رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة المياه «9».. منفذو محطات شلاتين: تنقذ الأهالى من مياه الآبار الملوثة.. و«بقى عندهم فائض»

جريدة الدستور


أنجز عمال ومهندسو محطات تحلية المياه فى مدينة «شلاتين» بمحافظة البحر الأحمر ما يمكن اعتباره «مهمة إنقاذ»، لتوفير مياه صالحة للشرب للآلاف من السكان الذين كانوا يعتمدون بشكل رئيسى على مياه الآبار الجوفية، التى تتسبب فى إصابة كثير منهم بمرض الفشل الكلوى. فى السطور التالية، يروى هؤلاء العمال والمهندسون، لـ«الدستور»، الكثير من الجوانب الإنسانية والمهنية التى شهدوها فى إنشاء تلك المحطات، وكيف غيرت الوجه الحضارى للمنطقة وجعلتها قبلة للاستثمار والتنمية.

أبوالمعارف عبداللطيف: خطة لزيادة إنتاجها لـ9000 متر يوميًا

قطع أبوالمعارف عبداللطيف ٦٠٠ كم من مسقط رأسه فى مدينة الأقصر إلى حلايب وشلاتين، للعمل مهندس تشغيل وصيانة فى محطات التنقية فيها، الأمر الذى اضطره لزيارة أهله مرة واحدة كل شهر.
وقال «أبوالمعارف»: «إن العمل فى المحطات كان يتواصل على مدار ٢٤ ساعة فى اليوم، بالتناوب بين جميع العاملين، من أجل إنهاء معاناة السكان هناك الذين ظلوا لسنوات طويلة يشربون مياه الآبار».
وأضاف: «شلاتين كانت تحتوى على ٤ محطات قديمة لتحلية مياه البحر، هى مسرح ميرا، وشلاتين، وأبورماد، وحلايب، بقدرة ١٠٠ متر مكعب يوميًا، و١٠٠٠ متر مكعب، و٦٠٠ متر مكعب، و٦٠٠ متر مكعب على التوالى، لكن أعداد السكان المتزايدة وسعت نطاق الأزمة».
وتابع: «فى ظل ذلك النقص الشديد فى المحطات، تم إنشاء وحدتين جديدتين فى ٢٠١١، بقدرة ١٥٠٠ متر مكعب، و١٠٠٠ متر مكعب، لكن لم تحل الأزمة أيضًا».
واستكمل: فى العامين الماضيين، تم حل الأزمة بشكل كامل فى مثلث «شلاتين»، بعد التوسع الكبير فى بناء المحطات هناك، وإنشاء محطة «شلاتين» بقدرة ٣٠٠٠ متر مكعب يوميًا، ومحطة «حلايب» بقدرة ١٥٠٠ متر مكعب، و«أبورماد» بقدرة ١٥٠٠ متر مكعب، و«مسرح ميرا» بقدرة ٢٠٠ متر مكعب.
وذكر: «جميع المحطات الجديدة التى تم إنشاؤها فى السنوات القليلة الماضية حلت تلك الأزمة تمامًا ووفرت مياهًا نقية للغاية كبديل عن مياه الآبار التى كان يتم استعمالها بشكل رئيسى»، مضيفًا: «هناك خطة يجرى تنفيذها لإنتاج ٩٠٠٠ متر مكعب من المياه يوميًا من محطة شلاتين التى تنتج حاليًا ٣٠٠٠ متر مكعب».
وعن الأزمات التى واجهت العمال خلال الإنشاءات، كشف عن أن «أصعب مرحلة تمثلت فى اختيار المكان المناسب لأعمال الحفر، ومدى قربها من مياه البحر، وتحديد إذا ما كانت المحطة ستتم تغذيتها من البحر مباشرة أم عن طريق الآبار».
وذكر: «تغذية المحطات عن طريق الآبار أفضل»، مضيفًا: «سيتم تحويل التغذية لمحطة شلاتين من البحر إلى بئر، يتم تنفيذها حاليًا، خلال أشهر قليلة».
وأكد أن مشروعات تحلية مياه الشرب والتوسع فيها مستمرة فى مثلث «حلايب»، مختتمًا: «الأهالى هناك شعروا بفارق كبير خلال السنوات القليلة الأخيرة، وتوافر المياه فى المنطقة أدى إلى تنميتها بصورة أكبر، وهناك خطة جديدة للتوسعة فى إنشاء هذه المحطات خلال الأشهر المقبلة».



