رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طالبان أخطر من داعش.. طبعًا


أيام لم تمر على إعلان أشرف غنى الرئيس الأفغانى عن قضائه على تنظيم «داعش»، إلا وصدر تقرير «مؤشر الإرهاب العالمى» الذى وضع أفغانستان فى صدارة الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب، وتصدرت فيه حركة «طالبان» قائمة الجماعات الإرهابية الأكثر دموية، ولولا غياب الإنصاف، لتصدرت «جماعة الإخوان» تلك القائمة!.
الرئيس الأفغانى، المنتهية ولايته، قال الثلاثاء إن قوات الأمن «محت» مقاتلى تنظيم داعش فى أفغانستان. وأمام تجمع لزعماء قبائل ومسئولين فى جلال أباد: «لم يكن أحد يصدق قبل عام أننا سنصمد ونعلن اليوم أننا محونا داعش». غير أن حركة طالبان، شككت فى ذلك كله، ووصفه ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمى باسم الحركة، بأنه «مناف للعقل». وفى حسابه على تويتر، كتب مجاهد إن «إدارة كابول لم يكن لها دور على الإطلاق فى هزيمة داعش، وشعب ننكرهار المحترم شاهد على ذلك».
حركة طالبان التى تقاتل القوات الأفغانية وتنظيم داعش من أجل السيطرة على البلاد، وتسيطر حاليًا على مساحة من الأراضى، هى الأكبر منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان سنة ٢٠١١، ومن بينها مناطق بإقليم ننكرهار. أما تنظيم داعش فانخرط فى النزاع الأفغانى، سنة ٢٠١٥، وتمكن من السيطرة على مساحات شاسعة من ولايتى ننكرهار وكونار الواقعتين قرب الحدود مع باكستان. كما شهدت مدينة جلال أباد عاصمة إقليم ننكرهار موجة من الهجمات الانتحارية خلال السنوات الأخيرة أعلن تنظيم داعش مسئوليته عنها.
وسط هذه «المعجنة»، صدر تقرير «مؤشر الإرهاب العالمى» المشار إليه، وانتزعت حركة «طالبان» صدارة قائمة التنظيمات من تنظيم «داعش»، لأول مرّة منذ سنة ٢٠١٤، ولأول مرة أيضًا، منذ سنة ٢٠٠٣، لم يكن العراق فى صدارة قائمة الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب، ونزل إلى المركز الثانى بـ١١٣١ هجومًا ومقتل ١٠٥٤، بعد أن تفوقت عليه أفغانستان بـ١٤٤٣ هجومًا تسببت فى مقتل ٧٣٧٩، وفى المركز الثالث جاءت نيجيريا التى لقى فيها ٢٠٤٠ شخصًا مصرعهم جرّاء ٥٦٢ هجومًا، واحتلت سوريا المركز الرابع، بـ١٣١ هجومًا أسفرت عن مقتل ٦٦٢ شخصًا. ولاحظ أن الأرقام ترصد ضحايا الإرهاب، طبقًا لتصنيف «المؤشر» أو تقديره.
مؤشر الإرهاب العالمى، هو تقرير سنوى يصدره معهد الاقتصاد والسلام فى سيدنى. والإرهاب، طبقًا لتعريف المؤشر هو «التهديد بـ أو استخدام العنف غير المشروع والعنف من قبل جهة غير رسمية لتحقيق هدف سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى من خلال التخويف والإكراه والترهيب». وفى بيان رافق التقرير، قال ستيف كيليليا، الرئيس التنفيذى للمعهد، إن «انهيار تنظيم داعش كان أحد العوامل التى سمحت لأوروبا الغربية بتسجيل أقل عدد من الحوادث منذ سنة ٢٠١٢».
التقرير توقف أمام مفارقة تراجع حدة الإرهاب، مقابل اتساع انتشاره وتزايده. والتراجع الأكبر تم تسجيله فى العراق الذى أعلن انتصاره على «داعش»، ثم الصومال حيث تتلقى حركة الشباب منذ سنة ٢٠١٧ ضربات موجعة. ومقارنة بالحد الأقصى للقتلى الذى تجاوز ٣٣ ألفًا سنة ٢٠١٤، قال التقرير إن عدد قتلى الإرهاب، فى ٢٠١٨ كان أقل من ١٦ ألفًا. ما يعنى أنه انخفض بأكثر من النصف. فى حين لم تشهد أوروبا، بحسب التقرير، أى هجمات إرهابية كبرى سنة ٢٠١٨، وانخفض عدد القتلى بها من أكثر من ٢٠٠ فى ٢٠١٧ إلى ٦٢ فى ٢٠١٨. غير أن المؤشر رصد زيادة هائلة فى ضحايا الإرهاب اليمينى المتشدد فى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، قدّر نسبتها بـ٣٢٠٪ خلال السنوات الخمس الأخيرة. وأوضح أن ٧١ دولة شهدت وقوع حالة قتل واحدة على الأقل مرتبطة بالإرهاب، وهو ثانى أعلى رقم منذ مطلع القرن الحالى.
الفكرة التى قامت عليها حركة «طالبان» هى نفسها التى تأسس بها «داعش». وكما كان الهدف من إنشاء الأولى هو هزيمة الاتحاد السوفيتى بتكلفة سياسية واقتصادية وعسكرية قليلة، ودون أن تظهر الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الصورة، تم إنشاء الثانى، أى «داعش»، لإسقاط دول المنطقة، وإكمال الفراغ الذى حدث فى العراق حتى يتم تدمير المنطقة بأكملها، وتتمكن من السيطرة عليها، دون اللجوء إلى الحرب التقليدية، وبعيدًا عن مساءلة المجتمع الدولى.
طبيعى، إذن، أن يكون السابق أخطر من اللاحق. وطبيعى، أيضًا، أن يكون الأخطر هو الأصل، أو الجماعة الأقدم أو «الماسورة الأم»، التى خرج من رحمها هذا وذاك وما سيستجد من حركات أو تنظيمات إرهابية: جماعة الإخوان، التى صنعتها «قوى الشر» قبل غروب شمس الاستعمار القديم، لإحداث اضطرابات وتوترات مستمرة فى دول المنطقة، حتى تتمكن من السيطرة عليها واستنزاف ثرواتها، ووضعت فى خدمتها آلة دعائية جبارة، ومنظمات وهيئات دولية يعمل بعضها تحت ستار حقوق الإنسان وتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية.