رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالفيديو.."جماجم مطحونة".. "الدستور" داخل عالم "الهيروين المغشوش" (تحقيق)

تعاطي مخدرات
تعاطي مخدرات

◄ اعترافات مسجلة على لسان تجار الهيروين المغشوش: الجماجم رأس مالنا
◄ "يخلطونها بالجماجم".. 3 ساعات داخل أكبر وكر لتصنيع الهيروين المغشوش
◄ ما هي حقيقة استخدام جماجم بشرية في تصنيع الهيروين؟
◄ أحد المتعافين: صديقي توفي أمام عيني بسببها.. وانتزعتها من جسدي
◄ كيميائي: خلط عظام الموتى بالمواد المخدرة "خطر داهم"
◄ طبيب نفسي: عالجت حالات عدة أغلبهم تعرض لجلطات في المخ



وقف أحمد السيد (اسم مستعار) أمام المرآة، نظر إلى ذلك الجسد الذي يحوي روحًا لا يعرفها، أطال في النظر على غير العادة، غابت ابتسامته التي رُسمت في لحظات رويدًا رويدًا، لحظات الألم قاسية، تزداد مع تأنيب النفس عما حدث، سنوات ظل فيهم حبيس تلك المادة البيضاء، اللامعة للأعين.

"السيد" ترك المرآة وجال في أروقة المنزل، هجره أهله، غابت منه ضحكاتهم الصافية، جلسات الحكي والسمر، لم يتبق إلا هو بصحبة أكياس الطعام المنتشرة في الجوانب، راجع نفسه كثيرًا، غير أنّ تلك المرة يبدو أنها قاسية، ليترك منزله ويطرق باب والدته معلنًا الانهزام.


"السيد" الذي حافظت "الدستور" على اسمه، جلسات السوء صاحبته وجرّته إلى الدمار، تجمعوا على شراء تذكرة هيروين، أو كما يقولون في جلساتهم "البيسة"، استمر على هذا الحال كثيرًا، بين تعاطيها عن طريق الأنف، وبين تحويلها إلى حقن يتم حقنها ليزيد مفعولها "لما تأثير التذكرة بدأ يقل من الشمّ، بدأت أطبخها مع مجموعة قطرات في سرنجة علشان أحسّ بمفعولها".

الشاب العشريني، قادنا إلى بداية الخيط، والوصول إلى القرية التي يحصلون من خلالها على "البيسة"، وهناك تقابلنا مع شاب آخر من قاطني المنطقة، الذي روى لنا رحلته مع تعاطي الهيروين، ثم قادنا للجلوس مع أحد تجار الهيروين في "العزبة" كما يطلقون عليها، كونهم يعرفون بعضهم البعض.


بدأ محمد طارق (اسم مستعار) حديثه مع "الدستور"، معبرًا عن شعوره بالذنب والندم وعتاب الذات على ما قد ضاع من عمره وراء تلك المادة البيضاء الملعونة "حاولت كتير أبطلها بس معرفتش، العزبة هنا كلها بتتاجر في البيسة وفيه إقبال كبير عليها عشان رخيصة".

لحظة واحدة كانت هي الفارق في حياة "طارق"، حين فقد أعز أصدقائه في إحدى جلسات الكيف ذات مرة، بعد أن قرروا مضاعفة الجرعة وحقن المادة البيضاء في سرنجات، "صاحبي مات قدام عيني لما شد البيسة من الحقنة، وساعتها عاهدت ربنا مقربش للمخدر ده تاني".


6 شهور من العلاج داخل مصحة نفسية كانت هي مدة تعافي الشاب الثلاثيني من تلك المادة البيضاء، لكنه مازال يعاني الآن من وجوده داخل منطقة تتاجر جميعها في صناعة ذلك المخدر الملعون، الذي ضيع حياة العديد من الشباب والفتيات، "ايوة فيه بنات كتير بتتعاطى البيسة دلوقتي، والعزبة هنا هي المنبع"، يقولها "طارق".

