رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذى يمنعنى فعلًا من أن أمشى على حَل شعرى


جسمى ملكية خاصة لى وحدى، وبما أن «جسمى» ملكية خاصة لى، إذن أنا «حرة» فى تحديد التعامل معه، ولدينا مثل مشهور يردده الجميع دائمًا ويوافقون عليه: «كل واحد حر فى ملكه»، أو يقولون: «ملكى وأنا حر فيه». بحكم قانون حماية الملكية الخاصة أستطيع أن أرفع قضية ضد منْ يؤذى جسمى، وأن «أجرجره» فى المحاكم وأطالبه بتعويض كبير يجعله يعلن الإفلاس المادى والأخلاقى، ويندم على التدخل فيما لا يعنيه ولا يملكه، الجسد له «حُرمة»، والجسد له «خصوصية»، كل إنسان امرأة كانت أو رجلًا، ما دام عاقلًا ورشيدًا وكامل المواطنة وحرًا، سوف يحافظ تلقائيًا دون مواعظ على جسده، وسوف يكون مسئولًا عنه ويقاوم كل محاولات إيذائه، أو أن يكون هو مصدرًا لإيذاء الغير.
ألسنا نؤمن بمبدأ «الخصخصة» ونعتبرها الأنسب توافقًا وتناغمًا مع فطرة البشر المُحبة للتملّك، ونردد دائمًا أن ملكية الفرد لشىء معين تجعله ينميه ويحافظ عليه. «خصخصة الجسم» هى أهم مشروع استثمارى نقوم به، وإذا فشلنا فيه فلن ننجح فى أى مشاريع أخرى.
لى صديقة لا تستطيع مواجهة زوجها، أنها تكره بشدة العلاقة الجسدية الحميمة معه. فهو يوقظها حينما تكون نائمة لتلبية شهوته، لا يهمه إذا كانت «تعبانة»، أو «ليست راغبة»، أو «مريضة»، أو «قرفانة» كما أنه يؤلمها بسبب تصرفاته العنيفة، أمها تنصحها بالصبر والتحمل وألا تخرب بيتها بيديها، قائلة: «كل الرجالة كده حتى أبوكى»، وشيوخ الفتوى قالوا لها: «إن جسمها ملكية خاصة لجوزها يعمل فيه اللى هو عايزه وقتما شاء وكيفما أراد وليس لها حق التذمر والشكوى»، وأصبحت صديقتى تكره جسمها «المستعبد» وتكره زوجها وتكره حياتها كلها.
على مدى حياتى تقربت من بعض المرضى عاصروا إذلال وجع الجسم، وكيف يهدهم المرض ومذلته وآلامه المبرحة. القاسم المشترك بينهم مقولة يائسة: «نحن لا شىء إلا أجسامنا، ومنْ تعرض للاكتئاب هو خير منْ ينبئنا كيف أن هذا المرض الخطير يبدأ بالتسلل من بوابة الجسم».
«العقل السليم فى الجسم السليم» هذا صحيح، لكن سلامة الجسم مرهونة بشرط أساسى لا غنى عنه، وهو ألا يكون «سلعة» تُباع وتُشترى، وألا يكون «مملوكًا» لأحد غير صاحب الجسم أو صاحبة الجسم، إن «نظافة» الجسم و«نظافة» الفكر و«نظافة» الأحلام و«نظافة» الرؤية و«نظافة» الضمير و«نظافة» الأخلاق و«نظافة» الذمة تبدأ كلها من «نظافة» الجسم.
إن علاقة الإنسان العربى بجسمه وعلاقة الإنسانة العربية بجسمها علاقة «مُلغمة»، «معقدة»، «مريضة»، «متناقضة»، وليست بخير على الإطلاق، وإذا كنا نريد الصحة الجسمية والصحة النفسية فعلينا مواجهته بجدية.
منذ أيام كنت أناقش «ملكية الجسد» مع رجل مهووس بالذكورية، فى نبرة مستنكرة غاضبة متهمة سألنى: «يعنى إيه تملكى جسمك؟، ده كلام واحدة عايزة تمشى على حَل شعرها زى الغرب الكفرة؟»، فسألته: «ألا تملك جسمك؟»، بسرعة حاسمة وفى فخر ذكورى قال: «طبعًا، أملك جسمى هو أنا عبد مملوك للأسياد»، قلت: «تبقى عايز تمشى على حَل شعرك زى الغرب الكفرة».. فلم يرد.
أعتقد أن سبب عدم رده يكمن فى المثل القائل: «كل بئر تنضح بما فيها»، وأقول لهذا الرجل وغيره ممن لهم التفكير نفسه أن الذى يمنعنى فعلًا من أن أمشى على حل شعرى هو بالتحديد أننى «أمتلك جسمى»، ومسئولة عنه ولست أرضى له المهانة بجميع أشكالها ودرجاتها.
من بستان قصائدى
تصبح على ألف خير.. يا منْ لم يأتنى منه
إلا كل الخير.. تصبح على ألف خير
يا منْ أودعته حنان التراب.. ينثر عليه أوراق الورد والعِطر
يؤنسه بعزف العود.. يلقى قصائد الشِعر
يقدم له وجباته المفضلة.. وما يشتهيه من لذة الشراب
تصبح على ألف خير.. يا منْ منحنى بسخاء نادر
دمه وأعصابه وعمره القصير.. ولم أمنحه إلا حماقاتى وشقائى الطويل
تصبح على ألف خير.. يا منْ أغسل بذكرياته
كل يوم وجهى.. لأحتمل بدونه حياة
تصفع كل يوم وجهى.. تصبح على ألف خير
يا منْ كنت وسادة الليل.. عليها أنام فترحل كل العفاريت التى تسكننى
وتحترق الكوابيس التى ترعبنى.. تصبح على ألف خير
يا منْ أشبعتنى بعد جوع.. ورويتنى بعد طول الظمأ
تغطينى برقة تطفئ النور.. تغنيلى على ضوء الشموع
تصبح على ألف خير.. يا منْ سبقنى إلى هدوء القبور
وتركنى وحيدة لصخب الشرور.. ابق عندك فى نعيم مثواك
لا تأتِ إلينا حيث الشقاء الشرس.. ابق عندك ابق هانئًا مطمئنًا
فأنا كما عهدتنى.. لا أحب سواك.