رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مشاهدات فى تحصيلات شركات الكهرباء


كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، كعادته، أول المتفهمين لموقف المواطنين الذين تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها، فكتب عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك: «فى إطار متابعتى لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودى الدخل، فإننى أقول لهم اطمئنوا، لأننى أتابع بنفسى هذه الإجراءات، وأؤكد لكم أن الحكومة ملتزمة تمامًا باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء، وفى إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة».
وكان من نتيجة ذلك عودة مليون و٨٠٠ ألف فرد لصرف حصصهم التموينية بعد قبول تظلماتهم، مع استمرار مكاتب التموين فى تلقّى تظلمات باقى المستبعدين من صرف السلع، وفقًا لمؤشرات العدالة الاجتماعية، وعودة من ثبتت أحقيتهم للدعم، ممن استبعدوا على أساس ارتفاع المرتب الحكومى أو المعاشات، شريحة استهلاك الكهرباء، استهلاك فاتورة المحمول، المصاريف الدراسية، امتلاك سيارة أو أكثر.. وسأتوقف هنا عند الشريحة الثانية، وهم المستبعدون على أساس ارتفاع شريحة استهلاك الكهرباء، الذين طالبتهم وزارة التموين بتقديم بيان معتمد من شركة الكهرباء، يوضح متوسط الاستهلاك الشهرى، وإحضار إيصالات الكهرباء لصاحب البطاقة، تفيد بمتوسط استهلاكه الشهرى.
لم أجد بدًا من التوجه إلى إدارة تحصيل فواتير قطاع بولاق الدكرور، التابع لشركة كهرباء القاهرة، حينما قفزت قيمة فاتورة استهلاكى من التيار الكهربائى عن معدلها الطبيعى، بين أربعمائة وسبعمائة جنيه عن الشهر الواحد، ليُسلمنى محصل المنازل واحدة بقيمة ألفى جنيه دفعة واحدة.. ذهبت وفى يقينى أن هناك شيئًا خطأً، خاصة أن الشكاوى تكالبت على شركات الكهرباء من المعدلات الفلكية التى صدرت بها كثير من الفواتير، وتناولها بعض الزملاء من الإعلاميين فى برامجهم التليفزيونية، إيمانًا منهم بحق المواطن فى معرفة أسباب ما يدفعونه.. أرتال من المواطنين، يدخلون ويخرجون من أبواب الشركة التى تشابهت مع خلية النحل، الكل يحمل شكواه، ويكتم ألمه من لسعة الفاتورة.. وكما دخلت أنا، خرجت ثانية بخفى حنين، عندما أكد لى المسئولون أن استهلاكى طبيعى، بعد أن قاموا أمامى ببعض العمليات الحسابية التى لم أفهم منها شيئًا، لكنى أحترم دائمًا أن «أهل مكة أدرى بشعابها»، وأننى ربما أكون قد استهلكت هذه القيمة وأنا لا أدرى، مع أننى قضيت قرابة نصف الشهر المُشار إليه فى الفاتورة خارج القاهرة!.. ولكن ما بيدى حيلة لدرء هذا الابتلاء عن نفسى، ورضيت من الرُمان بشرابه، بعد أن وعدنى المسئولون بأن منتهى استطاعتهم يقف عند تقسيط المبلغ على عدد من الفواتير القادمة.
إلا أن الأمر لا يجب أن يمر دون ذكر بعض المشاهدات.. وهنا أعود لأهلنا، من أصحاب بطاقات التموين، المستبعدين على خلفية ارتفاع شريحة استهلاك الكهرباء، ومعظمهم من السيدات الطيبات اللاتى سبقت دموعهن كلماتهن، وهن يطلبن من المسئولين بيان استهلاك، لن يصدر لهم قبل عشرة أيام من تاريخ قبول طلبهن ذلك، خاصة أن بعضهن يخضعن للحساب الشهرى بنظام «الممارسة»، لعدم حيازتهن لعداد يقيس حجم استهلاكهن.. والحقيقة التى يجب ذكرها هنا، أن فى هذه الإدارة رجالًا ممن نحب أن يكونوا نموذجًا لرجل الإدارة المطلوب فى كل مصالحنا الحكومية، إذ ترك مدير إدارة التحصيل مكتبه، وجلس وسط زملائه الموظفين يقضى حاجات الناس، ويُيسر عليهم أمورهم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وكذلك رأيت مدير القطاع فى مكتبه، مُيسرًا على المواطن، شفيقًا بحاله، فقلت: «حقًا السمكة برأسها إذا صلح الرأس صلح الجسد كله، والعكس».. لكن هذا لا يُغنى عن ضرورة البحث فى وسيلة تُريح المواطن عناء التنقل بين المكاتب والإدارات المختلفة، قضاءً لحاجة يمكن تلافى عنائها إذا فعّلنا منظومة الدائرة الإلكترونية بين الوزارات المختلفة، إذ إنه، عن طريق هذه الدوائر، يمكن لوزارة التموين الاستعلام عن استهلاكات أى مواطن من التيار الكهربائى، خاصة أن شركة الكهرباء تملك قاعدة بيانات للمشتركين تمتد عبر سنوات طويلة مضت.. وبهذا نبرهن على أننا نسير فى طريق ميكنة الخدمات، التى يجب أن تُصبح واقعًا مُعممًا فى كل الدوائر الحكومية، على الأقل سنمنع كل أساليب التحايل والتلاعب التى يمارسها بعض معدومى الضمير.
