رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوم الزفاف




هذا البيت مصدر كبير للغضب، نوافذه الزجاجية تجعل الشمس تسكن فى غرفتى، أشعتها تشاكس وجهى، فأنهض من السرير غاضبة لأغلق الستائر البلاك أوت، وأعود للنوم، ومع تقلبى فى السرير وهروب النوم منى ومطاردتى له.. يزداد تدفق الغضب، الحمم البركانية تتناثر وتسيل وتحفر أخاديدها فى رأسى، النوم الغاضب يقذفنى فى أحلام فلاشية، غير مترابطة، تتداخل الأصوات التى تستطيع أن تخترق أدوارًا عدة وتتسلق أشجارًا عتيدة لحركة ركن سيارات أساتذة وطلبة طب الأسنان أمام المتحف المواجه لفيلتنا، الصوت نشاز للمرأة التى تركن السيارات وتفرض إتاوة يومية للركنة، لقد بلغت من الوقاحة أن جاءت تستأذن جدى فى أن تركن سيارات بجوار سور الفيلا، كيف تمالك جدى نفسه من الغضب، وهى تخاطبه: «يا باشا أنا مأجرة الجراش من الحى وأنا هنفّعك، بالنص يا باشا».
هذه الثورة فعلت أشياء غريبة.. مسخرة.. وإنجازها الأعظم أنها جعلت بعض التكاتك تجرؤ على دخول المنيل. لكن ماما لا تريد الاعتراف بالواقع، عندما رأت أن مدربة تأتى بـ«التوكتوك»، رفدتها من العمل، بعد أن أنذرتها، ونبهت على كابتن «هالة» أن تختار مدربات لديهن سيارة أو على الأقل من مستوى اقتصادى يركب التاكسى:
- توكتوك ياهالة.
الإزعاج يولد الغضب، رنات الموبايل، رسائل الفيس، الواتس، التكات التى لا تصمت، الاهتزازات التى لا تتوقف. يبدو أن لا شىء يدعو للراحة، كل ما بداخلى وما حولى مضطرب.. الملاحظات الدائمة لأمى.. فيه أنسة تحط أمونيكير أسود!، عمرى ماشفت شعر بصبغة زرقاء!، هو عقل أدفع فلوس فى البناطيل المقطعة دى!، فرقة BTS هما بنات ولا صبيان؟
النصائح الاستراتيجية لجدى على الشاشة أو فى الحياة، لا أحد يتخلى عن دوره، كل يتمسك بمكانه على المسرح ويزاحم الآخرين كى يكون فى المنتصف حيث دائرة الضوء، الوجوه تلمع، تبتسم، وخلف الكواليس الكل غاضب، الغضب يغسل زيف وجهنا. فى الغضب تكتسى وجوهنا تعبيرات حيوانية بدائية تعود بنا لصراحة وعرى الغابة.
هل علىّ أن أستيقظ الآن؟
علىّ أن أنهى بعض الأعمال قبل أن أبدأ إجازتى، مع الموبايل والفيس والواتس، لم تعد هناك إجازة، أنا فى قلب العمل طوال الوقت وهذا شىء مهلك، أن تظل فى نفس الدائرة دون حدود أو فواصل، الزمن المنساب فى أبدية.
- تم وضع خريطة القناة للشهر القادم وتحديد المسئول عن كل فترة.
- سيبقى تحديد موعد عرض البرنامج الدينى الجديد، يقول مدير القناة، إنه داعية جديد، المدير رجل تقليدى، ألا يعلم أن كل الوجوه استهلكت استنفدت، وأن كل الدعاة المعتدلين والمتشددين قد احترقوا، لكنه يحاول أن يساير ويكسب رضا المؤسسة.
- عندما أخبرته برأيى عندما التقيته فى قصره.
- أنتِ ما زلتِ صغيرة، مندفعة، المؤسسة الدينية ستظل الأقوى.
- سلم لى على جدو، لم أشاهده منذ افتتاح المسجد الكبير.
جدى أيضًا شخص عجيب، رغم أنه أحيل للتقاعد، ويعمل بالمحاماة لكن ما زال يعامل كأنه فى الخدمة، ولا يخلو بيتنا من أصدقائه من الرتب المتقاعدة والحالية، حتى الحراسة ما زالت على الفيلا كما هى منذ وعيت، الفرق بين ناصر البواب والحارس الذى يتغير كل سنة أو سنتين.
أمدد عضلات ذراعى وساقيى ليكتسى جسمى بملامح الهمة والنشاط بما يسمح لى أن أتدلل على جدى كيفما أشاء، وربما يوافق على قيادتى سيارته الجديدة اليوم.
أنزل على مهل، الساعة العاشرة.. جدى فى مكتبه، ماما فى الجيم، تركت لى رسالة: «سيأتى مسيو ماهر وفريقه، كل حاجة مضبوطة».
تجهز «دادة» لى الحمام وبعده فنجان نسكافيه بلاك.
- أحط عليه لبن؟ يا حبيبتى أنت صغيرة على البلاك ده.
- يا دادة أنا كبيرة كبيرة جدًا، أنا عجوز بنزق شابة.
- المهم لا تتأخرى.
نعم فلا يصح أن تتأخر شابة عن الاستيقاظ يوم عرسها أكثر من ذلك.