رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"معركة المياه 4".. العاملون فى محطات التحلية بمطروح: المحافظة ستستغنى عن نهر النيل

جريدة الدستور

«مالديف الشرق».. لقُبت محافظة مطروح بهذا اللقب منذ سنوات لعدة أسباب، أبرزها جمال شواطئها ورمالها وموقعها المتميز، الذى يطل على البحر المتوسط، وزادت أهمية المحافظة بوجود مشروعات قومية عديدة على أرضها، منها محطات التحلية العملاقة التى تنتشر حاليًا فى جميع أنحائها.

وبدأت مطروح فى ملف إنشاء محطات التنقية العملاقة مبكرًا، لندرة المياه التى تأتيها من نهر النيل، وبفضل سواعد الرجال ورؤية القيادة تحولت محطات التحلية فى المحافظة إلى ملحمة وطنية كبرى، حتى إنها ستحقق الاكتفاء الذاتى من المياه، ومن ثم الاستغناء عن نهر النيل.
«الدستور» التقت عددًا من العمال والمهندسين الذين أشرفوا على إنشاء محطات تحلية المياه لمعرفة الجهود التى بذلوها لصنع هذا الإنجاز.

بسنت: مصافٍ ميكانيكية لإزالة الشوائب والرمال والأحجار

بدأت بسنت هشام، ٢٧ عامًا، إحدى مهندسات محطة الرميلة فى مطروح، عملها فى المشروع منذ عام ٢٠١٤، بهدف وجود منفذ للمياه العذبة يخدم المواطنين فى المحافظة والمناطق القريبة منها، التى لا تصل إليها المياه. وقالت: «بدأنا العمل فى المحطة بجدية شديدة منذ اليوم الأول حين تسلمتها الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى من القوات المسلحة»، موضحة أن العمل كان يتم بشكل يومى ومتواصل فى ساعات النهار والليل حتى يتم تسليمها فى الموعد المحدد.
وأضافت أن المحطة بها ٣ محطات فرعية، جميعها باسم الرميلة «١، ٢، ٣»، الأولى والثانية تنتج كل منهما ٢٤ ألف متر مكعب مياه فى اليوم الواحد، والثالثة طاقتها الإنتاجية ١٢ ألف متر مكعب فى اليوم الواحد، ليكون إجمالى إنتاج المحطات ٦٠ ألف متر مكعب مياه يوميًا. وعن العمل بالمحطة تقول: «المحطة تعمل بنظام (التناطح العكسى) من أجل تحلية مياه البحر، ففى بداية المشروع أنشأنا ما يُشبه المأخذ لنقل مياه البحر إلى الطلمبات التى تعمل على تنقية المياه المالحة وتحويلها إلى عذبة صالحة للشرب».
وتابعت: «توجد مصافٍ ميكانيكية تعمل على تصفية مياه البحر من الشوائب والرمال والأحجار وجميع الأجسام الغريبة، لاسيما التى تأتى من الأعماق».
وعن المشكلات والمعوقات، التى واجهتها أثناء العمل فى تلك المحطة، ذكرت أنها من أبناء المحافظة، لكن هناك عمالًا ومهندسين آخرين كانوا مغتربين يتركون ذويهم بالأشهر، مشيرة إلى أنهم واجهوا أزمة أيضًا فى غلاء أسعار المواد الخام الخاصة بعملية بناء محطات التحلية وتشغيلها.