كشف مركز علاج السموم عن مفاجأة صادمة مؤخرًا، بشأن بشأن أعداد متعاطي المخدرات في مصر، والتي تخطت الـ10 ملايين مواطن مصري، ليكون الهيروين على رأس أكثر المخدرات تداولًا بين المتعاطين، فقد وصلت نسبة الإدمان 3% أي ما يعادل أكثر من 3 ملايين شخص.

في إحدى القرى التابعة لمركز سمنود بمحافظة الغربية، قادنا الدليل للدخول إلى "عزبة" صغيرة يبدو أن الوصول إليها ليس سهلًا، بيوت صغيرة مظلمة، والجميع يتاجر في المخدرات ويعرفون بعضهم البعض، جلسنا جميعًا على إحدى المقاهي الصغيرة الموجودة بالقرب من بيت التاجر، حكى لنا عن كيفية جلبه للمواد التي يخلطون بيها، وأسعار البيع، والفرق بين المواد الأصلية والمغشوشة، "ببساطة هعرفكم سرّ الطبخة".

قضينا ثلاث ساعات داخل "العزبة"، ووجهنا الشاب الثلاثيني لأحد تجار الهيروين المغشوش للحديث معه، والذي أوضح لنا كيفية قيامهم بتلك الخلطات، ومدى تأثيرها على الشباب، غير أن الشاب بات موجودًا في تلك الجلسة ناظرًا إلى كلام التاجر وكله قوة، ويعاقب نفسه عما كان يفعل، فهو الآن قادر على الوقوف في وجه "البيسة"، تقدّم إليه على طبق من ذهب، ويرفضها، ويعلل ذلك أمام الجميع "تعافيت ولله الحمد".



في البداية يحكي التاجر عن سر الخلطة التي انجرف خلفها العديد من الشباب والفتيات، دون علم منهم بماهيتها الحقيقية، "رأس مالنا هو جماجم البني آدمين، ساعات بنشتريها من غفير ترب، وساعات بنسرقها من المقابر"، فهي المادة الوحيدة التي تُطحن ويستخرج منها اللون الأبيض لمادة الهيروين، ويمكن أيضًا خلطها مع باقي المكملات لتعطي مفعول المخدر.

المرحلة التالية بعد طحن الجماجم هي خلطها بمجموعة من البرشام المخدر، للوصول إلى مفعول قوي يجعل متعاطيه في حالة من الإدمان، ويخلق لديهم الرغبة في الحصول على تلك المادة بشكل يومي، يقطع التاجر حديثه ليرد على الهاتف الذي جاءه من شاب يريد الحصول على 2 جرام من الهيروين، ثم يعود ليوضح لنا أسعار المادة المخلوطة.

"النص تذكرة بتكفي 3 أفراد، لو الواحد منهم بيشد سطر في اليوم"، يقول التاجر إن رخص المخدر جعله مرغوب لدى المتعاطين أكثر من أي مخدر آخر، فالنصف جرام يبلغ سعره 100 جنيه، لذا من السهل أن يتشارك 3 أشخاص يوميًا في الحصول على كيفهم من "البيسة".



يختتم التاجر حديثه منوهًا إلى أنه ليس هناك تاجر مخدرات لا يبيع النوع المضروب من المخدر الخاص به، مؤكدًا على ذلك بسر خلطة البيسة المغشوشة التي ليس لها تأثير من الأساس، فقط يبيعونها للشباب بقصد كسب المال من وراءهم، ويطلقون عليها في الكار "المياه الساقعة"، وهي عبارة عن جير أبيض أو تباشير أبيض مطحون ليعطي اللون الأبيض فقط.