محمود رجب: نستخدم «وحدة أغشية» للتنقية من أى شوائب

قال الدكتور محمود رجب، كيميائى فى محطة تحلية شلاتين فى قرية «الصيادين»، إنه يتم استخدام آليات لفصل المياه عن الشوائب والأجسام الثقيلة، وفى نفس الوقت إمدادها بعناصر مفيدة، مثل الحديد والصوديوم، باستخدام وسيلة الضغط العكسى فى اتجاهات المياه المختلفة. وكشف «رجب» عن أن المعالجة فى تلك المحطة تعتمد على فكرة «التناضح العكسى»، التى تتم فيها تنقية المياه من المواد الضارة، والعناصر غير الصالحة، وتحولها إلى مياه عذبة صالحة للاستهلاك الآدمى. وذكر أن القدرة الإنتاجية للمحطة تصل إلى ٣ آلاف متر مكعب يوميًا، مضيفًا: «هناك محطة جديدة يتم بناؤها حاليًا بقدرة إنتاجية تصل إلى ٣ آلاف متر مكعب أيضًا».
وعن الصعوبات التى واجهته وزملاءه، قال: «واجهتنا فى البداية أزمة توفير مأخذ لنقل المياه من البحر الأحمر، وتم التغلب عليها بإنشائه، وبعد ذلك بذلنا جهودًا فى بناء خزان فلاتر رملية وفلاتر قطنية، ووحدة الـRO، ضمن مراحل التنقية قبل إخراج المنتج النهائى».
وتابع: «فكرة التحلية تعتمد على الحصول على المياه المالحة من البحر الأحمر، وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب، تصل تنقيتها لـ٥ ميكرون بسبب وحدة الـRO، التى تحتوى على أغشية رقيقة تستطيع تنقية المياه من أى شوائب».
وواصل: «واجهتنا أيضا مشكلة بسبب الرواسب، وهى أزمة تكون فى الغالبية العظمى من المحطات التى تحصل على مياه من البحر وليس من الآبار التى تعتبر أسهل كمصدر للمياه، لأن البحر به تيارات مياه ورياح تجلب رواسب كثيرة، تتطلب معالجتها إنشاء خزان مهمته الأساسية منع تمرير الشوائب».
وتابع: «طبيعة شغلنا فيها معاناة، لأننا دايمًا حاسين بمسئولية المشاريع القومية دى، وأهميتها عند الناس والدولة، وفيه مناطق معندهاش ميه عذبة كان لازم نوصل ليها الخدمة».



محمد الشوربجى: نمنا داخل خيم دون اتصالات.. و«فرحة المستفيدين نستنا التعب»

