رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنها كنائس قبطية لا غربية


معلوم أن الفنون القبطية، ومنذ أواخر القرن الرابع الميلادى ظهرت لها سمات ومظاهر شديدة الخصوصية، فهى فنون شعبية صاغها الناس. ولأنهم لم يجلسوا على كراسى الحكم، وإبداعاتهم أنفقوا عليها من أموالهم، صاغ مفرداتها الفقراء قبل الأغنياء بسمات متواضعة وأدوات ورؤى شعبية، وهى فنون مرتبطة بالدين والعقيدة المسيحية، وعليه كان البعد ورفض كل ما هو مرفوض دينيًا، والذهاب إلى ما يؤكد الصورة الروحية كوضع الهالة أو التاج على رءوس الشهداء والقديسين.
لقد كانت رسوم الفن القبطى coptic art رسومًا تكاد تكون رمزية تميز سمات الشكل فقط، لذا أطلق عليها البعض فن رسم «الكاريكاتير»، ولم تكن هذه الرسوم نتيجة لضعف أو ركاكة تعبير، كما يزعم البعض، لكنها اقتصرت واقتربت من الرسوم الهندسية. كانت تلك بعض سمات الفنون القبطية التى افتقدناها للأسف على جدران وأشكال العمارة المميزة لكنائسنا، وهو ما دفع فنان الجداريات المصرى الرائع عادل نصيف، الذى جابت فنونه وإبداعاته القبطية العديد من العواصم الأوروبية للصراخ على شاشة برنامج «استديو التنوير» أحد برامج موقع «الأقباط متحدون».. صرح غاضبًا: «الفن القبطى فى خطر من شبح التقليد الأعمى للكنائس الغربية».
وقد صرح «نصيف» لإحدى الجرائد بتصريحات مهمة فى هذا الصدد لعل أبرزها كان كالتالى:
■ نحن حاليًا فى أزمة منذ سنوات ولكنها زادت مؤخرًا بسبب تقليدنا الكنائس الغربية، فأصبحت الرسوم فى الكنائس لا تمتُّ للفن القبطى بصلة؛ لأنها مستنسخات زيتية من دول متعددة مثل إيطاليا وفرنسا وأمريكا، بل وصل الأمر إلى انتشار رسوم لشخصيات واقعية مثل الصورة الشخصية للرسام ويليام بوجروه على أنه أحد الرسل، وغيره، فتحول الفن القبطى من فن مستوحى من البيئة المصرية بألوانها مثل البُنيات بدرجاتها وألوان الحجر إلى نسخ أعمال غربية مرتبطة بالواقع الغربى وليس بواقعنا، وذلك النسخ يدمر الروحانية فى الكنيسة، حيث أصبحت الملامح غربية بعيدة عن الملامح المصرية. وهذا يقطع التواصل بين الجيل الجديد وتراثه العريق.
■ عند سؤاله عن العمارة فى الكنيسة القبطية المصرية وكيف وصلت بها الحال إلى تقليد أعمى للعمارة الغربية؟ قال: المسألة لا تبتعد عن الشأن الثقافى؛ إذ إن العمارة القبطية بما تمثلها من تاريخ وتراث معمارى ضخم، تندرج بوضوح ضمن الملفات الثقافية وتجب المحافظة عليها. معروف أن مصر من أوائل الدول التى اهتمت بإنشاء دور العبادة وظهور الفنون المختلفة المرتبطة بها منذ المعابد الفرعونية، مرورًا بالفن القبطى ثم الإسلامى، فكان لذلك تأثير مميز على العمارة الدينية فى مصر، وجعل لها صفات وسمات مميزة تجدها متقاربة جدًا، وهذا ما نراه فى المعابد الفرعونية والكنائس القديمة وأيضًا المساجد القديمة. ولكن ما نراه الآن مختلف جدًا، فأصبحت الكنائس والمساجد تشبه أو تحاول التشبه بالموجودة فى دول أخرى، الأمر الذى يسهم فى غياب الهوية وطمس التراث المصرى الأصيل.
■ للأسف العمارة فى مصر الآن أصبحت فى خصام مع البيئة والواقع، وعلى الرغم من أنه من المفروض أن يكون المعمار جزءًا من البيئة، فإننا نجد الآن «نشازًا» يجعلنا نشاهد خرسانة وزجاجًا فى الصحراء، ونجد فتحات ضخمة جدًا فى بلد حار مثل مصر، وذلك ما أضاع هوية العمارة وخصوصيتها. من يُرد أن يتعلم العمارة فلينظر إلى المعابد الفرعونية والعمارة البيئية ويشاهد العمارة الكنسية فى مصر القديمة، ويشاهد أيضًا العمارة الإسلامية فى مصر القديمة، ويرى كيف كان المعمارى يوظف كل العناصر المعمارية لنجاح استخدام المبنى فى الغرض المنشأ له.
■ للأسف الفنان دوره أصبح متراجعًا فى التأثير على المبنى ويعامل على أنه مقاول، والفنان أصبح للأسف دوره هامشيًا، لأن لو المعمارى مش عارف يجب أن يسأل الفنان ويكون هناك تنسيق، ولكنهم يتعاملون مع المعمارى على أنه إله المبنى وما يأمر به واجب النفاذ. وتقع المسئولية فى الأساس على من ينفق الأموال الباهظة دون وعى، وفى كثير من الأوقات ما يقوله يكون مكلفًا جدًا، وغير متناسق ويسبب بهرجة فى المبنى، والمكان الروحى يجب أن يشع بالروحانية والبساطة والتناسق والتوافق، ولا يمكن أن يخاصم المبنى الطبيعة كما نرى الآن، فكيف ونحن فى بلد حار وبه أتربة كثيرة نصنع فتحات ضخمة جدًا لا تتناسب مع مساحة الضوء للمبنى ولا مع السخونة داخل المبنى ولا نشعر بالروحانية بسبب نسب الإضاءة والهدوء والوقار ومشاكل الصوت مثل كنائس مصر القديمة؟ ولا أعرف سبب هذا التغيير ربما التعجل أو ادعاء المعرفة.
■ وهذا بخلاف استخدام سلالم لا تناسب أعداد المصلين مثل السلالم الحلزونية. نحن نحتاج لأن نعود إلى تراثنا لأن العمارة يمكن أن تؤثر فينا وتدعونا للصلاة بدون تدخلات حداثية كلمبات الليد والنجف، كل ذلك يدل على فشل المعمارى. فالناجح من يستطيع استخدام خامات بسيطة لإخراج عمل إبداعى تتوافر فيه القيم الجمالية والأساسية التى تدعم الروحانية، وقد نجد مبانى تلغى فكرة الأعمدة، وذلك غير مستحب، لأن الأعمدة رمزية داخل الكنائس. فلو كانت ١٢ فهى ترمز للرسل مثل الكنيسة المعلقة، ولو ٤ فترمز للأربعة الإنجيليين، وأيضًا عدد الشبابيك له معنى روحى.