خرجنا من "العزبة" متجهين إلى الطريق الرئيسي الموازي لقرية "سمنود"، واتضح من خلال رحلتنا أن القرية بها أكبر عدد من تجار المخدرات، المتخفيين في القهاوي الشعبية والحارات الضيقة، وهناك أيضًا من يبيع في شرفة منزله التي تطل على الشارع مباشرة، ففي كل شبر نخطيه يستوقفنا أحد الأشخاص ليبيع لنا أي مخدر.

وصلت نسبة تعاطي الهيروين في مصر إلى 18.3%، ليكون من أكثر المخدرات التي عليها إقبال كبير بعد الترمادول والحشيش، طبقًا لتقارير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، التي أوضحت أن نسبة الفتيات المتعاطيات وصلت 27.5%، ونسبة الرجال 72.5%



وفي دراسة أخرى، أعدها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في عام 2017، اتضح أن هناك أكثر من 18 مليون متعاطي لمخدر الهيروين، بينما هناك أكثر من 12 مليون مدمن يتعاطى المخدر بالحقن، 2 مليون شخص منهم مصابون بمرض الإيدز، و6 مليون آخرين مصابون بفيروس سي، وكشفت منظمة الصحة العالمية عن عدد الوفيات بسبب تعاطي المخدرات حول العالم، وكان عددها أكثر من 200 ألف حالة خلال عام 2018.



كيميائي: خلط عظام الموتى بالمواد المخدرة "خطر داهم"

وبدوره قال عمرو الشهاوي، أستاذ الكيمياء الحيوية بوزارة التربية والتعليم، إنه يستبعد تمامًا فكرة استخلاص مواد مخدرة، خاصة الهيروين، من عظام الموتى والجماجم بعد سرقتها من القبور، مؤكدًا أن الأمر مستحيل كيمائيا وعلميًا، وأن ذلك الأمر يُعدّ دجل ونصب، مشيرًا إلى أنه لا يوجد إمكانية لاستخراج مواد مخدرة من عظام الموتى.

وأوضح الشهاوي، أنَّ التركيب العلمي للعظام عبارة عن ألياف وكالسيوم وهما لا يعطيان أي مادة مخدرة، وما يحدث بعد دفن الموتى تحلل وتعفن، ويكون هذا التعفن مبكرًا في الأنسجة الرخوة.

أما التي تحتوى على نسبة عالية من الكرياتين، فأوضح أنها تأخذ وقتًا أطول في التعفن إلى أن تتحول لهيكل عظمى ثم تراب وهى بالطبع تكون مليئة بالجراثيم، وبمجرد طحن هذه العظام وخلطها بالهيروين فهو يمثل خطورة بالغة وخطر داهم على صحة الإنسان إجباريًا.

واختتم الشهاوي، حديثه موضحًا أنَّ عملية تفتيت العظام والجماجم وطحنها على الهيروين، ما هي إلا عبارة عن زيادة الكمية واتساع من حيث الأكياس المعبئة فقط، منوّهًا أن خلط العظام يُمثل خطرًا بعد تحلله وتركيبة على المواد المخدرة، مطالبًا بمداهمة هذه الأوكار وتنظيفها في جموع المناطق في مصر.

نجحت قوات الأمن مؤخرًا في مداهمة العديد من البؤر الإجرامية خلال الشهر السابق، واستهدفت حينها عدة محافظات مثل الدقهلية ودمياط وبورسعيد، ومحافظتى الشرقية والإسماعيلية، ومناطق "السليمات – البراهمة – المرجية – حمرا دوم - أبو حزام" بمحافظة قنا.

أسفرت تلك المداهمات عن ضبط أكثر من 7000 تاجر مخدرات، بحوزتها العديد من أطنان المواد المخدرة المختلفة، وكانت كمية مخدر الهيروين المضبوط قد وزنت أكثر من 81 ألف كيلو جرام، والأقراص المخدرة التي تضاف للخلطات وزنت أكثر من 207 ألف قرص مخدر.

