رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان طاعون العصر


بتشريح نفسى لأفراد وأتباع تنظيم الإخوان سنعرف أنهم جميعًا أصيبوا بعدة أمراض نفسية، منها مرض إنكار الواقع وخلق واقع بديل هو فى الأصل وهم لا وجود له، وأيضًا أصيبوا بمرض إبليسى لعين هو «الشيفونية»، والشيفونى هو الذى يرى أن قوميته أو جماعته وتنظيمه وحزبه هم «النقاء» المطلق والحق الذى لا شك فيه والجمال السرمدى، ولأنهم يرون هذا فإنهم يتعصبون لجماعتهم ولأنفسهم تعصبًا مقيتًا غبيًا لا عقل فيه.

ولأن التعصب هو الآخر آفة من الآفات النفسية، التى أصابتهم فقد أصبح من باب اللزوم أن تتحول الشيفونية من مشاعر حب إلى مشاعر كراهية ورغبة فى إيذاء الآخرين الذين لا يوافقونهم، ولأن هؤلاء الأفراد من أصحاب العقول الممسوخة يرون أن الحق معهم وحدهم، فغيرهم هو الباطل، ولأنهم يرون أنهم وحدهم الصواب فغيرهم فى اعتقادهم هو الخطأ، ولأنهم يرون أنفسهم وحدهم الجمال فغيرهم هو القبح، الشيفونى باختصار هو من ينظر للعالم من خلال مرآة فلا يرى إلا نفسه وما عداه باطل، ولعل هذه الآفة تفسر لنا كيف يفكر الإخوان، هم لا يفكرون إلا فى أنفسهم وأولوياتهم ومصالحهم فقط، لا وطن لديهم، فهم وطن أنفسهم، لا دين لهم، فهم دين أنفسهم، كل العالم عندهم باطل، وهم فقط أهل الحق، ولأن هذه الطريقة تحكمت فى طريقة تفكيرهم فأصبحت تحكم فى النفسيات والمشاعر، لذلك لا بد أن تكون لها إسقاطاتها، ولا بد «إنسانيًا» أن تتسلل إلى النفوس برفق، خطوة خطوة.

