رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى ميلاد مخرج الابداعات غير النمطية


رأفت الميهي، واحد من ابرز صناع السينما الذى جاء كمنقذومُخلص يحرك دماء الابداع الراكدة، كون رأفت الميهي تيارا سينمائيا بارزا، يتناول الجديد من الافكار والتقنيات والمضمون حيث اُطلق عليه تيار "السينما المصرية الجديدة" الذى اتخذ مجال التجريب مبدأ فى اعماله جميعا، تلك الاعمال التى لم تخلو من مواجهة مشكلات الرقابة وضجيجمن الاعتراضات التى تصل فى بعض الاحيان الى القضاء،مثال على ذلك فيلم الافوكاتو.
سيناريو وحوار رأفت الميهي
مجرد ان تلمح اسم رأفت الميهى على تتر احد الاعمال السينمائية تركض متحمسا لحجز تذكرة فى دور العرض، بعض الاجيال الجديدة لم يسعدها الحظ بان تجلس فى صفوف سينما الستينات والسبعينيات ولكن جميع ماتم عرضه فى هذه الفترة من كتابة وتأليف رأفت الميهى يعد من التراث السينمائى الذى بثه التلفزيون المصرى والفضائيات مرارا، تعاون الميهي مع المخرج كمال الشيخ فى عدة اعمال مهمة وذلك قبل ان يقرر ان يقوم باخراج ماكتب اى يحول السطور الى صورة سينمائية، من السيناريوهات الخالدة التى قدمها، في أفلامه الأولى ككاتب سيناريو ،كتب اول سيناريو للسينما سنة 1966، وكان سيناريو فيلم "جفت الأمطار" بعد حصوله على دبلومة معهد السينما ومنها اصبح ابرز ابناء جيله من كتاب السيناريو. اعتمد رأفت الميهي على نصوص أدبية اعاد صياغتها من خلال رؤيته الخاصة في عام 1970 مع المخرج كمال الشيخ ثنائي عبقريحيث أنتجا أعمالا بالغة الأهمية تشكل مرحلة شائكة من تاريخ مصرفقد قدما فيلم « غروب وشروق « عن رواية لجمال حماد و «شئ في صدري» عن رواية لإحسان عبد القدوس ثم فيلم« على من نطلق الرصاص « عام 1975 حيث استخدم الميهي الحل الفردي بديلا للقانون رغم أنه قدم بمهارة درامية الأسباب والدوافع التي دفعت بطله إلى إطلاق الرصاص على رئيس مجلس الإدارة الفاسد الذي تسبب في موت صديقه، كما تعاون رافت الميهى مع المخرج على بدرخان في عام 1971 فى فيلم « الحب الذي كان « وهو أول فيلم طويل يحمل توقيعه كمؤلف سينمائي.
يعتبر الميهي كاتب السيناريو الذى اقتحم عالم الاخراج واعلن عن نفسه كمخرج فى عام 1981 من خلال تقديم فيلم "عيون لا تنام" عن مسرحية "رغبة تحت شجرة الدردار" ليوجين اونيل والذى كتبه واخرجه وقام بانتاجه ايضا واثبت مكانته الكبيرة عل الساحة السينمائية بجدارة اذ كان تحوله للإخراج ليس فيه من الغرابة شيء، فقد سبقه الى ذلك العديد من الفنانين العرب والأجانب، فكاتب السيناريو هو الأقرب الى العمل السينمائي، وذلك لقيامه ببناء الشخصيات وتحركاتها وتدفق الأحداث الدرامية ، ولا يبقى بعد ذلك سوى إتقان الجانب الحرفي والتقني لتجسيد كل ذلك على الشاشة، فمن السيناريو والمونتاج يخرج أفضل المخرجين، لقد اكتسب رأفت الميهي حرفية الإخراج من خلال حضوره تصوير جميع ماكتبه للسينما ،واتصاله المباشر بمشاكل الاستوديوهات أثناء التصوير.
تنقلت افلام رأفت الميهى بين عدة تجارب مختلفة لم تتفق سوى فى اصرارها على التركيز على ابراز مشاكل الانسان الداخلية بشكل كوميدى ينتمي الى الكوميديا السوداء اسوة بالفنان نجيب الريحاني اشهر من برع فى تكوين هذه المدسة السينمائية الصعبة، ابرز مثال على ذلك فيلم الافوكاتوعام 1983 من اخراجه وتأليفه اذ قدم من خلاله نوعا مميزا من الكوميديا الراقية والهادفة غاضا البصر عن افلام الكوميديا المبتذلة ومبتعدا عنها،والتى لاقت رواجا فى تلك الفترة ومستغلاً ذلك لتصحيح الاعتقاد الخاطيء والسائد عن الكوميديا خصوصاً الأفلام التي تناولت الكوميديا بشكل تجاري بحت، اما الميهي فقد قدم فن الكوميديا والضحك بطريقة ليست ببعيدة عن مشاكل الإنسان وقضاياه الحقيقية، وهذا بالضبط ما فعله الميهي عندما قدم فيلم الأفوكاتو "حسن سبانخ"، والذى تعرض الى المسائلة القانونية لجميع من اشترك فى الفيلم بتهمة الاساءة الى صورة المحامي، حيث جسد الفنان عادل امام دور البطولة فى شخصية حسن سبانخ المحامى اللعوب الذى قضىى عقوبة اهانة القضاء لمدة شهر فى السجنواستغل فترة الحبس فى اقامة علاقات مع المحبوسين مثل تاجر المخدرات حسونةالذى قام بدورهالفنان حسين الشربينى واحد قيادات الانظمة السياسية الفاشية فى الستينات سليم ابو زيد الذى قام بدوره الفنان صلاح نظمي، لم يخلو الفيلم من الفانتازيا المحببة خاصة فترة السجن هذه اذ يبرز الميهى الفساد الذى يسود المؤسسة القضائية والمتمثلة فى ضعف شخصية القاضى وارتباك احكامه بالاضافة الى انتشار الرشاوى داخل السجن التى يقدمها المحبوسين من الاثرياء الى عبدالجبار اشهر سجاني السينما المصرية.