أعلم أن هناك شركة تختص بقراءة العدادات، قادتنى الظروف يومًا للتواجد فى أحد فروعها بمحافظة القليوبية، القُرّاء يأتون آخر كل يوم ببيان قراءاتهم لاستهلاكات المنازل والمحال والشركات، وقد أثبتت التجربة أن قارئ العداد لا ينتظم فى الحضور الشهرى لأداء مهمته، وبالتالى يقوم بعضهم بتدوين متوسطات لقراءات سابقة، وفى النهاية سيقوم بالقراءة الصحيحة يومًا، ويتم حساب المشترك عن كل استهلاكه دون أن يدرى، أو لعله يدرى، بأنه يُدخل المواطن فى شرائح أعلى للمحاسبة مخالفة لحقيقة ما كان يجب أن يدفعه، لو أنه قام بمهمته على وقته من كل شهر، وهذا فساد تجب محاربته والوقوف قُبالته.. الثانية تتعلق بمدخلى بيانات الاستهلاك، إذا عند هؤلاء الذين يجلسون أمام أجهزة حاسوب، متصلة بقاعدة بيانات شركات الكهرباء، تتجمع كل بيانات القراءة، وإذا ما أحس أحد من هؤلاء المُدخلين بكثرة ما بين يديه، ألقى بعضًا من البيانات فى سلة المهملات دون إدخالها على الحاسوب، لأنه فى الشهر القادم أو الذى يليه سيُدخل بيانات هذا المشترك أو ذاك، وهنا يمارس هذا الموظف ظلمًا على صاحب الاشتراك، وهو الذى يتقاضى أجره من قيمة فاتورته!، الأمر يمكن تلافيه إذا خصصنا حسابًا لشركة الكهرباء على شبكة الإنترنت، يكون معلومًا لدى المستهلكين، يقومون بتسجيل استهلاكاتهم الشهرية من التيار الكهربائى، لتتم المحاسبة وفق بياناته، ويقوم بعض العاملين بالشركة بالمرور، بين وقت وآخر، لمطابقة قراءات العدادات مع ما تم الإبلاغ عنه من قِبل المواطن.. هذه واحدة، أما الثانية، فهى اللجوء إلى القارئ الآلى، عبر وحدة قراءة إلكترونية، متصلة بالإنترنت تكون بيد القارئ ويوجهها لعداد المشترك، تُسجل استهلاكه، وتُرسلها مباشرة إلى قاعدة بيانات الشركة، وهى هنا تحقق أكثر من هدف.. الأول، أنها تحقق العدل المطلوب للمواطن فى علاقته باستهلاكه الشهرى من التيار الكهربائى، دون زيادة أو نقصان.. الثانى، أن القراءة المُثبتة بتاريخ حدوثها تُعد مستندًا لأى خلاف فى المحاسبة بين المشترك والشركة.. وثالثًا والأهم، أنها تراقب أداء القائمين على قراءة العدادات، وتضمن ديمومة قيامهم بواجبات وظيفتهم، وعلى أوقاتها، وعندها يمكن محاسبة المقصر. لا نستطيع إنكار الجهود الجبارة التى تمت فى قطاع الكهرباء، وأمدت المصانع والمحال والمنازل بما تحتاجه من التيار بشكل منتظم وفاعل، لتصبح خطوة كبيرة على طريق بناء مصر التى نبتغيها، لكننا لا يمكن أن ننكر أن هذا الثوب الأبيض ما زال يعلق به بعض البقع السوداء، وتجب إزالتها.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.