رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"معركة المياه 11".. منفذو محطة "بلتاج" بالغربية: تخدم 40 ألف نسمة والأهالى كافأونا بـ"المشلتت"

جريدة الدستور

رغم ازدهار زراعة «الياسمين» والزهور العطرية فى قرى مركز «قطور» بالغربية، ظلت الرائحة الكريهة لمياه الصرف الصحى تلوث ذلك المشهد، فضلًا عما تسببه من أمراض وانتشار للحشرات، الأمر الذى أثار غضب السكان ودفع أجهزة الدولة للتفكير فى آلية تحمى الأهالى وتتغلب على التلوث والهدر المائى.
الحل كان فى تدشين محطة «بلتاج» للمعالجة الثنائية لمياه الصرف، لتكون واحدة من بين أكبر ٤٠ مشروعًا فى مجال المياه والصرف الصحى بالمحافظة. وتحصل هذه المشروعات على ٤٠٪ من إجمالى منحة برنامج تحسين مياه الشرب والصرف الصحى «IWSP» التابع للاتحاد الأوروبى، ومن المقرر الانتهاء من تنفيذها خلال عام ٢٠٢٠، بإجمالى تكلفة مليار و٣٠٠ مليون جنيه. «الدستور» التقت بعض العاملين فى محطة «بلتاج»، وهو اسم القرية التى تم تدشين المشروع على أرضها، وتحدثت معهم حول رؤيتهم للمشروع وأهميته، ومدى الاستفادة التى حققوها من العمل فيه على المستويين الشخصى والمهنى.


تامر على: أقمت بالموقع لتجنب ضياع الوقت فى المواصلات
بدأ المهندس تامر على، مدير المكتب الاستشارى المكلف بتنفيذ رسومات وتصميمات محطة «بلتاج»، العمل فى المشروع منذ كان مجرد فكرة على الورق، وصولًا إلى تخصيص قطعة أرض تبلغ مساحتها ٢.٥ فدان، وتقع بين مدينة «قطور» وقرية «محلة مسير»، لإقامة المحطة التى تخدم نحو ٤٠ ألف نسمة.
لكن تنفيذ المحطة بتقنية المعالجة الثنائية لتنقية مياه الصرف وإعادة استخدامها مجددًا فى الرى لعلاج أزمة هدر المياه واجهته عدة مشكلات، تعلقت أولاها بهذه المساحة المخصصة لتنفيذ المحطة، فوفق مدير المكتب الاستشارى «جزء كبير من الأرض المخصصة للمشروع من تبرعات الأهالى، لكنها كانت غير كافية للتنفيذ». احتاجت المحطة إلى مساحة أخرى غير التى تبرع بها الأهالى، فبدأت الدولة فى التفاوض مع المزارعين لشراء هذه المساحة، ما خلق حالة من القلق لدى كثيرين، خوفًا من مصادرة أراضيهم أو تضررها. وقال «على»: «بسبب هذه المفاوضات على شراء بعض المساحات، واجهنا عند بدء العمل فتورًا من السكان، وبدأ المهندسون المسئولون عن المسح الميدانى فى طمأنة سكان المنطقة من خلال عقد جلسات توعية مع الفلاحين كى يدركوا أهمية المشروع، وهى جهود استمرت لعدة أشهر».
وأضاف: «انتهت الجلسات قبل بدء التنفيذ وأعمال الحفر، حتى لا يتوقف المشروع بعد انطلاق العمل، خاصة أن المعدات وأدوات الإنشاء تكلف آلاف الجنيهات كل ساعة، وبدأنا العمل فى منتصف أبريل ٢٠١٨».
وبعد انتهاء أزمة الأرض وبدء العمل بالفعل، تعاونت ٣ شركات مصرية مختلفة لإنشاء البنية التحتية للمحطة، مع الاستعانة بخبرات أجنبية، وتحديدًا إحدى الشركات الإيطالية المتخصصة، لتركيب وتشغيل وحدات معالجة المياه والصيانة.
وأشار إلى أن خبرته العملية التى اكتسبها فى مجال الإنشاءات على مدار ١٥ عامًا احتاجت إلى تنمية كبيرة واضطرته لتعلم مهارات جديدة لتنفيذ المحطة، التى تختلف فى بنيتها عن المشروعات التى سبق له العمل عليها، بالإضافة إلى ما اكتسبه أيضًا من تبادل الخبرات مع المهندسين العاملين معه فى المشروع.
وكشف عن أنه بعد بدء تنفيذ المحطة، قرر الإقامة فى قرية «بلتاج» حتى انتهاء المشروع تمامًا، رغم أنه من سكان مدينة طنطا التى تبعد عن موقع المشروع نحو ٥٠ كم، وذلك حتى يظل قريبًا من المشروع بشكل مستمر، ولا يضيع الكثير من الوقت فى التنقل والمواصلات.
محمود القالب: عدت للمذاكرة فى الكتب مجددًا منعًا لأى خطأ

