رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صانعو القبح




عجيب أمر التراشق الأحمق الذى أطلقه حاملو أسلحة المباهاة الذكورية القادرون دومًا على تصنيع القبح وتصديره والترويج له من الطرفين.. وإن كانت الأمانة تقتضى الاعتراف بأن إطلاق النار تم من جانبنا أولًا فكعادة المصريين دومًا يحولون دائمًا كل شىء حولهم لهزل وملهاة، وهى آلية دفاعية نفسية معهودة، وميكانيزم موروث ومجرب اعتاده المصريون كطوق نجاة يعزون به أنفسهم، ويجعلهم ذلك أكثر مقدرة على تحمل متاعب الحياة، وهذا ما لا يفهمه أو يعيه غيرهم ممن يجهلون طبيعة المصريين، بل جغرافيتهم.
النيل ومراكبه الشراعية جعلت غالبية شعبه يجلس مزجيًا وقته بالتنكيت، ولكن عندما يمس الهزل والتنكيت ثورة شعب يعانى، ويمس نساءه بالأخص، هنا يبلغ التحفظ مداه، فردت الأصوات الغاضبة الصاع صاعين، وبدأ ماراثون المعايرة. فنظرة المجتمع شديدة الذكورية فى مصر والتى تفضح الكثير من العجز جعلت بعض الشباب الأهوج يقدم أطروحات لزجة بشأن المرأة المصرية واللبنانية وعلى قدم المساواة، وبشكل فيه استعلاء وغبن للطرفين.
فالزعم بتفوق جمال اللبنانية «الجميلة حقًا» على المرأة فى مصر، وإن هؤلاء المتكئين فى انتظار لجوء اللبنانيات الجميلات لمصر، لإزجاء أوقات هؤلاء التنابلة، فيه غبن وتسليع للطرفين من قيل عنها الأجمل، ومن قيل عنها الأقبح، بل وللرجال أنفسهم.
فالقبح دومًا صنيعة التنابلة الذكوريين العاجزين عن الفعل، والذين حجبوا وأخفوا وباعوا واشتروا فى نساء بلادهم باسم الدين تارة، وباسم المجتمع والثقافة الريفية تارة، وباسم الثأر والشرف والعار والتقاليد والأعراف، وجميعها مواد تسرع من اشتعال وتشكيل القبح فى النفوس، ومن ثم تقبح الوجوه وتترهل الأجسام.
كيف تطلب ممن سحقتها وأخفيتها أن تبدو جميلة وسعيدة؟ كيف تريدها أن تتسبب لك فى السعادة وقد تسببت أنت لها فى التعاسة؟
لقد خذلتها وكسرتها بضغوط وتعليمات وفرمانات، وطمست معالمها بيونيفورم، صارم متذرعًا بالدين وأشياء أخرى. لقد حجبت المرأة وأفسدت روحها، فأصابها بعض من القبح، أما من رحمها ربها ورحمتها الظروف واستطاعت الفكاك من موادكم الكريهة التى أضفتموها عليها لتتقبح وانسلخت من مجتمعكم بالهجرة أو السفر أو اللجوء أو العمل فى الخارج، فتلك يتهافت عليها الرجال فى لبنان وفى الغرب وفى كل مكان، ووضعيتها دومًا مُقدرة على كل صعيد. فالتعميم والتسليع والتصنيف أضر بنساء الكوكب جميعًا.
فليست كل لبنانية دمية مصنعة بلاستيكيًا، وليست كل مصرية قبيحة، وليست كل تونسية علمانية حرة، وليست كل مغربية منبطحة تعشق المال.
فالآراء المعلبة والصور النمطية المنطبعة فى الأذهان والانطباعات الشكلانية، أضرت بالحقيقة وبالواقع المعاش ضررًا بالغًا، أما من سبر أغوار الآخر، وعاشر الآخرين حقًا، سيدرك حتمًا ذلك الخلط بالمعايشة وبالتجربة، أما من يسخر من نسائه ونساء غيره ويختبئ وراء الكيبورد موجهًا طلقات القبح، ومصوبًا سلاحه فى وجوهنا لا وقت لدينا لنضيعه معه. فالواقع المعاش فيه من العناء ما يكفينا ويكفى الجميع ويتطلب دائمًا جهدًا كبيرًا يحرم إهداره فى تلك الترهلات. فنساء مصر فى الواقع يحاولن إصلاح حال مجتمعهن، ونساء لبنان يقفن جنبًا إلى جنب رجاله فى ثورتهم ضد الفاسدين ولا يعانين من التحرش، فلا وقت فى لبنان للتحرش.
لبنان يواجه اليوم ما فى مجتمعه من طائفية وسلاح عشوائى غير مقنن تحمله جماعات وأحزاب حولت المجتمع لطوائف ونحل صار لها أمراؤها الفاسدون من أجل لبنان علمانى موحد حر. فلا تشتتوا رجالهم ونساءهم وهم فى أرض معركتهم الوجودية، ابقوا قابعين أيها التنابلة خلف الشاشات، واتركوا نساء مصر يواجهن التحرش.
أما الرسالة التى أود توجيهها للسيد علاء مبارك ردًا على تغريدته اللزجة بخصوص نساء مصر، وأنهن أقل حظًا من اللبنانيات فى الجمال، ولو كن مثلهن لثار معهن ضد أبيه، فأنا أقترح على السيد علاء أن يخرج للتنزه فى الحى الذى يقطن فيه أو التجول فى ميادين وشوارع جيرته فى حى مصر الجديدة، ويمكنه أيضًا استئجار سائق وعبور كوبرى ٦ أكتوبر لحى الزمالك وجاردن سيتى، بل ويمكنه أيضًا الذهاب لمدن الدلتا والصعيد والجونة وساحلنا الشمالى، ليرى بعينيه نساء بلاده الجميلات اللاتى ثُرن جميعًا ضد أبيه.. ولم يكنّ فى انتظاره.