رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السخرية


هل ممكن واحد من أسخف الشخصيات وأثقلهم ظلًا، يبقى أكتر واحد بـ يضحك فى مصر؟
آه طبعًا ممكن، باسم يوسف.
هنا بقى ييجى صديق يقول: حرام عليك! باسم سخيف ودمه تقيل؟ دا عسل! صديق تانى يقول: هو ممكن يكون عندك حق، فيما يخص باسم نفسه، إنما اللى بـ يكتبوا له كان دمهم خفيف فعلًا، واحد تالت يشوف إن «البيرفورمانس» على بعضه كان حلو، وهكذا ممكن تتعدد التفسيرات.
أنا شخصيًا، مع احترامى لـ كل هذه التفسيرات، مش شايف حاجة منها تفسر هذا النجاح الخزعبلى، يا راجل! دا إحنا كنا بـ نعدى فى الشارع، نشوف القهاوى راصة الكراسى، فى انتظار حلقة باسم يوسف، ولا كـ إنه ماتش ريال مدريد وبرشلونة، فـ أنا مش شايف الموضوع، إلا من خلال ضرورة التفرقة بين الكوميديا والسخرية، لـ إنه دى حاجة ودى حاجة تانية خالص.
الكوميديا موضوع كبير، هـ أتكلم عنه بـ التفصيل بعدين، وقد يكون السخرية إحدى أدوات الكوميديا، وممكن لأ، إنما الكوميديا موضوع أكبر بـ كتير من السخرية.
السخرية، أعزك الله، هى اعتداء لفظى على شخص أو جهة، بـ إبراز عيوبه أو تناقضاته، أيون، السخرية هى محض اعتداء لفظى، تسبب الضحك لـ من يعتدى، والألم لـ المعتدى عليه، ولـ ذلك، سيد حجاب فى إطار الشكوى من الزمن، قال لك إيه: «أقوى همومنا تفجر السخرية».
ولـ إن السخرية اعتداء، تقريبًا كل المنظومات العقائدية والأخلاقية رفضتها واعتبرتها خطأ أو خطيئة، القرآن قال: «لا يسخر قوم من قوم»، الكتاب المقدس اعتبرها شأن المتكبرين، والانتقام يكمن لهم مثل الأسد، المنظمات الحقوقية بـ تسميها التنمر، وبـ تعمل حملات كتير ومنظمة لـ محاربتها.
لكن، هل فعلًا الاعتداء دايمًا مرفوض من الناس؟ الواقع إنه لأ كلنا بـ نمارس هذا الاعتداء، أو نسقف لـ هذا الاعتداء، أو نضحك من هذا الاعتداء، لما يبقى فى مصلحتنا، أو فى إطار مواجهة ما بـ نخوضها، سياسية أو اجتماعية أو دينية أو كروية، لـ ذلك، السخرية بـ تنشط وقت المواجهات، وكل ما تكون المواجهات دى قوية ومهمة بـ النسبة لنا، تزيد السخرية، ويزيد منتجوها ومستهلكوها، مثلًا: فى النص التانى من أربعينيات القرن العشرين، كانت عند المجتمع المصرى «معركة» ضد الاعوجاج، كانت فيه رغبة عامة فى البحث عن المواطن الصالح النموذجى، هذه المواجهة فضلت تكبر، لـ حد ما جات دولة يوليو، فـ تبنت هذه المعركة، واعتبرتها معركتها الأولى، صحيح هى أضافت لـ هذه المعركة محددات من عندها، زى إنه المواطن دا يكون من الطبقة الوسطى، أو إنه له انحيازات أيديولوجية ما، إنما فضلت فيه معركة أساسية «من أجل مواطن صالح».
فى هذا الإطار، نشطت السخرية بـ شكل مش طبيعى كان البرنامج الأول فى مصر ساعتها، اللى بـ يموت الناس من الضحك، هو «ساعة لـ قلبك»، القائم بـ الكامل على السخرية من الأنماط المرفوضة التى تعوق الطريق أمام «المواطن الصالح» الرغاى، الفتاى، الفشار، النكدية،.. إلخ إلخ.
تعالى لـ السينما بقى، هـ تلاقى إنه اللى اكتسح الدنيا وقتها، هو إسماعيل ياسين اللى كان معلى الموضوع لـ درجة السخرية من نفسه، والسخرية من نفسه وصلت لـ التريقة على بقه، إسماعيل ياسين خلق النموذج السلبى لـ المواطن الصالح المنشود: غبى، فقير، كسول، جسمه مبعجر، شكله غلط، حتى لو هو طيب، يظل مدعاة لـ السخرية.
الأفلام اللى اتعملت بـ اسم «إسماعيل ياسين» قائمة على الفكرة دى، ماذا يفعل ذلك المواطن بـ تلك الصفات، إذا راح المكان الفلانى، طبعًا إسماعيل ياسين غير ساعة لـ قلبك، لـ إنه السينما بحر أوسع فـ حصل استغلال لـ إسماعيل، أو لـ نجومية إسماعيل فى سياقات أخرى أحيانًا، زى إنك تستغله فى فيلم «ابن حميدو»، ابن حميدو كوميدية فعلية لا تنتمى إلى عالم إسماعيل ياسين وأفلامه، سمعة له ٥٠٠ فيلم، معظمها غير صالح لـ العرض النهاردا.
أو زى إنك تستغله فى سلسلة أفلام الجيش، اللى هى موضوع خاص، أنتج بـ أفق مختلف، أو فى عمل غنائى استعراضى زى المليونير، كل دى استنثاءات، لا تشكل ٥٪ من أفلام إسماعيل ياسين.
المهم، لما هذه «المواجهة» بدأت فى الخفوت مطلع الستينيات، ثم انتهت تمامًا فى منتصف الستينيات، ما بقيتش السخرية دى تضحك، خلاص، فكرة المواطن الصالح النموذجى دى، بح، التنمر على الكسالى والفقارى و«المنحرفين اجتماعيًا» والأشكال الغلط، ما بقاش ياكل مع البشر، فـ طلعت حاجات تانية ممكن نتكلم عنها بعدين.
إنما اللى نقدر نقوله دلوقت إنه السخرية فى النهاية هو موضوع «أخلاقى» بحت، مالوش دعوة بـ الضحك، أو خلينا نكون منصفين مالوش دعوة مباشرة، والله أعلى وأعلم.