رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن الكرة السياسية


احتلت الرياضة بشكلٍ عام، وكرة القدم على وجه الخصوص، موقع الصدارة فى اهتمامات جمهرة عريضة من المواطنين، فى دول العالم أجمع.. الفقيرة والغنية، المتأخرة والمتقدمة، المحافظة والمتحررة. وأصبحت صناعة ذات أبعاد اقتصادية عُظمى، ورأينا الدول والحكومات تُنفق المليارات لتشييد الملاعب ومرافق ممارستها، وتُنشئ القنوات الفضائية والصحف المُتَخصصة للترويج لمبارياتها، ويهتم السياسيون، فى العالم أجمع بحضور فعالياتها، وتصدُّر متابعيها، لكى يكونوا فى قلب «اللقطة» التى تطوف العالم كله.
لم ينعزل المفكرون والبحاثة عن مُلاحقة هذه الظاهرة اللافتة، فكتبوا فى تحليلها، ومحاولة إدراك أسرار الشغف العالمى بها، والبحث عن أسباب هذا التعلُّق الإنسانى الملحوظ بكل تفاصيلها، حتى أصبح لاعبو الكرة المتفوقون أقانيم للشباب، بل وللكبار، ونجومًا للمجتمعات، فى العالم أجمع، وأساطير تُلاحقها اهتمامات الملايين فى كل لحظة، ويتقاضى البعض منهم مئات الملايين فى كل موسم، وتتنافس الأندية الكبرى على اقتناص أهمهم وأبرز موهوبيهم.
هذه الخواطر جالت فى الذهن فيما كنت- على قلة اهتمامى بمتابعة تفاصيل «الحياة الكروية» فى مصر والعالم- حريصًا، كمعظم المصريين، على مشاهدة مباراة الفريق المصرى للشباب «تحت ٢٣ سنة»، فى مواجهة فريق غانا، وهو فريق مهم، يتميز- كأغلب اللاعبين الأفارقة- بالبنية الجسدية القوية، واللياقة العالية، والقدرات الفنية المهارية، على نحو يجعل من المفهوم أسباب تخاطف الأندية العالمية اللاعبين على هذا الطراز.
وقد شهدت هذه المباراة، بالذات، صعودًا وهبوطًا، وحفلت بالفن والبطولة، والمتعة والإثارة، خاصةً أن الفريق المصرى مُنِى بالهدف الأول فى بدايات المباراة، قبل أن ينال التعادل، ثم بالهدف الثانى الصادم للجميع، فقاتل قتال الأبطال، حتى تكلل مسعاه بالفوز، فى النهاية، بثلاثة أهداف مقابل هدفين!.
ويصح- فى هذه المناسبة- أن نتوقف هنيهة، لمحاولة البحث عن الدروس المُستفادة، من خلف هذه «المعركة الكروية» الحامية، لعلها أن تكون هادية لنا فى مقاربة الكثير من مشكلاتنا ومعضلات حياتنا، ولكى نستخلص من هذه التجربة الحيّة المُعاشة، ما يُعيننا على مواجهة العديد من معوقات تقدمنا، ومنها:
■ إن المُكون البشرى المصرى، إذا ما أُحسن إعداده، يمثل خامة إنسانية ممتازة، يمكن الثقة فيها، والاعتماد على مكوناتها، وقد سبق وراهنّا على هذا المكون، فى مواجهة العدوان الاستعمارى، وفى ملحمة بناء السد العالى، وحروب طرد العدوان الصهيونى، ومواجهة الإرهاب، ولم يخذلنا أبدًا.
■ وفى قلب هذا المُكون يسكن الشباب المصريين، الذين تعرّضوا لهزّات وخضّات متتالية جعلتهم يفقدون الثقة فى أنفسهم ومجتمعهم، وجعلتهم البعض يفقد الثقة فيه. إنه مفتاح التقدُّم إلى المستقبل، وما يُنفق فى إعداده وتهيئته وتأهيله لقيادة هذا الوطن مستقبلًا هو أغلى وأهم استثمار سيعود بالنفع العميم على المصريين جميعًا.
■ نجاح هذا الفريق على الشكل الذى رأيناه، وامتلاكه إرادة الفوز، له أسباب موضوعية، منها التفانى فى الاستعداد، والتدريب، وبذل الجهد لبلوغ الهدف، مع التماسك المعنوى والثبات العاطفى، والقدرة على التركيز، وهو ما يضع أيدينا على مفاتيح النجاح، فى أغلب مناحى الحياة، ويجب أن يكون محل اهتمام كل الأوساط المعنية.
■ وعلى رأس عناصر النجاح وجود المدرب المتخصص الفاهم، كقائد لأوركسترا متكامل، يعرف قيمة «العزف الجماعى»، الذى يحيل الكل إلى واحد، لا كفرد مهيمن يسعى لأن يكون الكل فى واحد، كما نرى فى أندية ومصالح أخرى عديدة. فى الحال الأول يدرك الجميع النجاح، وفى الحالة الثانية تتبدد الجهود، وتضيع سُدى.
■ بث روح الانتماء للوطن، والارتباط بأحلام المجموع، والشعور بالمسئولية تجاه حمل اسم مصر، والالتزام بالدفاع عن شرف الانتساب لها، والاستماتة فى تحقيق الغاية مهما كانت صعبة المنال، والاستعداد للبذل والعطاء غير المحدودين، فى سبيل تشريفها. تمثل كل هذه المفاهيم الضرورية، عناصر يتم بثها فى النفوس، ورعايتها بالحدب والعناية حتى تؤتى ثمارها، ولا تُعطى كدواءٍ مُر يُسقى بالملعقة عنوة، على نحو ما يتصور البعض واهمًا.
هذه بعض الإشارات الأوليّة، أحببت أن أشارك السادة القراء فيها، بصرف النظر عن النتائج النهائية التى نتمنى أن تكون فى صالحنا.