رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تزوير الكتاب «2»


تناولنا فى مقال الأسبوع الفائت ظاهرة أو أزمة «تزوير» الكتاب التى يعانى منها العديد من دور النشر المصرية، وأرجعنا استفحالها، فى الفترة الأخيرة، إلى الارتفاع الكبير، والمُغالى فيه أحيانًا كثيرة، فى سعر الكتاب «الأصلى»، ما يدفع القارئ، المحدود القدرات المادية، والمضغوط تحت وطأة ارتفاع أسعار كل ضرورات حياته بعد الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، وخاصة «تعويم» الجنيه، إلى السعى لاقتناء ما يود قراءته من كتب، من هذه البضاعة «المضروبة»، ولسان حاله المثل الشعبى الدارج: «قالوا إيه اللى رماك ع المُر، قلت اللى أمر منه»، وهو هنا فقر الحال، وبؤس المآل.
لا شك أن ارتفاع سعر الكتاب بما يؤثر بالسلب على توزيعه ووصوله إلى مستحقيه أمر جد خطير، ونتائجه السلبية لا تقل خطورة، من وجهة نظرى، عن النتائج السلبية لارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، والمخرج الرئيسى من هذه الأزمة لن يتم إلا باعتبار الكتاب سلعة استراتيجية، وأداة رئيسية من أدوات «القوى الناعمة المصرية»، يُهدد غيابها الأمن القومى «لانعكاسها المُباشر على وعى وثقافة وفكر المجتمع، وقدرته على التأثير فى البيئة المُحيطة»، وإذا كنا نرحب بإنفاق مئات المليارات على بناء شبكة الطرق والكبارى، فلا أقل من أن تُنفق مئات الملايين على بناء وعى المواطن، وتشييد هياكل فكره، وتهيئته لمواجهة تحديات البقاء ومتطلبات المستقبل، وهى عملية مُرَكّبة، لا معنى لها بدون توفير الكتاب الراقى، مضمونًا وشكلًا، بأسعار زهيدة، تتيحه لكل راغب، وتُمَكِّنَهُ من اقتنائه من مظانه «الشرعية».
والسؤال الذى يطرح نفسه: ما الذى يمكن عمله، لإعادة الاعتبار إلى عملية النشر، وإعادتها إلى وضعها الطبيعى؟
هناك العديد من الاقتراحات، هذه بعضها، ولا شك أن لدى مسئولى دور النشر والمثقفين والخبراء اقتراحات أخرى جديرة بالاهتمام:
■ تخفيض الجمارك والرسوم الرسمية على استيراد الورق وسائر مُدخلات صناعة الكتاب.
■ إعفاء دور النشر الصغيرة والناشئة، وهى ليست بالعدد الكبير، من الضرائب، لخمس سنوات مثلًا، أسوة بالمشروعات الاستثمارية، لتشجيعها على تَحَمُّل أعباء فترة التأسيس، وتوجيه المكتبات العامة لاقتناء منتجات هذه الدور الفكرية، لمساعدتها على توزيع كتبها والترويج لإنتاجها.
■ إنشاء مصانع كبيرة لتصنيع ورق الطباعة والأحبار والأفلام والزنكات، وغيرها من المواد الضرورية، ودعم الموجود منها، وتقديم الحوافز لها لتطوير مستوى إنتاجها، وتخفيض أسعار مبيعاتها، وتوفير تكاليف استيرادها.. النقل والجمارك وما شابه.
■ مُضاعفة ميزانيات دعم الكتاب الذى تصدره جميع الهيئات الحكومية، وخاصة «الهيئة العامة للكتاب» و«الهيئة العامة لقصور الثقافة» و«المركز القومى للترجمة»، والتوسع فى إصدارات «مكتبة الأسرة» التى تكاد تتوقف فى الفترة الأخيرة.
■ تبنى الدولة مشروع ترجمة علمية مُمنهجة لأحدث الكتب المُتخصصة والعامة فى العلوم والأفكار والتقنيات الحديثة، لرأب الفجوة بين معارفنا وما يُستجد فى هذه المجالات.
■ إطلاق مبادرة مُنَظَّمة، لإتاحة كنوز الثقافة المصرية والعربية والعالمية، على شبكة التواصل الاجتماعى، مجانًا، لتشجيع الشباب على القراءة.
■ إحياء دور المكتبات المدرسية وإلزام جميع المدارس، والخاصة منها بالذات، بإنشاء مكتبة بالمدرسة، لتحفيز التلاميذ والطُلاب على القراءة.
■ إطلاق مشروع لبناء ألف مكتبة عامة جديدة، مُزودة بالكتب وأدوات التواصل الثقافى، ونشرها فى أرجاء البلاد، خاصة فى المناطق النائية والمحرومة.
■ تعميم مسابقات القراءة، فى المدارس والجامعات، وإطلاق برامج تليفزيونية متخصصة وجاذبة، للترويج لعادة القراءة وعرض أحدث منتجات العقل المصرى، وتبنى الدعوة القديمة، لأن تكون فى كل منزل مكتبة صغيرة، لنشر عادة القراءة بين الأجيال الناشئة.
■ وأخيرًا، ومن الواجب أن يكون أولًا، محو أمية الملايين من المصريين، الذين لا يقرأون ولا يكتبون، فلا خير يُرتجى من أُمّة جاهلة، ومُواطن «لا يفك الخط»، فى عصر الكمبيوتر والروبوت واقتحام أجواء الفضاء.