رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«والباقيات الصالحات».. أملك فى الدنيا والجنة «١-2»


«ألا أدلكم على خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله تعالى».
أرأيتم كيف حال الذاكرين وما لهم من مكانة ومنزلة عظيمة عند ربهم، فالذكر هو أفضل العبادات، بل هو أصل كل عبادة، فلا عبادة بغير ذكر، فالذكر يدور معك أينما تحركت.. إن دعوت الله فهذا ذكر.. إن قرأت القرآن فهو ذكر.. إن صليت فصلاتك ذكر.. إن تكلمت عنه هو، أو دعوت إليه فهو ذكر.. سواء كنت بين الناس أو وحدك، ذكر الله يدور معك أينما تحركت.
إذا اندمج قلبك فى الذكر وكان المقصود هو الله: إنه مستحق للعبادة وليس للطلب، زاد حبك مع الذكر، وتحرك الشوق لله وحده بإخلاص، قد تجد فجأة أن الله قذف فى قلبك الطلب فادع فورًا، فهذا وارد من الله إليك، حينما يطلع الله على ما يشغلك، فيجد أنه لا شىء أكثر من ذكره، تذكره لأنه مستحق للعبادة فيرضى عنك ويفتح لك أبواب الإجابة.. كأنه يقول لك: لبيك عبدى.. فلا تترد: ادع الآن، وارفع يديك وانزل على ركبتيك ولعل هذا معنى: «من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين».
ومن ذكر الله تعالى: «الباقيات الصالحات»، وهى السبيل لمرضاة الله والقرب منه..ماذا تعنى؟ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وله معنى آخر: الباقى هو الخير الذى ستفعله، فذكر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يوقظ بداخلك حب الخير والعطاء.
وقد ورد الإشارة إلى «الباقيات الصالحات» فى القرآن الكريم فى قول الله تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»، «وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا».
الرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: «استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل وما هى يا رسول الله؟ فقال الملة، قيل يا رسول الله وما هى؟، قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم».
الوقوف على أقدامنا يمنحنا مساحة صغيرة فى هذا العالم، حينما تقف مكانك تشغل مساحة محدودة منه، لو جمعت كل ممتلكاتك مهما كبرت ستأخذ مساحة صغيرة فى العالم، وسيأتى يوم ليس بعيد وسنودع الحياة، ولن تبقى لنا أى مساحة على وجه الأرض.. فما هو الباقى منا؟ «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا».
لماذا أسماها الخالق «الباقيات الصالحات»؟، لأنها هى من سيتبقى منك.. لينفعك..كل شىء سيتحلل بينما تبقى هى.. فالجزء الصالح منك لن يعطب.. وسيبقى إلى ما شاء الله أن يبقى.. «وخير أملًا».. هذا الذكر وهو أملك فى الدنيا وفى المستقبل وفى الجنة.
الوقوف على باب الخلق لا يمنحك إلا القليل، أما الوقوف على باب الله سيمنحك العالم كله.. يمنحك ما لا تتوقعه ولم يخطر ببالك.. الوقوف على باب الله سيجعلك عبدًا ربانيًا.. لو أقسمت على الله لأبر قسمك «رب أشعث، مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره».
سيحقق لك مرادك فيما تطلب وفيما تريد. يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى: «من عادى لى وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه».
يقول الله تعالى: «ما وسعتنى أرضى ولا سمائى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن حين يذكرنى»، تخيل هذا الشرف الذى اختص الله به عبده المؤمن، إنه جعل قلبه متسعًا له، وهو سبحانه المنزه عن الحوادث، فقل من كل قلبك: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
لا يوجد أعظم من «الباقيات الصالحات»: التى تذكر بها الله عز وجل، لأنها الجامعة لأذكار كثيرة فى ذكر واحد، وقال عنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن «الله اصطفى من الكلام أربعًا، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».
وعن أنس بن مالك، رضى الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مر بشجرة يابسة ومعه أصحابه، فأخذ بغصن من أغصانها، فجعل ينفضه ويتحات الورق، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ألا قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ليحتن الخطايا، كما يتحات ورق هذه الشجرة».
اجعل «الباقيات الصالحات» تملأ روحك سعادة وحياة وأمل، إن توقف لسانك عن ذكره، فلا تدع قلبك ينشغل عنه بغيره، حتى تكون ممن وسعت قلوبهم للخالق سبحانه.
وقتها يحبك الله ورسوله ويحبك المؤمنون. فالله يضع محبة عباده المؤمنين فى قلوب بعضهم، لأنهم يتشاركون فى شىء واحد هو محبة الله الأعظم، حب لا يشركون فيه معه أحدًا، ولا مبتغى منه إلا رضاه.