محمود القالب هو المهندس المسئول عن التأكد من خلو المشروع من أى عيب يخل بمعايير السلامة والأمان، بكل ما يشمله ذلك من طبيعة المواد المستخدمة، كالحديد والأسمنت وغيرهما من مستلزمات الخرسانة، بجانب التأكد من مطابقة كل خطوة المواصفات المنصوص عليها فى كراسات الشروط وأوراق الاعتماد والتعاقد.
وقال «القالب»، صاحب الـ٢٧ عامًا، إنه فى أى مشروع من الوارد أن تحدث بعض المشكلات، لذا عليه أن يقف يوميًا لمتابعة تطور العمل، والتأكد من سلامة كل شىء، مشددًا على أن ذلك يستدعى منه الكثير من التركيز والمذاكرة فى بعض الأحيان.
وأضاف ضاربًا المثل بإحدى هذه المشكلات: «فى وردية مسائية، أثناء صب الخرسانة بحائط رئيسى فى المحطة، وقع جدار قريب بشكل مفاجئ، وأثار الفزع والاضطراب، لكن المهندسين رفضوا مغادرة مواقعهم، حتى لا يتضرر القسم الذى يعملون عليه نتيجة تيبس الخرسانة». وواصل: «انخرط الجميع فى الضحك بعدما اكتشفنا أن أحدًا لم يغادر موقعه أو يترك عمله رغم هذا الحادث، وقول أحدهم بصوت عالٍ (لن أغادر حتى لا أضطر لإعادة العمل فى هذا القسم مجددًا)». وروى كذلك أنه «ذات مرة وجدت مهندس المساحة حدد ١٠ قوالب لصب الخرسانة فى مبنى معين، ومع المراجعة اكتشفت أن الرسومات تقول إنها ١١ قالبًا، وبحثت لمعرفة هل كان الخطأ لدى مهندس المساحة أم مهندس الرسم، وقررت مراجعة كل شىء بنفسى».
وأضاف: «استعنت ببعض الكتب واتصلت لأسأل بعض الخبراء والمهندسين الآخرين فى المشروع، حتى توصلت إلى أسباب هذا الخطأ وكيفية إصلاحه، خاصة أنه كان يمكن أن يتسبب فى انهيار المبنى، نتيجة خلل التوازن».
خالد إبراهيم: المشروع ابنى.. وتواجدت فيه 16 ساعة يوميًا

عندما زار المهندس خالد إبراهيم، ٢٦ عامًا، موقع المحطة للمرة الأولى أدرك أنه «مشروع العمر»، الذى سيؤهله للعمل فى مشروعات أخرى كبيرة فى مجال الإنشاءات، فى ظل ما سيكتسبه من خبرات عديدة.
وأعرب «إبراهيم» عن فخره باختياره ليكون أحد المسئولين عن الموقع، فى هذه السن الصغيرة، رغم خبراته العملية التى لم تتعد ٣ سنوات، مضيفًا: «أعتبر المشروع ابنى البِكرى الذى سيكبر على يدىّ».
وبَين أنه كان من أوائل العاملين فى المشروع، حتى قبل بدء تحديد مساحته النهائية، وفصل أراضيه عن باقى الأراضى الزراعية حوله، موضحًا: «كنت أصور الأرض وموقع العمل، كل يوم فى ساعات الصباح الأولى، لأرى كيف تُرسم ملامحه وتتغير يومًا بعد يوم».
وأضاف: «عدد العمال فى البداية كان كبيرًا جدًا، والموقع مزدحمًا للغاية، لكن مع تقدم العمل تقلصت القوة البشرية وأصبح الاعتماد على أصحاب التخصص، وهم ما بين ٧٠ و٩٠ عاملًا ومهندسًا».
وأشار إلى أنه اندهش فى البداية من تخصيص فترة عامين لتنفيذ المشروع، معتقدًا أنها طويلة جدًا، وهو ما تغير بعد ذلك عندما واجه المشروع بعض المشكلات التى أدت لتوقفه لفترة قصيرة، من أجل تطوير الرسومات الهندسية والتغلب على مصاعب البنية التحتية للقرية، التى لم تكن تتحمل صرف مخلفات المحطة.
ووصل: «فى هذه الفترة تواجدت فى الموقع لمدة تزيد على ١٦ ساعة يوميًا، وواجهت صعوبات فى التنفيذ كنت أراها لأول مرة، فتعلمت الكثير مع كل خطوة، وكنت أخشى من احتمالات الفشل، أو عدم القدرة على استكمال بعض الخطوات، لكن ذلك تغير عندما جاءتنا زيارات رسمية من جهات محلية ودولية، من بينها البنك الدولى، التى أشادت بما يتحقق على أرض الواقع، ما منحنا مزيدًا من الثقة فى قدراتنا».
وعن علاقته بأهالى المنطقة، قال «إبراهيم»: «بعد فترة من بدء التنفيذ بدأنا نلاحظ تفاعل الفلاحين مع المهندسين والعمال، ومحاولتهم الدائمة الاطمئنان على سير العمل، والسؤال عن مواعيد الانتهاء منه، وأصبحت هناك حالة من الثقة المتبادلة، وفاجأونا حين جاء بعضهم بالفطير المشلتت والعسل، بكميات تكفى جميع الموجودين وأخبرونا أنها هدية نظير جهدنا فى تنفيذ العمل».
أحمد مصطفى: خدمنا القرية برصف الطرق

