رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاحتباس الحرارى واختفاء الأوطان «4-4»



من المهام الطبيعية لرئيس الدولة أن يوفر لأفراد شعبه الاحتياجات المعيشية الأساسية، ولكن ظاهرة الاحتباس الحارى أوجبت مهمة جديدة على حكومة دولة «كيريباتى»، وهى أن يجد وطنًا بديلًا لمواطنيه.
دولة «كيريباتى»، التى ربما يقرأ اسمها الكثيرون للمرة الأولى هى دولة صغيرة تقع فى المحيط الهادى الاستوائى، وتتكون من ٣٢ جزيرة مرجانية بمساحة تصل إلى ٣.٥ مليون كم². وقد تم اكتشاف هذه الجزر فى القرن ١٨ الميلادى، وسميت باسم جزر جيلبرت عام ١٨٢٠م.
وأصبحت جزر كيريباتى جمهورية مستقلة عن بريطانيا عام ١٩٧٩م، ويبلغ تعداد سكانها نحو ١١٠ آلاف نسمة حاليًا.
تعد كيريباتى من الدول الأكثر فقرًا فى العالم، حيث إنها تملك موارد طبيعية قليلة، ويشكل تصنيع الأسماك الجزء الأكبر من الصادرات لتلك الجزيرة، وتحصل الدولة شديدة الفقر، الواقعة على جانبى خط الاستواء، على نحو نصف دخلها من خدمة حركة الملاحة التجارية، وتحصل على جزء كبير من دخلها من مساعدات التنمية.
تعتمد موارد كيريباتى الأساسية على صيد الأسماك حيث تمتلك كيريباتى من ٦٠٠-٨٠٠ نوع من الأسماك الساحلية والبحرية ونحو ٢٠٠ نوع من المرجان، ونحو ١٠٠٠ نوع من المحار يستهدفها صيادو العالم، وخصوصًا أسماك التونة الوثابة والتونة ذات الزعانف الصفراء وكذلك السمك الطائر.
تعد جزر كيريباتى من النماذج العالمية الصارخة حول المخاطر التى يشكلها الاحتباس الحرارى، وما سببه فى ارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار، وما يشكله من تهديد متزايد لهذه الجزر التى تواجه خطر الزوال قريبًا، فقد توقعت وكالة ناسا أن أولى الجزر التى ستغرق حالة ارتفاع منسوب مياه البحار ٤٠ سم فى غضون ١٠ سنوات هى جزر كيريباتى.
وما يحدث فعليًا هو أن مياه المحيط الهادى التى تحيط بالجزر أصبحت تغمر مساحات متزايدة من الأراضى والسواحل وتتوغل أكثر فى عمق الجزر، ما يهدد الحياة عليها بعد تراجع المساحات الزراعية وندرة المياه وارتفاع ملوحتها.. كما أن البحر يرتفع بمعدل ١.٢ سم سنويًا وهو أربعة أضعاف المتوسط العالمى.
وبعد التأكد من جدية المخاطر التى تتعرض لها البلاد، طلب مسئولو كيريباتى من أستراليا ونيوزيلاندا قبول مواطنى كيريباتى كلاجئين دائمين.
فى يونيو ٢٠٠٨، قال رئيس الدولة، أنوتى تونغ، فى كلمته أمام الأمم المتحدة «إن البلاد وصلت (نقطة اللاعودة)»، مضيفًا: «أن تخطط لليوم الذى لا يعود لك فيه وطن هو واقع مؤلم، لكنى أعتقد أن علينا أن نفعل ذلك».
ولمواجهة الخطر المحدق، فكرت حكومة كيريباتى فى مستقبل مواطنيها، ووجدت الحل فى شراء جزيرة، حيث تستطيع نقل بعضًا من سكانها عليها نتيجة ارتفاع مستوى مياه البحر.
فى ٢٠١٢، بدأت الحكومة بالتفاوض مع دولة فيجى، التى تبعد ألفى كيلومتر من سواحلها، لشراء أراضٍ من الأخيرة. وبالفعل تم الاتفاق على شراء دولة كيريباتى لجزيرة «فانوا ليفو» وتبلغ مساحتها ٢٠ كيلومترًا مربعًا وتتميز بارتفاعها عن سطح البحر مقارنةً بأراضى الأرخبيل- المهدد بالاندثار- المالحة، بما أن الجزيرة الجديدة تهيمن عليها الغابات والخُضرة، ما يجعلها قادرة على تأمين الاحتياجات الغذائية لمواطنيها فى مرحلة أولى، قبل التفكير فى الانتقال إليها، وطنًا بديلًا ومثاليًا إذا اقتضى الأمر، لاجئين مناخيين.
وقد حصلت حكومة كيريباتى على الجزيرة مقابل «٨.٩ مليون دولار أمريكى».
إن ما تقوم به حكومة كيريباتى من شراء أراضٍ فى جزيرة أخرى كبوليصة تأمينية، أو ما يسميه رئيسها أنوتى تونج (٦٧ سنة) «الهجرة بكرامة»، يثير فى النفس المخاوف لما يمكن أن يؤول إليه الأمر إذا استمر عدم الوعى بخطورة الاحتباس الحرارى، الذى يمكن أن يؤدى ليس إلى المجاعات والتصحر ولكن قد يكون خطوة البداية فى طريق فناء العالم.