عامر: واجهنا أزمة قطع الغيار دون رفع التكلفة

عبدالصمد عامر، ٤٥ عامًا، من أبناء محافظة سوهاج، جاء إلى مطروح للعمل والمشاركة فى المشروع القومى الخاص ببناء محطة تحلية مياه فى منطقة شاطئ الغرام.
وقال «عامر» إن المياه تأتى لمدينة مطروح من محافظة إسكندرية لكنها ضعيفة ولا تغطى سوى ٢٠٪ من احتياجات الكتلة السكانية، مشيرًا إلى أن الشركة القابضة للمياه اتجهت إلى تحلية مياه البحر لهذا السبب.
وأوضح: «بدأت الشركة مشروع التحلية بتأسيس ثلاث محطات فى السلوم وسيدى برانى وشاطئ الغرام، وفى كل منها يعمل ما يقرب من ٥٠ عاملًا ومهندسًا كى يستطيعوا تسليم المحطة فى الموعد المحدد».
وأشار إلى أن الطاقة الإنتاجية لمحطتى السلوم وسيدى برانى بلغت ألفًا و٥٠٠ متر مكعب مياه فى اليوم لكل منها، أما محطة شاطئ الغرام فطاقتها الإنتاجية ٢٠٠٠ متر مكعب فى اليوم.
ولفت «عامر» إلى أن المحطة تعمل بنظام «التناطح العكسى» وفرق ضغوط ما بين الوسط الأقل ملوحة والأعلى ملوحة حتى تتم تنقية مياه البحر وإزالة الأملاح منها، وتكون صالحة للشرب والاستهلاك الآدمى، مشيرًا إلى أن محطات التحلية تغطى ما يقرب من ٧٥٪ من الاستهلاك اليومى للمياه. وكشف أنه فى أثناء العمل واجهتهم مشكلات فى عدم توافر المواد الخام وقطع الغيار الداخلة فى عملية البناء، ما كان يدفعهم إلى السفر لأماكن بعيدة المسافات، لجلب هذه المواد بأسعار معقولة، مشيرًا إلى أن ميزانية المشروع قاربت على المليار جنيه، وكان لا بد من العمل فى تلك المساحة وعدم زيادة الميزانية بتكاليف أخرى، فتم الاعتماد على مواد خام وقطع غيار ومستلزمات بأسعار قليلة ولكن بجودة كبيرة.

الطالب محمود: أعود لسوهاج أيام الامتحانات فقط
محمود عبدالصمد، ٢٠ عامًا، عامل فى محطة شاطئ الغرام، جاء رفقة والده المهندس فى ذات المحطة، للاشتراك والعمل فى ذلك المشروع القومى.
يقول «عبدالصمد» إنه يدرس فى كلية الهندسة بجامعة سوهاج، ويرافق والده فى المشروع طوال العام ولا يعود سوى أيام الامتحانات فقط، إذ إنه أحب عمله فى المحطة كثيرًا.
وذكر أن التحلية فى محطة شاطئ الغرام تمر بثلاث مراحل هى المعالجة الابتدائية، والتحلية بـ«التناطح العكسى»، وأخيرًا مرحلة المعالجة النهائية، التى تكون فيها المياه صالحة للشرب.
وأوضح: «مرحلة المعالجة الابتدائية يتم فيها إدخال مياه للمصافى الميكانيكة لتنقية الشوائب والكائنات الحية والأجسام الغريبة، ثم تدخل للفلاتر الرملية متعددة الوسائط، وتكون بالفلتر نفسه طبقات من الرمل والزلط تزيل أى زيوت نفطية أو أى سوائل ذات رائحة، لتنقيتها بنسبة ٥ ميكرون».
ويواصل: «تتم التنقية حتى تصل إلى آخر مرحلة فى المعالجة، وفيها يتم التخلص من كل الأملاح الموجودة فى مياه البحر بنسبة ٩٥٪، أما الـ٥٪ المتبقبة فلا بد من وجودها لأهميتها للصحة، وهى الأملاح الأحادية والماغنسيوم، ومن ثم تكون المياه منقاة من كل شىء بنسبة ٩٩.٩٪».


