رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الله أكبر من كل شىء.. كبره تكبيرًا


يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى: «من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته ‏أفضل ما أعطى السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه»، وهذا ما يدل على عظم شأن الذاكرين عند الله تبارك وتعالى، هو أنه يلبى مسألتهم حتى من دون أن يدعوا بها، تكريمًا لهم، لما انشغلوا بذكر الله عن كل شىء سواه.
الذكر سر سبقك وتفردك عند الله، فالنبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «سبق المفردون»، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات». لأنهم تفردوا وتميزوا عن غيرهم من العباد بكثرة الذكر.
والذكر سبب للسعادة، فالله تعالى يقول فى القرآن الكريم: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، وعلى النقيض، فإن عدم الذكر سبب الشقاء: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا»، والضنك ليس الفقر، بل قد يكون مع الإنسان المال، لكنه لا يشعر بالسعادة، أو قد يكون ناجحًا ومع ذلك تراه غير سعيد، وليس ذلك إلا لإعراضه عن ذكر الله.
يقول الحافظ ابن كثير، رحمه الله: «(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) أى: فى الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو فى قلق وحيرة وشَك، فلا يزال فى ريبه يتردد، فهذا من ضنك المعيشة».
لماذا ذكر الله مصدر السعادة؟ لأن الإنسان محاصر دائمًا بين آلام الماضى ومخاوف المستقبل، كلاهما يضغط على الإنسان فيفقد الإحساس بالحاضر، حتى لو كان الحاضر جميلًا وفيه من النعم الكثير، لكنه لا يستطيع تذوق الحاضر، لأنه خائف وقلق من المستقبل، وتشكل هيمنة الماضى وقلق المستقبل حملًا ثقيلًا على الحاضر، تجعله لا يشعر بالسعادة، لأن هناك خللًا فى توازن المشاعر.
عش الحاضر، استمتع باللحظة الآنية التى تعيشها، خصص من وقتك الطويل، ولو نصف ساعة يوميًا لذكر الله، فالذكر يجعلك تعيش الآن مع الله، لأنك لن تسمع إلا صوتًا يتردد بداخلك «لا إله إلا الله»، فيتوقف الزمن عند الآن مع الله، ويتوقف مع الذكر الماضى والمستقبل، لأنك مع الله تعيش الحاضر، وهذا ما تحتاج إليه بشدة.
يقول الله تعالى: «اتْلُ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ»، فالذكر هو أعظم عبادة، لا تخلو منه عبادة، فإنما العبادة هى فى الأساس ذكر.
و«الله أكبر» من الذكر، بل إنه من أعظم الذكر، ففيه الثناء على الخالق بما هو أهل له، و«الله أكبر» معناها: إن الله أكبر من كل شىء فى ذاته وأسمائه وصفاته وكل ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، فكل معنى لهذه الكلمة من معانى الكبرياء فهو ثابت لله عز وجل.
الله أكبر من الدنيا وما فيها.. الله أكبر أول كلمة فى الأذان.. الله أكبر باب الدخول على الله فى الصلاة.. الله أكبر من همومك وأحزانك.. الله أكبر من آلامك وأوجاعك.. الله أكبر لو كل الدنيا ضدك.. الله أكبر لو كل الناس ضدك.. الله أكبر لو تجمعت ضدك مؤامرات الدنيا.. الله أكبر عند ذبح الذبائح.. الله أكبر عند رمى الجمرات فى الحج.. الله أكبر فى العيدين.. الله أكبر فى أيام التشريق.. الله أكبر فى سجود التلاوة، وغيرها.
يقول العلماء: «الله» علم على الذات العلية الواجبة الوجود المستحقة لجميع المحامد، أنزله على آدم فى جملة الأسماء وهو أشهر أسمائه، ولهذا تأتى بعده أوصاف له، وقد قبض الله تعالى عنه الألسن فلم يسم به سواه عز وجل.
قال تعالى: «هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا»، أى هل تعلم أحدًا تسمى الله استفهامًا بمعنى النفى، وقد ذكر فى القرآن الكريم ألفين وثلاث مائة وستين مرة، وهو «أعرف المعارف وأتمها»
وكلمة «أكبر» بصيغة أفعل التفضيل معناها أجل وأعظم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: سبحان ذى الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة.
عن عبدالله بن عمر، رضى الله عنهما، قال: «بينما نحن نصلى مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم- بعد أن قضى صلاته: «من القائل كلمة كذا وكذا؟»، قَال رجل من القوم: أَنا يا رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: «عجبت لها ففتحت لها أبواب السماء»، قَال ابن عمر، رضى الله عنهما: «فما تركتهن منذ سمعت رسول الله، صلى الله عليه، وسلم يقول ذلك».
وجاء أعرابى إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، فقال علمنى كلامًا أقوله، قال: «قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا». وفى حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».
عند سماع الأذان، يسن أن يقال مثل ما يقول المؤذن ومنه قوله «الله أكبر»، وعند دخول الصلاة نستهلها بـ«الله أكبر» لماذا؟ الله أكبر من الدنيا، فإياك أنت وفى لقائك مع الله، أن يكون فى قلبك من هو أكبر منه، اجعل الله، وحب الله أكبر شىء فى قلبك.. أثناء الصلاة، إياك أن تكون كاذبًا.. تنطق «الله أكبر» بلسانك، وبداخلك شىء آخر أكبر من ربنا فى قلبك.
الله أكبر.. انظر إلى ملكه «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا»، وما السماء الأولى فى السماء الثانية إلا كحبة فى صحراء.. الله أكبر.. بكل شىء عليم.. الله أكبر بكل شىء محيط.. الله أكبر.. «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ».. الله أكبر.. «لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ».
«وَلَوْ أَنَّمَا فِى الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، لو أن كل شجر الأرض تحول إلى أقلام ولو بحار الدنيا تحولت إلى حبر تكتب بالأقلام.. فسينفد الحبر والأقلام، ولن ينفد علم وحكمة الله فى الكون.
« يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ»، كبر ربنا فى قلبك.. فى حياتك.. كبر ربنا فى الناس حولك.. «وَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيك فِى الْمُلْك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىّ مِنْ الذُّلّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا».. اجعل الله أكبر شىء فى قلبك.. أكبر شىء فى حياتك.. هل فى حياتك أحد أكبر من الله؟!
داوم على ذكر الله أكبر، فإنه يثبت فى قلبك وعقلك إن الله أكبر.. قل بكل إحساسك الله أكبر.. فإن «قول العبد (الله أكبر) خير من الدنيا وما فيها»، كما روى عن عمر بن الخطاب.