رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة مقال أدى لاتهام فيروز بخيانة زوجها.. «لم تنكر علاقتها بأنسى»

جريدة الدستور

حينما يتذكر اللبنانيون عشاق السيدة فيروز يتصدر اسم الشاعر البناني "أنسي الحاج" قائمة المفرطين في حبها، فحب أنسى الحاج لفيروز وصل لمرحلة الوله، حتى إن مقالاته عنها تضيع فيها المساحة التي يفصل فيها بين حب فيروز كصوت استثنائي، وبين فيروز كامرأة واثقة حزينة، قليلة الكلام معصومة اللسان.
كان أنسي الحاج من المفرطين في حب فيروز، ونسي في حبها إيمانه، حتى صارت هي دينه الجديد، ونسي أسرته وزوجته وأبناءه، فكانت حلمه الذي يتباعد كالسراب ويقترب كأنشودة يتردد صداها في دمه بلا انقطاع، ففي عام 1970 كتب أنسى الحاج مقالا بعنوان"أحبها بإرهاب"، في الوقت الذي كانت فيه فيروز متزوجة من عاصي الرحباني، صاحب السلطة النافذة والغيرة الآسرة، فتسبب مقال أنسي الحاج وقتها في أزمة عائلية.
فقد رأى عاصي الرحباني أن مقال الحاج تغزل في فيروز كامرأة، فغار على زوجته، ولم تترفق الأقلام الصحفية بأنسي الحاج وتداول الصحفيون الشائعات بأن مشاعر أنسي الحاج تجاه فيروز هي مشاعر متبادلة لا تقوى فيروز على الإفصاح عنها، ما دفع فيروز لإجراء حوار مع مجلة الشبكة اللبنانية في مارس 1970 هددت فيه بأنها ستعتزل الغناء لثلاث سنوات لو لم تتوقف حملة الأقلام عن تصويب سهامها ضدها، ولم تنف أو تؤكد إن كانت تبادل الحاج أي مشاعر ولم تقدح في مقال أنسى الحاج أو تنكر عليه مشاعره.
قال أنسي الحاج في مقاله "في حياتنا لا مكان لفيروز. كلّ المكان هو لفيروز وحدها. ليكن للعلماء علم بالصوت وللخبراء معرفة، وليقولوا عن الجيِّد والعاطل" كانت هذه استهلالة رصينة تقرظ من صوت فيروز، لكن هذه الاستهلالة كانت هي الحياد الوحيد في باقي المقالة التى أفلت فيها نفسه عن أي قيود اجتماعية أو أخلاقية وقال"أنا أركع أمام صوتها كالجائع أمام اللقمة، أحبه في جوعي حتى الشبع، وفي شبعي أحبه حتى الجوع. أضم يديّ كالمصلّين وأناديكَ: احفظْها! احفظها! إذا كنت الله فهي برهانك، وإذا لم تكن أنت الله فهي بديلك!".
احتمى أنسي الحاج بكونه شاعرًا- ويحق للشاعر ما لا يحق لغيره- في أن يباري الله في رسالته إلى فيروز، وطالبه بحمايتها لأنها في نظر الحاج "آلهة"، وترك لكلماته حمالة الأوجه أن تحدث الزوبعة.
بدا أنسى الحاج في مقالته وكأنه عاشق فاض به الكيل عن كتمان حبه، فهذا الكتمان نخر حاجز الكبرياء من أساسه حتى انهال على رأسه رماداً، فوصف مشاعره بــ"الاعتراف"، وكأنه يدرك جيدا أن حبه لها خطيئة في نظر الكثيرين، لكنه لا يبالي بالرجم المعنوي ولا بالأحكام المجتمعية، " لقد وقعتُ سابقاً في بشاعة الكبرياء فكتمتُ اعترافي. والآن أقول اعترافي: إني لا أؤمن إلا بها. وأعيش لأنها هي الحياة. باقي ما أفعله، أفعله مرغماً. أنا مرهون بنزوات حنجرتها، عاقد مصيري على نظرها وخنصرها وآثار قدميها. لقد أعادت اختراع الينابيع. ليست هي طريق الحياة بل الحياة".
هام أنسي الحاج للنهاية، وبدا في مقالته كصوفي أمام هالة نورانية تسمى فيروز، لا يجوز التعامل معها سوى بالصدق وكأن الهالة تجرده من كل الزوائد الدونية ومن الخوف، فعرى قلبه وقال "إني أتكلم من أعماق البصيرة حيث الصدق لا يختبئ من الخجل، ولا يتدلّل لكي يتعرّى: يا رب احفظها! يا رب اخدمها! يا رب اعطني كلاماً يليق بها! لقد ساقوا إليها المديح، وارتكبوا بحقها خطيئة التعظيم. ولكن يا رب لماذا أناديك؟ وهل أنت سوى غريب آخر؟".
كان يدرج الحاج نهايته ومأساته مثلما كان يدركها الحلاج، وقد تعرض نتيجة ذلك لسوء الفهم والقسوة فقال "وسط الجماهير المتمازجة القاسية، أخاف فلا ينقذني إلا صوتها. في فراغ المكان، يتردد كالبشارة في ضميري. في الوقت والأبدية، هو حبي. إني أشتهي ان أضمه بيديّ كيديّ. أو أنفخه فيطير كرماد وردة".