رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استراحة محارب




لا تربطنى به صلة، ولا لقاءات أو حتى معرفة سابقة، شأنه شأن كثير من الرجال المحترمين، الذين عرفناهم عن طريق ما تركوه من أعمال، وما سطروه من مذكرات أو سير ذاتية. وهو ما تحقق عبر كتاب «وداعًا للسلاح» للواء سمير فرج، صاحب المناصب المتعددة بدءًا بالمجال العسكرى، الذى بدأ به حياته مبكرًا، بالالتحاق بالكلية الحربية، فتشرب بالتقاليد العسكرية بأصولها العريقة هى: الطاعة، الانضباط، دقة التخطيط، والجراءة، والقدرة على تحقيق الهدف وعدم الجدال. وهى تقاليد راسخة فى العسكرية المصرية.
وأنا أطالع كتاب اللواء الدكتور سمير فرج، تداعى لذاكرتى الدكتور ثروت عكاشة فى مؤلفه الضخم «مذكرات فى السياسة والثقافة». والحق أن الكاتبين متشابهان دون اتفاق بينهما، ولكنهما عندى يتفقان فى تخرج كل من الرجلين فى الكلية الحربية، وحصولهما على درجة الدكتوراه، وتقلدهما معًا مناصب مدنية بعد انتهاء الحياة العسكرية، ونجاحهما فى الحياة المدنية. فثروت عكاشة ينسب إليه تأسيس الصروح الثقافية فى مصر الحديثة بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، والنجاح فى مشروع قومى ضخم هو إنقاذ آثار النوبة.
عشنا مع الدكتور سمير فرج حياته فى مدينة بورسعيد، والتحاقه بالكلية الحربية كأصغر طالب فيها، ومن الكلية الحربية لليمن وما شاهده ومعاناة هزيمة ١٩٦٧، ثم الاشتراك فى حرب الاستنزاف وبناء الجيش المصرى والتحاقه بغرفة عمليات القوات المسلحة والسفر للدراسة والتدريس فى كلية كمبرلى البريطانية العسكرية.
ويتعرض لحدث ضخم، تجاهلته أجهزة الإعلام وقتها، وهو مناظرته الإعلامية التى عقدتها محطة BBC. فى ١٩٧٥ مع أرئيل شارون الذى كان يومًا وزيرًا للدفاع فى إسرائيل، وأحد المشاركين فى حرب أكتوبر واختراقه الدفاعات المصرية، فيما يعرف بالثغرة، التى قال عنها الرئيس السادات إنها ثغرة تليفزيونية، حققت نصرًا إعلاميًا ليس أكثر، المناظرة تعتمد على تطبيق العلوم العسكرية، وجاءت نتيجتها فوز الجانب المصرى على الإسرائيلى بثمانى نقاط مقابل درجتين فقط للجانب الإسرائيلى، مع توصيات المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، الذى كان يحكم المناظرة، بتفادى النقاط التى ظهرت فى خطط وأداء الجيش الإسرائيلى، سواء فى الخطط الدفاعية لخط بارليف أو أداء شارون فى معركته غرب القناة، والاستفادة من الخطة المصرية.
الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لمحارب تنقسم إلى قسمين جزء منها أثناء عمله كضابط فى وزارة الدفاع المصرية. والجزء الثانى يشمل العمل المدنى فى السياحة ودار الأوبرا، وصاغ اللواء سمير فرج هذا فى صيغة عناوين «جنرال فى السياحة» و«جنرال فى الأوبرا». وخلال عمله فى الأوبرا، يكشف عن مدى الإهمال الذى كان يشمل هذا المرفق الثقافى الحضارى، واكتشاف مدى التسيب إلى حد العثور على خبيئة تشمل أجهزة صوت حديثة مهملة، ونوت موسيقية تركها كبار الفنانين العالميين الذين زاروا الأوبرا وعزفوا فيها أحدث وأرق الألحان والمقطوعات الموسيقية.
يبدو سمير فرج حياديًا عند معالجته موضوعات الجزء العسكرى. فعندما يتحدث عن حرب اليمن لا يناقش مدى صحة قرار الحرب، وفى حديثه عن حرب ١٩٦٧ لا يعيب على أحد، وفى حرب ١٩٧٣، والنقاش الذى دار حول الثغرة، لا ينحاز إلى رأى أى من القادة، ولكنه تعامل مع الموقف بذكاء نادر، ووصف رأى السادات بأنه رأى سياسى، ووصف الرأى المعارض بأنه عسكرى، تاركًا التقدير لفطنة القارئ وذكائه.
ولكنه فى الجزء المدنى، دخل بكل ثقله، فكتب رأيه بكل وضوح فى المواقف التى تعرض لها، سواء فى وزارة السياحة أو فى الأوبرا، ولم ينكر أنه كان هناك تسيب وإهمال.
الحقيقة الكتاب تنقصه أهم تجربة، وهى تجربته كمحافظ للأقصر، التى قيل إنها فعلًا كانت فترة تستحق التسجيل والعرض، لما فعله وأحدثه فى المدينة من نقلة نوعية.