رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفتى طنطاوى.. وثورة النواب


الفتى طنطاوى أو النائب أحمد طنطاوى نشر، الأحد الماضى، فيديو فى صفحته على «فيسبوك»، طرح فيه ما زعم أنها «مبادرة إصلاحية»، ورد عليه ٩٥ نائبًا بأن طالبوا، الثلاثاء، بإحالته إلى لجنة القيم، لأنهم رأوا أن ما طرحه يمس الدولة المصرية ومؤسساتها.
مجهود ضخم، قام به الفتى منفردًا أو بمساعدة آخرين. ما يعنى أنه يستحق أجر الاجتهاد، أجر الاجتهاد فقط. غير أننا لا نستطيع اتهام النواب الـ٩٥، بأنهم موجهون أو يتحركون بتعليمات، وإلا يكون من حق آخرين اتهام الفتى بالاتهام نفسه أو بغيره. والإشارة هنا مهمة إلى أن لائحة مجلس النواب تكفل هذا الحق للنواب الغاضبين أو الثائرين، وأن المادة ٣٨١ من اللائحة تتيح للجنة القيم معاقبة النائب الذى يثبت أنه أخل بواجبات العضوية أو ارتكب فعلًا من الأفعال المحظورة عليه، بعدة جزاءات تتدرج من اللوم إلى إسقاط العضوية، لكنها اشترطت لتوقيع تلك الجزاءات موافقة أغلبية أعضاء المجلس، باستثناء إسقاط العضوية التى تتطلب موافقة ثلثى الأعضاء.
فى مبادرته، طالب الفتى طنطاوى بتشكيل ١٢ لجنة برلمانية، مشترطًا أن يتم تقسيم عدد أعضائها بالتساوى بين المؤيدين والمعارضين. وبغض النظر عن تعريفه «المضحك» للمعارض، فلو عدت إلى تصويت المجلس على التعديلات الدستورية التى يأمل الفتى أو يتعشم فى إلغائها، أو على القوانين أو الاتفاقيات التى يتمنى إعادة النظر فيها، ستكتشف أنه لن يتمكن من توفير العدد اللازم من «المعارضين» إلا لو اقتصر عدد أعضاء كل لجنة على عشرة، خمسة يتم فرضهم والخمسة الآخرون لا نعرف على أى أساس سيتم اختيارهم!.
الأهم من تشكيل اللجان، هو أن الفتى فاتته بديهية أن ما ستنتهى إليه لا يمكن تمريره، إقراره، أو الموافقة عليه، إلا بأصوات أغلبية النواب فى جلسة عامة. هذا فى المطلق أو بشأن مراجعة التشريعات التى وصفها بـ«المثيرة للجدل»، والتى يحتاج مجرد التقدم بمشروعات تعديلها أو إلغائها إلى موافقة ٦٠ نائبًا. أما «لجنة الإصلاح الدستورى»، فلو انتهت، كما يتمنى الفتى إلى إلغاء التعديلات الدستورية، فإن ذلك يتطلب أن يتقدم خُمس النواب بطلب تعديل جديد و«إذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عُرض على الشعب لاستفتائه عليه و.. و.. يكون التعديل نافذًا من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة».
بهذه الإجراءات المنصوص عليها فى الدستور، تم إقرار التعديلات، التى لا تعجب الفتى طنطاوى: تقدم أكثر من خمس النواب بالطلب ووافق عليه كل النواب إلا قليلًا، وبطرحها للاستفتاء وافق ٢٣.٤ مليون مواطن بنسبة ٨٩٪ تقريبًا من إجمالى عدد الحضور. وبالتالى، انتقلت تلك التعديلات إلى متن الدستور، ولا يمكن لعاقل أن يتوقع، يتخيل أو يحلم بأن يوافق النواب أنفسهم والشعب نفسه على تعديل أو إلغاء ما وافقوا عليه منذ شهور!.
نأتى لـ«مراجعة الاتفاقيات الدولية»، والتى لم نجد لمطالبة «الفتى» بإعادة النظر فى اتفاقية تعيين حدودنا البحرية مع قبرص واليونان، ما يبررها إلا بربطها بكلام «المقاول الأجير» أو المستعمَل، بفتح الميم الثانية، عن بيع «حقل غاز» لدولة أخرى أو مشاركتها فيه كمثال للقرارات التى قد يتخذها الشعب لو حكم نفسه بنفسه. وكنا قد رجحنا وقتها، وقت هوجة ذلك الأجير أو المستعمَل، أنه كان يقوم بنقل رسالة من مستعمِليه، بكسر الميم الثانية. ودعم هذا الاحتمال أن واحدة من حريم الرئيس التركى كتبت فى حسابها على «تويتر» أن كل شىء سيتوقف إذا قرر السيسى الحوار بشأن غاز شرق المتوسط. وما قطع بأن هذا الكلام ليس عابرًا أو مجرد «هبْد»، هو أن أحد مستشارى أردوغان قام بمشاركة تلك التغريدة!.
التدليسات التى تضمنها الفيديو الطويل تحتاج إلى ساعات لتفنيدها. وعلى سبيل المثال، ستجد الفتى يستند إلى أكاذيب عن حجم الفساد أطلقها الرئيس السابق للجهاز المركزى للمحاسبات، والتى بمجرد أن صدر قرار بتشكيل لجنة للتحقيق فيها، حاول هو نفسه التنصل منها، وتقدم ببلاغ ضد الصحفية التى نقلتها عنه. ولولا أن الزميلة استطاعت إثبات أنه أدلى بها، فعلًا، لتم حبسها، بموجب القانون نفسه الذى عوقب به الرجل عن أكاذيب أخرى أطلقها بالصوت والصورة، ولم يجد دفاعه مخرجًا منها غير التشكيك فى قواه العقلية!.
وأخيرًا، لا شىء غير الرغبة فى افتعال جدل أو محاولة اصطناع بقعة ضوء، يفسر قيام الفتى طنطاوى بتضييع وقته ووقتنا فى هذا العبث الذى لن ينتهى، قطعًا إلى أى شىء، ولا يمكن الخروج منه بأى نتيجة غير أنه، لو افترضنا حسن النية، لم يقرأ الدستور، القانون، أو لائحة مجلس النواب، ولا يعرف «ألف باء» سياسة، أو بيستهبل!.