باعتباره المهندس التنفيذى للمشروع، كان المهندس أحمد مصطفى حلقة وصل بين الرسومات والمخططات، وما يحدث فعليًا على أرض الواقع، لذا أصبح وجوده فى أرض المشروع طوال الوقت أمرًا حتميًا، ما استدعى منه الاستقرار مع زملائه فى مدينة «قطور»، مع زيارة مدينته «كفرالزيات» فى الإجازات.
وكشف «مصطفى» عن أن طرق القرية التى تجاور موقع المحطة كانت واحدة من كبرى المشكلات التى واجهت منفذى المشروع، فى ظل عدم تحمل بنيتها التحتية سير ماكينات الحفر، وصب الخرسانة، ما دفع العاملين لرصف كل الطرق المؤدية إلى الموقع، الأمر الذى مثل خدمة كبيرة لأهالى القرية، وجعلهم يشعرون بأن المشروع سيغير فعلًا من شكل قريتهم ويحل مشكلاتهم. وأضاف: «رصف الطرق جعل علاقات الود والمحبة تنشأ بشكل متزايد بين العاملين فى المشروع، والفلاحين من أصحاب الأراضى المحيطة، وذلك بعدما كان الجو مشحونًا، فى الأشهر الأولى، وكان كل فلاح يعاين أرضه كل يوم ليتأكد أن أحدًا من المهندسين لن يجور على حدودها، وأن الآلات لن تتلف الزرع، حتى تغير كل ذلك».
وأوضح: «بعد فترة لاحظنا حالة الود من الفلاحين، وفوجئنا عندما قرر بعضهم إهداءنا بعض الذرة المشوى وبدأ توزيعها على الموجودين، الأمر الذى أثار حالة من البهجة فى نفوس الجميع».


