء مسدسات ماء، وحولنا ساحة انتظار السيارات بالفندق إلى أرض معركة مملوءة بالمياه. اختبأنا خلف السيارات، نركض فى الظلام الكائن بين مصابيح الشوارع، مع ضحكات لا تنتهى تملأ المكان. ولكن خلال ١٠ دقائق، خرج أبى وأمسك بى من ساعدى وقادنى إلى داخل غرفتى بقبضة غير معهودة. وقبل أن أستطيع قول أى شىء، قبل أن أخبره كم جعل منظرى غبيًا أمام أصدقائى، سخِرَ منّى لكونى ساذجًا. نظر والدى إلىّ فى عينى، والخوف يملأ وجهه، وقال (آسف يا بنىّ، ولكنك لا تستطيع التصرف مثل أصدقائك البيض. لا تستطيع التظاهر بإطلاق الرصاص. لا تستطيع الجرى فى الظلام. لا تستطيع الاختباء خلف أى شىء غير لسانك)».
لكن كلينت سميث لم يختبئ خلف لسانه، وأطلق صوته الشعرى ليحطم جدار الصمت.. يقول: «قضيت وقتًا طويلا فى حياتى أخبر الناس ما أرادوا سمعه بدلًا مما احتاجوا لسمعه. أخبرت نفسى أننى لم أعيّن كضمير للآخرين لأنه ما زال علىّ اكتشاف كيف أكون ضمير نفسى، لذا فى بعض الأحيان لن أقول أى شىء استرضى الجهل بصمتى، غير مدرك أن القبول لا يحتاج لكلمات لإقرار وجوده. لم أستطع استعمال خزانتى لأسابيع لأن لسان القفل ذكرنى بالقفل الذى وضعته على شفتىّ حين نظر لى المشرد فى الشارع بعينين تبحثان فقط عن تأكيد أنه يستحق النظر إليه. كنت مهتمًا أكثر بلمس شاشة جهازى الآبل أكثر من إطعامه تفاحة. حين قالت المرأة فى مهرجان التبرعات (أنا فخورة بك. من المؤكد أنه من الصعب تعليم هؤلاء الأطفال الفقراء الأغبياء) عضضت شفتى، لأنه يبدو أننا احتجنا لمالها أكثر مما احتاج طلابى كرامتهم».
ويكمل كلينت سميث وصف خطورة الصمت: «نقضى الكثير من الوقت نصغى لما يقوله الآخرون لدرجة أننا قلّما نركّز فيما لا يقولون. الصمت هو من رواسب الخوف. هو الشعور بعيوبك تمزق وتمزع وتقتلع لسانك. هو الهواء ينسحب من صدرك لأنه لا يشعر بالأمان فى رئتيك. الصمت هو إبادة رواندا. هو ما تسمعه حين لا يبقى ما يكفى من أكياس للجثث. هو ما تسمعه بعد أن يشد الخناق. إنه محرق. إنه قيود. إنه فضل. إنه ألم. لا يكفى الوقت لاختيار معاركك حين تكون معاركك قد اختارتك أصلًا».
تطرح كتابات وأحاديث سميث عن ذكرياته عن التفرقة العنصرية فى طفولته منتصف التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة سؤالًا: لماذا يصر البعض على إنكار إنسانية الآخرين؟ من أين يأتى هذا الصلف؟ وماذا عن فوز أمريكى من أصل إفريقى برئاسة الولايات المتحدة؟ هل هو مجرد تغيير نخبوى؟ وما زالت العنصرية قابعة على النواصى وتسكن الطرقات؟
كلينت سميث واحد من الأصوات الشعرية الأمريكية الجادة والتى تعتمد على تجربتها المعيشية وقول ما يتجاهل الكثيرون قوله أو حتى النظر إليه.