رحلة طويلة قطعها المهندس محمد الشوربجى، ٢٦ عامًا، من المقطم فى القاهرة إلى مدينة «شلاتين» فى أقصى جنوب البلاد، ليشارك فى بناء محطة تحلية «وادى هيبة»، التى تم إنشاؤها فى المنطقة التى تحمل نفس الاسم وتتمتع بتضاريس صحراوية صعبة.
وكشف «الشوربجى» عن أن العمل فى المحطة بدأ فى أكتوبر عام ٢٠١٨، وانتهى فى منتصف العام الجارى ٢٠١٩، لتصبح بمثابة شريان للحياة فى المنطقة التى كانت فى أمس الحاجة لمحطة توفر المياه العذبة بدلًا من مياه الآبار غير النظيفة.
وأوضح: «مياه الآبار التى كان الأهالى يعتمدون عليها لتوفير احتياجاتهم ملوثة وأصابت العديد منهم بالفشل الكلوى، خاصة أنها شديدة الملوحة، وكان السكان ينزلون الجرادل ويأخذون منها المياه الملوثة ويستعملونها فى مأكلهم ومشربهم».
ووصف أجواء العمل بالصعبة للغاية قائلًا: «كنا نسكن فى خيم، وكان الطعام والمياه ينفدان، ولا توجد شبكة اتصالات للاطمئنان على ذوينا، أو التبليغ حالة حدوث أى طوارئ».
وأضاف: «عشنا فى الصحراء ونمنا فى الجبل، وكانت السيارة التى تنقلنا تغرز فى الرمل عند التحرك بها، فنضطر للمبيت داخل الجبل لمدة يومين أو ٣ حتى ينتهى كل الطعام الذى لدينا».
وأشار إلى أن بيوت السكان لا تحتوى على وسائل اتصالات، ويعتمد أغلبهم على رعى الأغنام، كما أن شركة المياه «الرئيسية» بعيدة للغاية عن موقع العمل، ما دفع المحافظة لتوفير سيارات دفع رباعى للانتقال.
وكشف عن أن «وادى هيبة» يبعد نحو ٨٠ كم عن مدينة «شلاتين»، مضيفًا: «رغم ذلك أشرفنا على تنفيذ المحطة رفقة ٤ مهندسين زملاء آخرين حتى يستطيع الأهالى شرب مياه عذبة نقية».
وعن طبيعة مهمته داخل موقع العمل، قال: «كنت مسئولًا عن التصميم من البداية، ثم حصلنا على مصدر من مياه الآبار وعينات لنعرف العناصر التى تحتويها أو الناقصة منها، حتى نستطيع معالجتها بالطرق الصحيحة، لأنه كان من الضرورى قبل البناء تحليل مصدر المياه أولًا، لضمان سهولة معالجتها واستخراج مياه عذبة صالحة للشرب منها».
وأشار إلى أنه وزملاءه واجهوا مشكلات فنية عديدة من أجل ضمان صلاحية المياه، منها أن مياه الآبار بمنطقة «شلاتين» تحتوى على نسبة ملوحة مرتفعة، وبها نقص فى عنصرى الحديد والمنجنيز، لذلك مرت بعدة اختبارات وتحليلات قبل البدء فى معالجتها.
ومن أجل حل هذه الأزمة تمت زيادة عنصر الحديد فى المياه قبل إخراجها من المحطة، وتمت إزالة الملوحة، وإضافة عنصر الصوديوم، وإجراء تعقيم وتطهير للمنتج النهائى، بجانب تمرير عينات على أشعة فوق بنفسجية، كمرحلة قبل نهائية لضمان التطهير الكامل من الشوائب، وفق «الشوربجى».
وأحدثت المحطة صدى إيجابيًا وبهجة واسعة لدى السكان، يصفها «الشوربجى»: «نسينا التعب بسبب شدة فرح الناس بالمياه العذبة.. مش هانسى أول يوم شافوا فيه الميه وشربوها، كانوا بيشكرونا من قلوبهم».

محسن عثمان: كنت أسافر إلى القاهرة بشكل منتظم لجلب مواد العزل

من العاصمة جاء محسن عثمان، مهندس لحام، للمشاركة فى بناء ٣ محطات تحلية للمياه فى مثلث حلايب وشلاتين، حيث استغرق عمله هناك نحو ٤ أشهر، صنعت له تجربة مهنية وإنسانية مختلفة ومميزة، تكللت بتوفير مياه عذبة لسكان المنطقة.
عمل «عثمان» فى المحطات الثلاث فى وقت متزامن، وكانت كل منها تقع فى منطقة بعيدة عن الأخرى، لكنه تحمل الإرهاق البدنى فى سبيل إنجاز عمله بنجاح.
وعن طبيعة مهمته، قال: «دورى فى المشروع هو تصنيع وتركيب دهانات عزل الفلاتر المستخدمة فى تحلية مياه البحر، التى تم تصنيعها لمقاومة الملوحة والخدش والتآكلات، وفى الوقت ذاته لا تؤثر على صلاحية المياه للاستخدام».
وحكى أنه كان يضطر للسفر إلى القاهرة بشكل منتظم لجلب بعض المواد المستخدمة، موضحًا: «طوال فترة عملى فى المحطات الثلاث كنت أنتقل بين القاهرة ورأس غارب، اللتين يتم فيهما تصنيع المادة العازلة، ثم أتجه بها إلى حلايب وشلاتين لتركيبها فى المحطة».
وتابع: «بُعد المسافة بين المدن الثلاث كان أكبر التحديات التى واجهتنى خلال فترة العمل داخل المحطات، وكنت لا أستطيع السفر إلى أهلى بالقاهرة إلا مرة واحدة كل شهر»، مواصلًا: «كما عانيت أيضًا من حرارة الشمس الحارقة فى شلاتين، لكن اعتدنا عليها مع طول فترة مكوثنا فى المنطقة».
وكان لإتمام العمل فى المحطات فرحة كبيرة فى نفوس أهالى حلايب وشلاتين، الذين دعموا وساندوا المشروع، وحسب «عثمان»: «المحطات كانت نقلة حضارية كبيرة للمنطقة، وتنفيذها وفّر للأهالى ٦٠ ألف متر مكعب يوميًا من المياه العذبة، بعد أن كانوا يعتمدون على مياه الأمطار والآبار فقط».