صلاح إبراهيم: الأجر أكبر من توقعاتى.. والمهندسون محترفون

كان استمرار صلاح إبراهيم فى العمل نجارًا مسلحًا فى إحدى دول الخليج رهنًا بقدرته على بذل أكبر مجهود ممكن بشكل يومى، لكن الأمر أصبح صعبًا بعدما تجاوز سن الخمسين، ما جعل «الكفيل» يقرر الاستغناء عنه.
فى هذه السن، كان عمل «إبراهيم» مع المقاولين الصغار، والالتحاق بمشروعاتهم فى تنفيذ مسكن أو بناء عقار، أمرًا فى غاية الصعوبة، الأمر الذى أقلقه كثيرًا، خاصة أنه اعتاد العمل فى المشروعات الكبرى التى يعمل فيها مع شركات متعددة الجنسيات.
وأوضح ذلك بقوله: «كنت خائفًا من عدم قدرتى على العمل مع المقاولين الصغار، إلى أن رشحنى أحدهم للعمل فى مشروع محطة بلتاج، الذى كنت أظنه مجرد مشروع صغير، لكنى فوجئت بأنه أضخم بكثير من المشروعات التى عملت بها من قبل».
وتحت ضغط العمل، قرر الرجل الخمسينى الإقامة مع بعض الزملاء فى «كرفان» قريب من موقع التنفيذ، وعدم العودة إلى منزله فى الإسكندرية بشكل يومى، خاصة أنه اعتاد الاغتراب عن أهله وعدم رؤيتهم سوى أسابيع محدودة كل عام أو أكثر.
وكشف عن أن أكثر ما كان يقلقه هو الأجر، لأن لديه ٤ أبناء فى مراحل التعليم المختلفة، كما أنه اعتاد على مستوى معين من الأجور أثناء عمله فى الخليج، لكنه فوجئ بأن الراتب نظير العمل فى المحطة أكبر مما توقع، فضلًا عما وفره هذا العمل من استغناء عن السفر الذى كان يجهده فى ظل كبر سنه.
التفاهم والاحتراف كانا أكثر ما لفت انتباه «إبراهيم» فى عمله مع المهندسين المصريين الموجودين فى مشروع تنفيذ المحطة، وقال: «عملت مسبقًا مع مهندسين من جنسيات متعددة، لكنى لم أجد أبدًا هذا القدر من التفاهم والدقة والاحترافية ووضوح المهام طيلة سنوات عملى الطويلة فى الخارج».
بدأ العمل فى محطة «بلتاج» للمعالجة الثنائية لمياه الصرف
فارس أبوشنب: عملى حمانى من الغربة.. ومستمر بعد التسليم
رغم خبرته القليلة فى مجال مشروعات المياه التى لا تتعدى ٣ أعوام، شارك المهندس فارس أبو شنب فى أكثر من مشروع قومى، من بينها محطة تحلية «البرلس»، قبل أن ينتقل للعمل فى محطة «بلتاج»، التى وصف مهمته فيها بأنها مختلفة تمامًا.
وأوضح «فارس» أنه بدأ العمل لصالح الشركة الألمانية المسئولة عن الميكانيكا الخاصة بمعالجة المياه، منذ نحو ٣ سنوات، وكان يظن أن الشركة ستستدعيه للعمل فى بعض الدول التى تهتم بهذا المجال، دون أن يدرك أنها ستكلفه بالعمل فى مصر. وأضاف: «لحسن حظى، توافق مجال عملى مع اهتمام مصر بتنفيذ مشروعات مهمة فى مجال الحماية من الهدر المائى، ولم أصبح مضطرًا إلى الغربة من أجل ممارسة مهنتى، كما كنت أظن». وكشف عن أنه انتقل مع زملائه إلى السكن فى المقر الذى وفرته الشركة قريبًا من المشروع، ما جعله يترك مدينته الإسكندرية بصورة مؤقتة، ويستقر فى ذلك السكن الذى تتوافر فيه كل عوامل الراحة.
واختتم «دورنا لن ينتهى بمجرد تسليم المشروع، بل سنتابع الصيانة وأعمال التوسع لعدة سنوات، لتلبية احتياجات الزيادة السكانية».

فتحى: إجراءات السلامة تطبق على جميع العاملين
منذ العاشرة من عمره، بدأ «فتحى» ممارسة عمله فى مجال اللحام، الذى استمر فيه لأكثر من ٢٥ عامًا، تنقل فيها بين عدد من المشروعات، ورغم ذلك يرى أن مشاركته فى تنفيذ محطة «بلتاج» هى أكثر أهم مشروعات حياته.
وأوضح: «نتعامل مع مواد جديدة فى مجال العزل واللحام، ونستخدم مواد آمنة طبقًا لمواصفات السلامة الأوروبية حتى لا تؤثر على جودة المياه، لذا تلقيت عدة تدريبات على الطرق الحديثة فى مجالى، وهو ما وفره لى المهندسون المشرفون على المشروع». أهم ما لفت نظر «فتحى»، كما قال، إحساسه بأن سلامته الشخصية موضوعة فى الاعتبار، فى ظل تشديد المشرفين على العمل على ضرورة ارتداء السترات الواقية والخوذات المضادة للصدمات خوفًا من إصابته وزملائه بأى ضرر أثناء العمل.
وأضاف: «اعتدت فى مشروعات سابقة أن مثل هذه الإجراءات المهمة والاحترازية تتعلق بالمهندسين فقط، فى الوقت الذى كانت فيه سلامة العمال والحرفيين لا تراعى بالشكل نفسه، الأمر الذى تغير الآن، بعدما أصبحنا نحظى بنفس الاهتمام من القائمين على تنفيذ المشروعات القومية».