رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حروب "الدين" الرابع


لا شك في أن كل حوار ذا طبيعة دينية يتسم بحساسية شديدة، وأصبح واضح جدا في المنطقة العربية أن الحذر قد ساد بين جميع أصحاب المعتقدات الدينية وغيرهم ولفترات طويلة من الزمن، ولا تزال تؤثر في السلوك العام بوضوح، كما يظهر على سبيل المثال في الإستقطاب والترهيب كما في سياق كل خطاب دينى يخص أي معتقد.

اتصور اننا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا ان أصل القيم الأخلاقية للمعتقدات الدينية هي التي تحرك التيار العام في العالم العربي، كما ان المعتقدات الدينية في الغرب لا تفعل ولا وتترك تأثيرها الجذري على مجمل الحياة الغربية، ولا حتى اليهودية تترك بصماتها في السلوك العام الإسرائيلي على سبيل المثال، ولكن هذه الاديان اي «الإسلام والمسيحية واليهودية» تبقى مصونة عن اي انحراف في العالم العربي وبالتالي الغربي وحتى في إسرائيل لا تمت إلى قيمها بصلة.

في استقراء التاريخ وتتبع حركته، يجعلنا الواقع نعتبر ان السياق أصبح مختلفا جذريا، و عملية إقحام الدين في شؤون السياسة أصبح يعكس مستويات متباينه من العنف والقهر و الاستبداد، فلا يمكن أن نغفل تجارب القيادات الدينية تاريخيا في المحاولات لتأصيل عقيدة "دين ودولة"، لكن مع انتشار أفكار التنوير التي نادى بها المفكرون والفلاسفة، لم تجد الدول الأوروبية من حل لتجاوز الحروب الدينية الطاحنة التي كانت تعيشها إلا بإبعاد الدين عن السياسة.

و رغم تشبث الفقهاء وعلماء الدين بسيطرة الدين على السياسة بدعوى تطبيق شريعة الله، أكد الواقع ان هذة الدعوى ما هي إلا دفاع عن مواقعهم ومصالحهم وسلطاتهم، وهذا وارد، ولكن استيعاب حركة التاريخ ومنطقه، يفرض على الجميع المساهمة لتجاوز وتجنب العنف والقهر والصراع، فما تعيشه دول العالم العربي والشرق الأوسط الأن، ما هو إلا الوجه المتخلف لما عاشته أوروبا قديما، ما دام الدين يوظف لتصفية حسابات السياسة والاقتصاد.


المسألة تستحق أن تنال منا كل اهتمام ومتابعة دقيقة، لأن أي حوار إنساني يسعى للتعايش وقبول الأخر، يجب أن يرى الواقع كما هو، ولا يبدو أن هذا الصراع يمكن له أن ينتهي إلا بتحقيق الدولة الديمقراطية الحديثة، وهو الحل الفعال لتجاوز هذه المعضلة، وتحييد الدين عن السياسة، و المحاولة في تجاوز تلك العقبة السيكولوجية، التي لها علاقة مباشرة بالموروث الثقافي خلال حقب زمنية طويلة.

ولابد من توفير الثقافة الدينية التي تتيح للاطفال والشبان امكانية التعرف على قيمهم الثقافية، وتضمن ايضا تعرفهم على معتقدات وممارسات الآخرين واحترامهم لها، في نطاق الفهم للسلوك الإنساني العام، ومحاولة لتجنب استخدام اساليب التحقير لمنتسبي الاديان الاخرى، ومن هنا نجد الفرق واضحاً في مجال النظرة أو في مجال التعايش في الغرب عنها في العالم العربي.