رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متى يعلنون وفاة الباتريوت؟


بعد أيام من بداية حرب أكتوبر المجيدة وعبور القوات المصرية قناة السويس واكتساحها خط بارليف، جاء وزير الخارجية الأمريكى الشهير هنرى كيسنجر إلى مصر للقاء الرئيس السادات، ونقلت التقارير الصحفية آنذاك أن كيسنجر، الذى أصابه الرعب بنهاية إسرائيل، أبلغ السادات بأن واشنطن سوف تدعم إسرائيل بالأسلحة فورًا، لكن التصريح الأهم الذى نسب إليه آنذاك كان يفيد بقوله: «إن الولايات المتحدة لن تسمح بهزيمة ثانية لأسلحتها من الاتحاد السوفيتى، بعد هزيمتها فى فيتنام».
أيا كانت درجة صدق الرواية «الكيسنجرية» من كذبها، فقد صدقها أغلب الدول العربية، كما يقول المحللون، وتسابقت هذه الدول لشراء الأسلحة الأمريكية، اعتقادًا منها- كما يقول بعض المحللين- أن ذلك سيضمن لها الدعمين السياسى والعسكرى الأمريكيين.
وهناك حقيقتان مؤكدتان فى عالم تجارة الأسلحة العالمية، أولهما وبوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية هى أكبر منتج ومصدر للأسلحة فى العالم، وأن العرب هم أكبر المستوردين لها.
فوفقا لإحصائيات معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام، زادت مبيعات السلاح فى العالم عام ٢٠١٧ لتبلغ أكثر من ٣٩٨ مليار دولار، وتأتى الولايات المتحدة فى المركز الأول، حيث بلغت مبيعاتها فى هذا العام ٢٢٦.٦ مليار دولار، أى بنسبة ٥٧ بالمائة من إجمالى المبيعات العالمية.
وهناك فارق كبير بينها وبين روسيا، التى صعدت مؤخرا إلى المركز الثانى بنسبة ٩.٥ بالمائة فقط، بعد أن بلغت مبيعات شركات السلاح الروسية ٣٧.٧ مليار دولار فى ٢٠١٧.
ووفقًا للإحصائيات الأمريكية فإن الشرق الأوسط هو أكبر الأسواق المستوردة للسلاح، حيث قامت دول باستيراد ٣٥٪ من الأسلحة المبيعة عالميًا فى عام ٢٠١٧، وتأتى على رأس هذه الدول السعودية ومصر وإسرائيل ثم قطر والعراق.
وإذا سلمنا بالقاعدة التى تقول إن الحروب هى التى تنعش آلة الاقتصاد فى الدول الكبرى، سنجد أن هناك فوائد لا تعد ولا تحصى من استمرار اشتعال الحروب والمنازعات فى منطقة الشرق الأوسط، لهذه الدول المتصارعة على الصدارة فى عالم بيع الأسلحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا ثم بريطانيا «بمبيعات بلغت ٣٥.٦ مليار دولار» وفرنسا «بمبيعات بلغت ٢٠.٧ مليار دولار».
وإذا كان هنرى كيسنجر قد قال- أو زعم- إن الولايات المتحدة لن تقبل بهزيمة السلاح الأمريكى للمرة الثانية، فإن واقع الأمر يشير إلى أن الهزائم تتوالى على السلاح الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، خلال عقد الربيع العربى «الأسود»، الذى يعد ربيعًا أمريكيًا بكل المقاييس، والتقارير تتحدث عن هزيمة سياسية للولايات المتحدة فى سوريا، وانتصار روسى كبير، وعن هزيمة للسلاح الأمريكى فى اليمن، حيث إن الأسلحة التى يستعملها التحالف العربى كلها أمريكية، كما تتحدث التقارير أيضًا عن أن هناك هزيمة لمنظومة الصواريخ الأمريكية الشهيرة «باتريوت» فى حماية أجواء السعودية، خاصة بعد الهجات الأخيرة التى أصابت مواقع التكرير الكبرى لشركة «أرامكو» بواسطة الطائرات الحوثية المسيرة من إيران.
والحديث عن هزائم الأسلحة الأمريكية بوجه عام، ولمنظومة صواريخ «باتريوت» يأتى فى ظل حملة التسويق الكبرى لمنظومة الصواريخ الدفاعية الروسية «S- 400». ولن نذيع سرًا إذا قلنا إنه خلال زيارة العاهل السعودى إلى روسيا فى العام ٢٠١٧، تم الاتفاق على توريد عدد من أنظمة التسليح، منها منظومة الصواريخ «S- 400». الحقيقة المؤكدة الآن أن هناك إحساسًا عامًا فى منطقة الشرق الأوسط بأن السلاح الأمريكى، خاصة منظومة صواريخ باتريوت، لا توفر الحماية الكاملة لدول المنطقة، حتى أمام هجمات الحوثيين، التى تدبرها إيران، والتى كانت سببًا فى نقل القمة العربية عام ٢٠١٨ من مدينة الرياض إلى مدينة الظهران.. وقد تزايد هذا الإحساس بعد الهجمات الأخيرة على معامل شركة أرامكو. قد يحتاج الأمر إلى خبراء عسكريين ليحللوا لنا حقيقة قدرات صواريخ الباتريوت، وتطور هذه القدرات من جيل إلى جيل، ولماذا فشلت فى منع سقوط صاروخ أطلقه صدام حسين على الرياض عام ١٩٩١، وفى منع وصول صاروخين آخرين سقطا على إسرائيل فى نفس العام، رغم محدودية الخسائر بسبب بدائية الصواريخ المسماة الحسين والعباس، والتى كانت فى الأصل صواريخ سكود روسية تم تطويرها فى العراق.
هؤلاء الخبراء هم وحدهم القادرون على الإجابة عن سؤال يتردد على نطاق واسع: هل هى منظومة صاروخية لمواجهة الطائرات والصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى فقط، ولهذا فشلت فى صد الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة «الدرون» بدائية الصنع، التى ضربت عدة مدن ومطارات سعودية؟!.
وإلى أن يجيب الخبراء عن هذا التساؤل، فإن من حق المواطن العربى عمومًا، والخليجى على وجه الخصوص، أن يتساءل هل فشلت منظومة الباتريوت التى يبيعها الأمريكيون لنا بمليارات الدولارات، فى حماية سماواتنا ومدننا ومنشآتنا الحيوية؟ وإذا كان الأمر كذلك فمتى يعلنون وفاة صواريخ الباتريوت؟
هذه الهزائم التى تمنى بها الأسلحة الأمريكية فى أكبر مناطق العالم استيرادًا للسلاح، قد لا تكون نهاية المطاف، فالأمريكيون قادرون على قراءة الموقف وتصحيحه فى الوقت المناسب، خاصة أنهم يحصدون النصيب الأكبر- حتى الآن- من القدرة على إشعال الأزمات والصراعات بين دول المنطقة وداخلها، وهى تعلم جيدًا أن هذه الصراعات الدموية المريرة تتحول إلى أرقام ضخمة فى خانة الأرباح التى تنعش الاقتصاد الأمريكى. لكن السؤال الأهم: هل يقبل لوبى صناع الأسلحة، وهو أكبر اللوبيهات التى تؤثر فى اختيار الرؤساء الأمريكيين، باستمرار هذه الهزائم طويلًا؟.. وهل يستطيع أن يحول مساره نحو النجاحات بسهولة؟.