رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا يكون وليّك الله



ذكْر الله تعالى يحرق الذنوب كما يطفئ الماء النار، ذو أثر عظيم ومفعول لا يضاهى فى النفس الإنسانية، يسرى فى القلب سريان الماء فى الأرض القاحلة، يغسل كل ما هو قبيح فى النفس ويرويها بنور الإيمان، «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ»، «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا».
تخيل عندما تنظف كوبًا متسخًا بالماء، وتضع بداخله عسلًا صافيًا، هذا ما يفعله بالضبط الذكر بالإنسان: «تخلية وتحلية».
الذكر يميت المعاصى ويحرقها، وإذا كانت الصلاة دورها أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، إلا أنه مع ذلك قد تتوق النفس إلى المنكر والمعصية، ويظل القلب مشغولًا بها، لكن الذكر باب محبة الله «وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»، «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ»، أى أن الذكر أكبر فى منعك من المعصية.
«وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ»، على الرغم من الفواحش إلا أن الذكر حرك رغبة التوبة والاستغفار فى قلوبهم، فالذكر يحرك حبك لله، يحرك المعاصى ويذهب حلاوتها، يجعلها مرة مثل الدواء، وهناك من الذنوب لا يعالجها إلا الذكر.
ومن أعظم الذكر، أن تذكر الله تعالى بأسمائه الحسنى الذى إذا دُعى بها أجاب، ومنها اسم الله «الولى»: اللَّهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»، الخالق المهيمن مالك الملك العليم الحكيم الغنى القوى.. على علوه وعظمته.. فإنه «ولى الذين آمنوا».
فى المدرسة: احضر ولى أمرك.. عند الزواج: ولى العروس.. إن لم يكن لك ولى أمر لا تحزن، فلن تجد أعظم من الله تعالى ليكون لك وليًا.. فرق كبير بين أن تذهب للقوى تقول له: تول أمرى.. وبين أن يعرض هو عليك.. «الله ولى الذين آمنوا».
الحياة محفوفة بالمخاطر.. من يحبك.. من يرعاك.. من يتولى أمرك: «أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».. متخيل من يكون وليك؟.. مالك السماوات والأرض.. النبى، صلى الله عليه وسلم، وسط كل المؤامرات «إِنَّ وَلِيِّىَ اللَّهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ».
يوسف عليه السلام عندما ألقى به إخوته فى البئر. أحوج الله تعالى القافلة إلى الماء ليصلوا إليه.. أحوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه.. أحوج مصر للطعام ليخرجه من السجن.. لذلك قال فى آخر السورة: «أَنْتَ وَلِيِّى فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».. ناج ربك بالليل.. قل: يارب ليس لى سواك.. تول أمرى.. أنت وليى.
وقد خص الله تعالى أولياءه بالذكر فى كتابه العزيز، فقال: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ»، حتى يطمئن كل ولى إلى الله قريب منه، وأنه فى جواره لن يصيبه خوف أو حزن، ما دام به مؤمنًا وبتقوى الله متمسكًا.
والحصول على هذا الشرف العظيم- أن يكون الله وليك- ليس حكرًا على شخص بذاته، أو جماعة بعينها، فالباب مشرع مفتوح أمام كل من يريد أن يبلغ هذه المنزلة العلية، بالإكثار من ذكر الله تعالى، وأن يكون تام اليقين والثقة فيه سبحانه، بأنه لن يقهره أحد مادام فى معيته، مواظبًا على طاعته فى كل أحواله، لا يفارقه ذكره، بالقلب أو اللسان، مخلصًا لله فى عمله، وفى كل شأنه، وما دام كذلك فهو «ولى لله».
لكن مَنْ هم أولياء الله، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تلك المكانة؟
يقول سبحانه: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»، هذا هو سمتهم، وهذا هو وصفهم، آمنوا بالله، صدقوا الله فى القول والعمل، لم يتأخروا عن فروضه، ولم يترددوا فى اللجوء إليه بكل جوارحهم، مخلصين له الدين.
لم يتقلدوا تك المكانة الرفيعة إلا بحب الله تعالى والارتكان إليه فى كل أمورهم وأحوالهم، فإذا ما تعرض لهم أحد كان سبحانه أقرب إليهم من أنفسهم دافعًا عنهم كل خطر، ورادًا عنهم كل شر وأذى، ومن ذا الذى يجرؤ على أن يتحدى الله فى معاداة أوليائه، وهم أهله وخاصته؟
يقول النبى، صلى الله عليه وسلم، فى الحديث الذى رواه أبوهريرة عن رب العزة: «إن الله قال: «من عادى لى وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلى مما افترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه».
إذا كان الله وليك فمن يستطيع أن يقف فى وجهك؟ من يستطيع أن يؤذيك؟ من يستطيع أن يقهرك؟.. تخيل وليك الله الذى رفع السموات والأرض، وأنت فى حصنه وملاذه يقول: «من عادى لى وليًا..».
أحيانًا يكون لك شخص تحتمى به وتفتخر، وتقول: «أنا معى رقم تليفونه وقال لى اتصل بى لو احتجت لأمر ما».. فما بالك إذا كان وليك الله.. أى شرف عظيم هذا الذى يحظى به العبد المؤمن حين يكون وليه الله تعالى؟
لا تشترط فى الولاية شروط غير عادية كما يتصور البعض، «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ».
هناك حالتان لا ثالث لهما: إما أن يتولى الله أمرك أو يكلك إلى نفسك، وقد كان النبى، صلى الله عليه وسلم، يدعو الله تعالى قائلًا: «اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين».
نعى السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب شهداء المسلمين فى معركة «نهاوند»، فعد أسماء من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال: وآخرون من أفناء الناس (أى من عامة الناس) لا يعرفهم أمير المؤمنين، فبكى عمر وقال: وما ضرهم ألا يعرفهم عمر؟! إن الله يعرفهم.
وإذا بلغ العبد منزلة الولاية، فقد يتكرم الله عليه بأن يجعله مجاب الدعوة، لا يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، ولا يستعيذ به من شىء إلا أعاذه منه، وذلك لكرامته على الله تعالى.
عن أبى هريرة، رضى الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه»، وأشعث الشعر هو ليس له ما يدهن به الشعر، ولا ما يُرجله، وليس يهتم بمظهره، وأغبر، يعنى: أغبر اللون، أغبر الثياب، وذلك لشدة فقره. مدفوع بالأبواب: ليس له جاه، إذا جاء إلى الناس يَستأذن، لا يأذنون له، بل يدفعونه بالباب، لأنه ليس له قيمة عند الناس، لكن له قيمة عند رب العالمين، لو أقسم على الله لأبرَّه، لو قال: والله لا يكون كذا، لم يكن، والله ليكونن كذا، لكان، لو أقسم على الله لأبرَّه، لكرمه عند الله- عز وجل- ومنزلته.