محمد حسام: طيبة الناس هونت علينا الغربة

بَين محمد حسام، مهندس تشغيل وصيانة بشركة مياه الشرب فى البحر الأحمر، طبيعة أزمة المياه فى منطقة «شلاتين»، التى تطلبت بناء أكثر من محطة تحلية وتنقية. وقال «حسام»: «كنت أشاهد أهالى المنطقة يتهافتون على سيارات المياه العذبة، التى يتم نقلها من محافظة قنا إلى شلاتين، ما كان يتسبب فى أزمات عديدة، إلى جانب استعمال الكثيرين منهم مياه الآبار غير الصالحة».
وأضاف: «هذا المشهد اختفى تمامًا فى الوقت الحالى، بعد إنشاء عدة محطات وفرت آلاف الكيلومترات من المياه العذبة يوميًا، وبدأ العمل فيها منذ عام ونصف العام». وتابع: «أصبح هناك فائض من مياه الشرب، بعد أخذ أهالى شلاتين احتياجاتهم، واحتياجات الجمال والأغنام التى يرعونها وتعتبر مهنة لأغلبهم»، مضيفًا: «نادرًا ما نسمع عن شكوى لانقطاع المياه».
وذكر: «أعمال الصيانة كانت تُجبرنا على قطع المياه عن مناطق محددة، لكن الآن ومع وجود أكثر من محطة فى البلدة الواحدة، أصبحت أعمال الصيانة أكثر سهولة، وإذا توقف ضخ المياه عن محطة يعوض ضخها من محطة أخرى، ولا يؤثر ذلك على أهالى المنطقة».
وأشار إلى أنه «رغم الصعوبات التى واجهتنا فى بناء محطات شلاتين، أحسسنا بالفرح من مشاركتنا فى حل أزمة كان يعانى منها أهلنا هناك، الأمر الذى بدد كل الإرهاق والتعب». وأوضح: «العمال عانوا من حرارة الشمس المرتفعة للغاية، والتى لا تقارن بأى منطقة فى صعيد مصر المعروف عنه ارتفاع حرارته بشدة، إلى جانب ارتفاع نسبة الرطوبة التى تؤثر سلبًا على المعدات والآلات التى نستخدمها، والتى كانت تفسد سريعًا بسببها».
وقال: «عانيت على المستوى الشخصى من بُعد المسافة التى تصل إلى ٩ ساعات بين مسقط رأسى فى محافظة قنا وعملى فى شلاتين، إلا أننى أشعر بالراحة وسط أهالى شلاتين الذين يتميزن بالطيبة».



محمود عمر: عملنا 24 ساعة فى اليوم بالتناوب لإنجاز المشروع

الإصرار على المشاركة فى مشروع قومى كان دافع محمود عمر، ٣٦ عامًا، للاغتراب عن أهله فى محافظة سوهاج، والسفر للعمل فى محطة تحلية قرية «الصيادين». وقال «عمر»: «أهلى كانوا فخورين بمشاركتى فى هذا المشروع القومى»، مضيفًا: «كل لما أنزل إجازة أحس إن الكل فى قريتى فخور بى وبقدرتى على خدمة ناس ومواطنين كتير بأن يشربوا مياه نظيفة». وأشار إلى طبيعة عمله قائلًا: «أنا فنى مسئول عن تشغيل الطرمبات والمواسير التى تسحب المياه من البحر الأحمر، من أجل دخول المحطة والخضوع لعملية معالجة، ثم تذهب إلى الفلاتر، لمواصلة عملية التنقية قبل المعالجة النهائية». وكشف عن أن المحطة تعمل بنظام «التناضح العكسى»، موضحًا: «هناك فلاتر لتنقية المياه من الشوائب، وأخرى للتنقية من الأجسام الثقيلة والغريبة، وكنت أتابع ضغط المواسير ونقل المياه منها إلى مرحلة التنقية». وواصل: «عمل معى فى المحطة ١٥ فنيًا ما بين صيانة وميكانيكا وكهرباء، وكنا نعمل على مدار اليوم بالتناوب، وكان بيننا تعاون قوى، جعلنا نقدر على إنجاز المحطة فى وقت قياسى».