رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اشترت «مرسى».. وباعت بلدها!


الكلام عن ميشيل باشيليه، مفوضة الأمم المتحدة «السامية» لحقوق الإنسان، التى يشهد بلدها «تشيلى»، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، احتجاجات عنيفة ومتصاعدة، أدت إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف واعتقال نحو عشرة آلاف متظاهر!.
باشيليه، Michelle Bachelet، القيادية فى حزب تشيلى الاشتراكى، كان متوقعًا أن يعزز فوزها برئاسة تشيلى، فى ٢٠٠٦، دور اليسار فى مناهضة الهيمنة والسيطرة الأمريكية، لكن ما حدث هو العكس تمامًا. وربما لهذا السبب، كوفئت بمنصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة عن المساواة بين الجنسين، بمجرد خسارتها الانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٠، قبل أن تعود، بدعم أمريكى، لتفوز بدورة رئاسية ثانية فى ٢٠١٤. والطريف، هو أنها بعد انتهاء تلك الفترة، فى مارس ٢٠١٨، وجدت موقع المفوض السامى لحقوق الإنسان فى انتظارها!.
يتلخص دور تلك المفوضية فى إصدار بيانات للاستهلاك الإعلامى أو لابتزاز هذه الدولة أو تلك. وكعادة كل المفوضين، لم تتمكن «باشيليه» من تحقيق التوازن بين المبادئ والسياسة، أو بين المواثيق والضغوط. بدليل أنها لم تنشر، إلى الآن، قاعدة بيانات الشركات التى عملت أو دعمت أو تربَّحت من المستوطنات الإسرائيلية، التى تم تكليف مكتب رئيس المفوضية بإنشائها منذ ثلاث سنوات، استنادًا إلى مخالفة تلك المستوطنات القانون الدولى، وانتهاكها قرارات أممية عديدة.
المهم، هو أن المفوضية «السامية» ضربت الودع وعرفت أن محمد مرسى العياط كان محتجزًا فى حبس انفرادى لمدة ٢٣ ساعة يوميًا، ولم يتم السماح له برؤية سجناء آخرين فى الساعة الوحيدة التى كان يخرج فيها. وفى بلورتها السحرية رأته ينام على أرضية خرسانية مع بطانية أو بطانيتين. وبقلب الأم، ومن قراءتها للطالع، عرفت أنه تعرض للإغماء مرارًا وأصيب بالتهاب اللثة وتسوس الأسنان. ثم انتهت إلى أن «نظام السجون فى مصر ربما يكون قد أدى مباشرة إلى وفاة الرئيس السابق محمد مرسى»!.
هذه الهلاوس، تضمنها بيان صدر الجمعة، بينما كان وسط العاصمة التشيلية، سانتياجو، يشتعل، يشتعل حرفيًا، خلال المظاهرات، التى شارك فيها نحو مليون مواطن، وأشرنا إلى أنها مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، احتجاجًا على تدنى الرواتب وارتفاع تكاليف التعليم والرعاية الصحية والنظام الاجتماعى- الاقتصادى و... و... وبالتزامن، صدر أيضًا بيان مائع عن المفوضية، زعم أن «خبراء حقوق الإنسان المستقلون» رحبوا بقرار سلطات تشيلى دعوة بعثة مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لزيارة البلاد، وأن هذه البعثة ستقوم (ستقوم فى المستقبل) بتقييم حالة حقوق الإنسان، وتحديد الأنماط الرئيسية للانتهاكات وتحليل استجابة مؤسسات الدولة!.
احتجاجات تشيلى بدأت منتصف الشهر الماضى، وتخللتها صدامات عنيفة بين رجال الشرطة والمتظاهرين أدت إلى مقتل العشرات وإصابة الآلاف، واعتقال نحو عشرة آلاف من المتظاهرين. وأعلنت الحكومة التشيلية حالة الطوارئ وفرضت حظر التجوال، مساء ٢٠ أكتوبر، واستدعت قوات الجيش. وفى ٢٥ أكتوبر، أى بعد أيام وأيام من اندلاع المظاهرات، وبعد كل هذه الأعداد من القتلى، والمصابين والمعتقلين، كتبت «باشيليه»، فى حسابها على تويتر، أنها «قررت إرسال بعثة للتحقيق فى ادعاءات انتهاك حقوق الإنسان»، زاعمة أنها فعلت ذلك بناء على طلب من أعضاء فى البرلمان والحكومة التشيلية!.
تفاصيل أكثر حملها بيان أصدرته المفوضية، فى اليوم نفسه، يوم ٢٥ أكتوبر، وصفت فيه التقارير الخاصة بانتهاك قوات الأمن للقواعد والمعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة، بأنها ادعاءات، وأشارت إلى وجود «جرائم ارتكبتها أطراف ثالثة». و«لذلك قررت المفوضة إرسال فريق من ثلاثة موظفين خلال الفترة من ٢٨ أكتوبر إلى ٢٢ نوفمبر لدراسة الادعاءات ومقابلة مختلف الجهات الفاعلة وجمع المعلومات حول التدابير التى اتخذتها الحكومة لمعالجة الوضع».
بين التغريدة وبيانى ٢٥ أكتوبر و٨ نوفمبر المائعين، صدر بيان أكثر ميوعة، فى ٢١ أكتوبر، حثت فيه باشيليه «جميع الفاعلين السياسيين والمجتمع المدنى فى شيلى على الدخول فى حوار فورى وتجنب المزيد من استقطاب الموقف بالكلمات أو الأفعال». وطالبت بأن «تخضع جميع أفعال السلطات والمتظاهرين، التى أدت إلى الإصابة أو الوفاة، إلى تحقيقات مستقلة ونزيهة وشفافة». ولم تفتها الإشارة إلى أن «العشرات من أفراد قوات الأمن أنفسهم أصيبوا».
اليوم، لا يزال نحو عشرين ألف عسكرى وشرطى منتشرين فى البلد الذى يقل عدد سكانه عن ١٨ مليون نسمة. وفى مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، الثلاثاء الماضى، قال سيباستيان بينييرا، رئيس تشيلى، إنه لن يستقيل، زاعمًا أن أسباب الاحتجاجات ترجع إلى مشكلات «تراكمت فى السنوات الثلاثين الماضية». وعليه، تكون الإشارة مهمة إلى أن تلك هى الفترة الرئاسية الثانية للمذكور، خلفًا لـ«باشيليه» التى خلفها، أيضًا، فى الفترة الأولى، والتى قد تخلفه، غالبًا، لو لم يصدر قرار «أمريكى» باختيارها أمينًا عامًا للأمم المتحدة!.