خبير أمني: القانون لن يرحمهم.. والإعدام عقوبة أفعالهم

قال الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، وفقًا للمادة 34 من القانون المصري، إن عقوبة الإتجار في المواد المخدرة تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد، لكل من حاز أو أحرز أو اشترى أو باع أو سلم أو نقل أو قدم للتعاطي جوهرًا مخدرًا، واصفًا ذلك «إنهم يُدمرون المجتمع المصري».

وأكد مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، على أنَّ الإتجار في المخدرات جريمة يعاقب عليها القانون، وهي من الجرائم الخطيرة في المجتمع المصري، مشيرًا إلى أنَّ القانون المصري وضع عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد في جرائم الاتجار وجلب المواد المخدرة.

وفي حال ارتكاب المتهم جريمتين هما التصنيع والاتجار (بيصنع ويتاجر)، مرتبطة بجريمة نهش القبور وانتهاك حرمة الموتى، أكد مهران أن هذه الحالة تُسمى بـ«التعدد المعنوي»، لأن الأولى تمت بغرض تحقيق الثانية، والثانية لم تكن تتم إن لم تتحقق ارتكاب الأولى، وفي هذه الحالة وفقًا لنص المادة رقم 32 من قانون العقوبات، يعاقب المتهم بالعقوبة الأشدّ وهي التي قد تصل للإعدام.

وأوضح مهران أنَّ نهش القبور وانتهاك حرمة الموتى في حد ذاته جريمة مستقلة، مخالفة للمواثيق الدولية والتشريعات الإسلامية، ومخالفة أيضًا لأحكام القانون المصري أيضًا، مشيرًا إلى أنَّ نهش القبور واستخراج الجثث يُعد جنحة يعاقب عليها المتهم بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنين، بحسب قانون العقوبات المصري.

طبيب نفسي: استقبلت أكثر من 7 حالات يوميًا.. أغلبهم تعرض لجلطات في المخ

التخلص من إدمان تلك المادة البيضاء ليس بالأمر السهل، كونها تؤثر على الجهاز العصبي مباشرة، وتنغمس داخل الجسد لتدمر صاحبه، لذا تواصلنا مع الدكتور جمال فرويز، طبيب العلاج النفسي والإدمان، الذي استطاع بالفعل علاج العديد من متعاطين الهيروين المغشوش داخل عيادته الخاصة، كان أغلبهم في سن الـ20.

"تاجر المخدرات يستخدمون الجماجم منذ زمن بعيد في صناعة الهيروين لاستخراج اللون الأبيض فقط المشابه للمادة"، يقول فرويز، إنه تردد عليه حالات عدة تعاني من جلطات في المخ فور تعاطيهم لتلك المادة المخدرة، فكان يستقبل يوميًا أكثر من 7 حالات بنفس الأعراض والأسباب.

أضرار الهيروين المغشوش المكون من عظام الموتى ليست هينة، ويجب التعامل معها بحكمة كبيرة، فهي تسبب ضرر مباشر على الصدر كونها مادة غير نقية تمامًا، عندما تدخل جسد الإنسان تعرضه لالتهابات شديدة في الصدر، وأحيانًا ما تسبب سرطان، بالإضافة إلى ضرر المواد الكيماوية المضافة لها، والتي ينتج عنها سرعة تدفق في الدم، ونزيف مفاجئ بعد الإصابة بجلطات في أماكن معينة من المخ.

يختتم فرويز، حديثه مع "الدستور"، مشيرًا إلى أهمية توافر مصحات نفسية مكونة من طاقم طبي لديه خبرة واسعة في التعامل مع المدمن، فهناك عدة أزمات لدى المدمن يجب التخلص منها، مثل فترة الاكتئاب التي يدخلها فور انتزاع تلك المادة من جسده، والعلاج المعرفي الذي يخضع له داخل المصحة، "لما نعالج السبب الرئيسي في لجوئه للمخدرات، بنتخلص من المخدر نهائيًا".