لم يكن الافوكاتو الفيلم الوحيد الذى قدم حقائق عن السلطة والسياسة وخبايا هيئتى القضاء والقانون فى فانتازيا كوميدية فقد قام الميهي بطرح عدة مشاكل مجتمعية على الغرار نفسه حيث تعاون مع الفنان محمو عبد العزيز ومعالى زايد فى سلسلة فانتازية تتناول موضوعات شائكة لم يتناولها سوى مخرج مبدع وجرئ مثل الميهيعلي سبيل المثال: مشكلة سطوة الذكر على الانثى ومحاولة اخضاعها تحت سيطرته وتمردها عليه وقيامها بعملية جراحية لتتحول الى ذكر فى محاولة لرفض نظرة الرجل الشرقى والمجتمع بجميع فئاته، التى تنحصر فى ضعف ارادتها وتحملها الذى يتفوق فيه الذكر عنها وذلك من خلال فيلم السادة الرجال عام 1987 من تأليف الميهي واخراجه، لميببتعد فيلم سيداتى انساتى كثيرا عن الفانتازيا والكوميدية الاجتماعية المقدمه فى فيلمه السابق حيث ان هذه المرة اتفقت اربع فتيات على الزواج من الدكتور محمود زميلهن فى العمل والمتنكر فى مهنة الساعى لزيادة دخله، يتفق تفكيرهن في الزواج من رجل واحد كحلللازمة الاقتصادية ىجانب ازمة السكن، اى انهن اجتمعن على تنفيذ خطة للتوفير ولمزيد من السلطة، اشترطن ان تكون العصمة فى ايديهن للتحكم فى الزيجة، حيث تطلقت اثنتان منهن وتزوجتا من نفس الرجل واتيا به ليسكن الشقة نفسها فى نوع من الكيد والانتقام كما يفعل الازواج الذين يتحكمون فى تطليق الزوجة والزواج بأخرى في اى وقت يشاء.
يأتى فيلم سمك لبن تمر هندى عام 1988 بنف فريق العملمحمود عبد العزيز ومعالي زايد ويوسف داوود لطرح واحد من المشكلات فى البلد وهى الظلم الذى يخص فئة معينة من الشعب والمتمثل فى الفقراء الذى لا سند لهم من كبار الاسماء فى الدولة والتي تستطيع بنفوذها رفع الظلم عن المغلوبين على امرهم ممن يدوسون على الغلابة تحت اقدامهم، وللمرة الثانية يعود اسم سبانخ للظهور فى فيلم لرأفت الميهي وهو احمد سبانخ الطبيب البيطرى الذى يملك عيادة بسيطةوالذي يعمل معه ممرض جشع، يقترح عل احمد ما يفضه دائما من افعال الممرض الذى يستغل الفقرا والفلاحين الذى يساعدهم احمد مقابل مبالغ رمزية واحيانا بدون مقابل، يتعرض والده لمضايقات من الانتربول الذى يلاحقه لدفع ضريبة سفره للخارج، يموت الاب ويقع احمد وخطيبته فى براثن اتهامات الضباط بان والد احمد كان ع اتصال بجماعات ارهابي والابن مازال يتلقى الاوامر منهم فيضعونه في احدالمستشفياتالتي تقوم بغسل اعضاء الانسان لكى يتطهر من الجريمة والتى بنيت خصيصا لنزع اعترافات شعوب العالم الثالث المشاغبون عند دخوله المستشفى نتفاجأ بكوميديا فانتازية فنجد الأطباء القتلة يأكلون أجساد المرضى ويشربون من دمائهم فى اسكتشات كاريكاتيرية من العبث الذى يسخر من الواقع .

وفي عام 2009 حول الميهي الرواية التي كتبها الكاتب خيري شلبي "وكالة عطية" إلى مسلسل تليفزيوني، وهذه هي التجربة الوحيدة في الدراما.
توقف الميهي عن الإخراج، وقام بإنشاء أكاديمية تحمل اسمه لتدريس كل عوامل صناعة السينما، وهي السيناريو، والديكور، والإنتاج، وهندسة الصوت، والإخراج، وكأنه كان يعرف تن رحلته مع السينما وصلت الي مرحلتها النهائية وحان وقت تسليم الراية الى اجيال جديدة اكثر وعيا او فهما لاليات صناعة الصورة، ولكي يؤسس مدرسته الخاصة في الاخراج والكتابة التي تحاكم الواقع باسلوب ساخر وفانتازي.