السيد: لدينا خبراء وفنيون يستطيعون إنشاء أكبر المشروعات

أحمد السيد، عميد مهندس متقاعد، واستشارى محطات تحلية المياه فى إحدى الشركات العقارية بمحافظة مطروح، يقول إن إنشاء محطات التحلية فى مطروح له العديد من المميزات، لا تتوافر فى غيرها من المحطات فى باقى أنحاء الجمهورية، منها قرب المياه المالحة من سطح التربة، الأمر الذى يسهل عمليات تغذية المحطات، بالإضافة إلى خلوها من مادتى الحديد والمنجنيز، وهما أسوأ مادتين تعانى منهما محطات التحلية.
وأضاف: «شاركت فى إنشاء وتنفيذ ٣ محطات لتحلية مياه البحر فى قريتين سياحيتين فى الساحل الشمالى، وفرت ١٨٠٠ متر مكعب من المياه يوميًا لتغطية هذه القرى باحتياجات سكانها كاملة من مياه الشرب». ويذكر «السيد» أنه تم إنشاء محطتين منذ ٥ سنوات فى سيدى عبدالرحمن، وتوفران ٢٨٠٠ متر مكعب من المياه، فيما تم إنشاء المحطة الثالثة منذ عامين وتوفر ٢٠٠٠ متر مكعب من المياه.
وقال: «عملت فى مجال تحلية مياه البحر منذ ٢٥ عامًا، ومصر رغم أنها حديثة فى مجال التحلية إلا أن بها خبراء وفنيين يستطيعون إنشاء أكبر محطات التحلية، لكن الأزمة فى ارتفاع تكلفتها المادية، بالإضافة إلى استهلاكها العالى للكهرباء، فكل متر مكعب من مياه التحلية يحتاج إلى ٤ كيلو وات من الكهرباء»، مشيرًا إلى أن تكلفة إنشاء محطة صغيرة توفر ٢٠٠٠ متر مكعب مياه يوميًا تتراوح بين ١٠ و١٢ مليون جنيه.
وعن مراحل تنفيذ المحطات أوضح: «المحطات لا تسحب المياه من البحر مباشرة، لكنها تحفر آبارًا شاطئية تغذى المحطة وأخرى لصرف المياه التى تخرج بعد عملية التحلية وتكون ملوحتها عالية جدًا، وصرفها فى البحر يضر الكائنات البحرية».
وذكر «السيد» أن هناك دولًا كاملة تعيش على مياه التحلية مثل دول الخليج، مشددًا على أن مصر قادرة على توفير ٣٠٪ من احتياجاتها المائية إذا استطاعت استغلال محطات التنقية ومياه الأمطار، والتوسع فى إنشاء محطات معالجة مياه الصرف واستغلالها فى الزراعة، حتى تكون المياه العذبة للشرب فقط، ما سيوفر الملايين من المترات المكعبة من المياه.

الجوهرى: نسيت التعب بعد بدء عملية التشغيل التجريبى

نموذج آخر لأحد المهندسين، الذى يسعى للمشاركة فى الواجب الوطنى، هو المهندس أحمد الجوهرى، الذى كان من ضمن المنفذين لمحطة التحلية بالعلمين الجديدة، وترك عائلته فى مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية واتجه للسكن فى مطروح بالقرب من موقع عمله لمدة عامين حتى انتهاء أعمال الإنشاءات والتشغيل التجريبى للمحطة فى نهاية ٢٠١٨.
وقال «الجوهرى» إنه قضى عامًا ونصف العام فى المدينة، وكان يزور أسرته كل شهرين، نظرًا لضغط العمل المتواصل، مشيرًا إلى أنه كان سعيدًا بالمشاركة فى هذا المشروع الضخم، لافتًا إلى أنه شارك فى إنشاء العديد من محطات التحلية، لكن «العلمين الجديدة» كانت أكبرها.
وأضاف أن محطة العلمين الجديدة تعد من أضخم محطات التحلية، التى تم تنفيذها فى مصر، حيث تنتج ١٥٠ ألف متر مكعب فى اليوم الواحد، مما سيوفر مياهًا لأكثر من ٦٠٠ ألف نسمة يوميًا، ما يعنى أن المدينة الجديدة لن تحتاج إلى مياه النيل وستعتمد على مياه المحطة بالكامل. ويواصل: «بدأنا العمل فى المحطة فى أكتوبر ٢٠١٦، واحتجنا عامًا لمعالجة التربة التى سيتم البناء عليها، واستوردنا معدات ذات تقنية عالية من إسبانيا، التى كانت شريكًا فى تنفيذ المحطة مع القوات المسلحة وبعض الشركات الخاصة».
واستكمل: «أكثر اللحظات التى شعرت فيها بالفخر كانت فى ديسمبر ٢٠١٨، عندما بدأ التشغيل التجريبى للمحطة، وعندما شاهدت عملية التحلية تتم كاملة وبدأت عملية ضخ المياه العذبة فى الأنابيب المخصصة لها، نسيت التعب وساعات النوم القليلة والإجهاد الذى شعرت به وزملائى طوال العامين اللذين مضيا فى تنفيذها». وتابع: «كان معنا عمال حفر وخرسانة ومهندسون ميدانيون بالإضافة إلى الفنيين ومهندسى التركيبات، الذين بدأوا عملهم بمجرد الانتهاء من الإنشاءات الميدانية».
واختتم: «الفائدة التى ستعود على المصريين من إنشاء المحطات ستكون كبيرة جدًا، ومطروح ستصبح المحافظة القادرة على الاستغناء عن مياه النيل تمامًا».