وتلك الآفة تصاحبها آفة قضت عليهم، والحمد لله أنهم أصيبوا بها، وهى آفة الرغبة فى الاستحواذ وإقصاء الجميع، آفة الطمع هى التى قضت عليهم، كانت لديهم رغبة مرضية بامتلاك الدنيا كلها، إذ يظنون أنهم يمتلكون الآخرة ولم يبق لهم إلا امتلاك الدنيا!! ولكن هل يستطيع أحد أن يمتلك الدنيا وما فيها؟ بعضنا يتمنى ذلك، وبعضنا هلك وهو يحاول ذلك، وبعضنا لا يزال يَهلك ويُهلِك أهله وهو يظن أنه سيفعل ذلك! وقد تظن أنك امتلكت الدنيا، بمالك وما لك، ولكنها قد تكون هى التى امتلكتك! فمن كانت الدنيا فى قلبه ملكته، ومن كانت فى يديه امتلكها، ومن كانت لا فى قلبه ولا فى يديه فلا ملكها ولا ملكته. وفى الأدب الروسى قصة عن ذات المغزى للأديب العبقرى تولستوى تحمل حكمة عجيبة، تروى هذه القصة أن شيطانًا ظهر أمام الناس فى صورة إقطاعى يمتلك مساحة ضخمة من الأراضى والأملاك والماشية والطواحين والضياع التى من فرط اتساعها لا تستطيع العيون أن تدرك مداها أو تصل إلى نهايتها. يا الله! أكل هذه الأراضى والأملاك لهذا الإقطاعى وحده؟! هكذا قال أحد الفلاحين الفقراء همسًا، وهو يمنى نفسه أن يحصل ولو على قيراط من هذه الأرض، وعندما أفرط فى الأمانى تمنى أن يكون مع القيراط بقرة يحلب ضرعها ويشرب من لبنها، ويا حبذا لو كان معهما حمار ينقل عليه السباخ وينقل السماد. ثم أخذ الفلاح الفقير يفتل حبل الأمانى، فتمنى ساقية، وبيتًا بدلًا من الكوخ الذى يعيش فيه، وجُرنًا، وشونة يخزن فيها الحبوب والغلة. وبينما الفلاح مستغرقًا فى أمانيه ظهر له الإقطاعى وهو يربت على كتفيه قائلًا: ولمَ تحصل على قيراط واحد أو بقرة أو حمار أو ساقية وجُرن؟! كل هذه الأرض بما عليها لك إن استطعت، ولا أظنك تستطيع. فقال الفلاح وهو يزدرد ريقه: كل هذه الأرض لى إن استطعت! أنا أستطيع ولكن كيف؟! رد الإقطاعى: نحن الآن فى الصباح الباكر، فإذا قمت بالجرى حول هذه الأرض دون توقف فكل ما جريت حوله سيكون ملكك بشرط أن تعود إلى مكانك الذى بدأت منه قبل الغروب، أما إذا غربت الشمس ولم تعد فقد ضاعت عليك الصفقة. نظر الفلاح إلى الأرض واتساعها، ووقر فى قلبه أنه يستطيع أن يمتلك كل هذه الأرض، الأمر فقط يحتاج إلى قدر من الهمة والنشاط، وفى التو أسرع الفلاح جريًا، لم يتوقف لحظة، وكلما تقدم الوقت وسَّع من دائرته اغترارًا بقوته وطمعًا فى المزيد، وكلما هدَّه التعب أيقظ همته الطمع: فلتستمر فسوف تحصل على ما تريد وأكثر، استمر ففى الوقت مزيد، استمر فأنت فى أوج شبابك، استمر فأنت أقوى أهل قريتك وأعلاهم طموحًا! وانتصف النهار والفلاح يجرى ويلهث، لا يريد أن تتباطأ خطواته ولا أن تتوقف حركته، ومع ذلك فالأرض كانت وكأنها تجرى مبتعدة عنه كلما قطع شوطًا كبيرًا منها. ألا توجد نهاية لهذه الأرض؟! للأرض نهاية مهما بلغت، ولكن أطماع الفلاح ليست لها نهاية، وحين جف ريق الفلاح بسبب العرق الذى سال منه وروى الأرض، وارتجف قلبه بشدة مع وقع خطواته، حتى إن الأرض رددت صدى دقات قلبه، حينها نظر خلفه فوجد أنه ابتعد كثيرًا عن البداية لدرجة أنه لم يعد يبصرها، فكان أن قرر أن يقفل عائدًا إلى حيث النقطة التى بدأ منها، وما زال الوقت أمامه طويلًا، ولكن الجهد كان قد ضمر، والخطوات أصبحت ثقيلة، والشباب لهم قدرتهم على الاحتمال، والقوة إن لم تكن تدرى فإنها إلى زوال، ورحلة العودة أصبحت وكأنها مستحيلة، ولكنه يجب أن يعود قبل غروب الشمس، والخيوط الحمراء بدأت تأخذ طريقها فى الأفق، وموكب الأفول يُعِد عدته، فليقسُو على نفسه ليسبق موكب الغروب، هيا أيها الفلاح النشيط، أنت على بعد خطوات من تحقيق حلم حياتك، ستصبح أغنى البشر، وستكون لك الضياع، وسيعمل عندك الفلاحون كأجراء يفلحون أرضك، وستشترى العبيد ليكونوا جنودك، وستمتلك كل إسطبلات الخيل فى مقاطعتك، أنت على بعد خطوات من اللقب، الذى بت تحلم به ليل نهار؛ لقب «السيد» الذى لا مثيل له بين الألقاب. وبدأت الدنيا تغيم أمام ناظريه، والأرض تميد تحت رجليه، ونقطة البداية لا تزال بعيدة، فهو كان قد أفرط فى الابتعاد: ألا تساعدنى الأرض فتحملنى إلى بدايتى التى بدأت؟! ولكن الجهد الجهيد الذى جعله يتطوح كالثمل أعمل أفاعيله فيه، فأخذ ينفث دمًا، وها هو الآن أمام حياته أو الأرض، إذا توقف غنم حياته وخسر الأرض، وإلا فعلى نفسها جنت براقش، ولكن الشيطان يملى لأتباعه حبل الرجاء، والإنسان يعرف أن كل شىء سيحدث، إلا لحظة موته فتلك التى لا يصدقها أبدًا، ولا يفكر فى انتظارها. فلم يتوقف الفلاح، وظل يجرى قافلًا وهو يسمع صيحات متخيلة، يحسبها صيحات المشجعين، والفرحين، والمؤيدين، فقد استحالت الدنيا عنده خيالًا، وأخذ يغادر دنيا الناس، وقبل ستين مترًا من نقطة البداية سقط الفلاح ميتًا! وما أروع التعليق، الذى كتبه الدكتور الأديب مصطفى محمود- رحمه الله- عن هذه القصة، إذ قال: «إن الفلاح الطماع الذى أراد الأرض كلها لم يحصل فى النهاية إلا على مترين من الأرض كانت مقره الأخير ومدفنه» والإخوان الآن لا يمتلكون إلا زنزانة تحتويهم وبلادًا غريبة هربوا إليها يعيشون عالة عليها، هى بلاد التيه، ولكنهم مع ذلك لم يتعظوا ولن يتعظوا، لأنهم يعيشون بمرض إنكار الواقع.