رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لتنتفض الدولة فى مواجهة العنف الأسرى ضد الأطفال




فى أواخر عام ٢٠١٨ قال الممثل الإقليمى لصندوق الأمم المتحدة للطفولة والأمومة يونيسف: إن ٣٠٪ من أطفال مصر يعانون من الفقر متعدد الأبعاد، أى أن ثلاثة من كل عشرة أطفال يعانون أشكالًا متعددة من الفقر، وتكثر بالذات فى المناطق الريفية، خاصة الصعيد.
الفقر متعدد الأبعاد ليس نقصًا فى المال فقط ولكنه مرتبط بالحرمان من عدة عوامل رئيسية وهى: التغذية والتعليم والرعاية الصحية والصرف الصحى والسكن والحصول على المعلومات والحصول على المياه النقية والحماية. ودعونى يا سادة أضع مليون خط تحت كلمة الحماية، التى كفلها كل الدساتير والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والمرأة والطفل، وأكمل المسئول الإقليمى لليونيسف: «يعد الطفل ممن يعانون الفقر متعدد الأبعاد محرومًا بشدة من بعدين على الأقل من الثمانية لرفاهية الطفل»، وأضاف أن فقر الأطفال فى مصر يرجع إلى التعرض للعنف الجسدى وسوء التغذية وعدم الحصول على الخدمات. فهل هناك اهتمام كاف بالطفولة والأمومة فى مجتمعنا المصرى؟ أم أن الطفل فى بلدنا يقع بين مطرقة الفقر والمرض والجهل، وسندان جرائم العنف الأسرى، التى تقترن فى عدد من الحالات بالقتل أو التسبب فى وفاة براعم الأطفال الذين هم الحاضر وبناة المستقبل، جرائم تقوم على التنكيل والتعذيب والاغتصاب لأطفال فى عمر الزهور؟
لقد عايشنا فى الأسبوعين الماضيين أيامًا حزينة، واقشعرت أبداننا ونحن نقرأ عن الجرائم البشعة التى ترتكب فى حق فلذات أكبادنا من الأطفال «ذكورًا وإناثًا»، ومنها الجريمة البشعة للطفلة الصغيرة ذات السنوات الخمس، التى قامت جدتها للأم بتعذيبها بالحرق فى أماكن عديدة من جسمها وأماكن حساسة، مما أدى لبتر إحدى قدميها، ثم انتهى هذا التعذيب البشع بموتها، وكل هذا بسبب تبولها على نفسها!.
هذه الجريمة البشعة وغيرها من جرائم تمثل انتهاكًا لحقوق الطفل النفسية والبدنية والجنسية، جرائم تنتشر فى بلدنا، منها جريمة خطف الأطفال للاتجار بأعضائهم، وجريمة تشغيل الأطفال الصغار فى أعمال شاقة لا تتفق مع أعمارهم، وذلك بالمخالفة لقوانين العمل، هذا بجانب تشغيل فتيات صغار فى البيوت فى أشغال لا يحتملونها مع التعرض للعنف بالضرب والإهانة، وأيضًا التعذيب من جانب أصحاب البيت دون أى حماية أو ضمانات اجتماعية، وجريمة أخرى بشعة وهى «ختان الإناث». هل تتذكرون الابنة العروسة الصغيرة ميار، التى صعدت روحها إلى ربها، إثر نزيف حاد عقب القيام بختانها على يد طبيب فى السويس عام ٢٠١٧؟!
كما يعتبر تزويج الأسرة بناتها قبل سن ١٨ عامًا «زواج القاصرات»، جريمة كبرى فى حق الفتيات والمجتمع لما له من آثار سلبية على الفتاة صحيًا ونفسيًا، هذا غير المشاكل الاجتماعية ومنها الطلاق وعدم استقرار الأسرة والمجتمع مع طول فترة الإنجاب للمرأة، التى تسبب بالتالى مشكلة الزيادة السكانية التى نعانى منها.
إننا فى حاجة ضرورية وملحة لتكاتف كل مؤسسات الدولة من وزارات معنية «العدل والأوقاف والصحة والتربية والتعليم والشباب والرياضة والتعليم العالى والثقافة والتضامن الاجتماعى» والمجلس القومى للأمومة والطفولة والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى لحقوق الإنسان وهيئات الصحافة والإعلام ومركز البحوث الاجتماعية والجنائية، كل هذه المؤسسات تعمل معًا وبمشاركة المجتمع المدنى من أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية ومنظمات حقوقية معنية بقضايا المرأة والطفل تجلس معًا لدراسة الأسباب التى تساعد على زيادة هذه الجرائم، سواء أسبابًا خاصة بالفقر أو البطالة أو الإدمان وتأخر سن الزواج، أو الجهل وانتشار عادات وتقاليد خاطئة ومفاهيم دينية غير صحيحة أو قوانين غير رادعة.
إننا فى حاجة إلى منظومة قانونية تقوم على تغليظ العقوبة لتكون رادعة لمن يرتكب جرائم العنف ضد الأطفال والنساء، مع متابعة تفعيل وتنفيذ القوانين.
نشر ثقافة مجتمعية ضد العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة وإعادة منظومة القيم والأخلاق والضمير والرحمة والمودة والتسامح والمساواة.
القضاء على الفجوة الطبقية الواسعة بين قلة من الأغنياء المحتكرين للثروات، وأغلبية من الفقراء الذين يعانون من عدم القدرة على تلبية احتياجاتهم الضرورية.
مناهج تعليمية تربى النشء على قيم المحبة والتسامح وعدم التمييز بين البنات والأولاد.
مشروع قومى للقضاء على الأمية، خلال فترة زمنية محددة وسريعة، تجند له كل أجهزة الدولة ومؤسساتها مواردها البشرية.
إن دستورنا ينص فى مواده «٥٧ و٥٨ و٥٩ و٦٠» على أن للحياة الخاصة حرمة وهى مصونة لا تمس وللمنازل حرمة، وعلى أن الحياة الآمنة حق لكل إنسان وعلى الدولة الالتزام بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، وعلى أن لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون.
علينا أن نتكاتف جميعًا من أجل حياة آمنة لأولادنا وبناتنا وأحفادنا وحفيداتنا زهور وزهرات بستان الحياة وأصل الحاضر وأمل المستقبل.