رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد السبعين.. أحيانًا



يتحدثون عن الشباب، وأميل لحكايات الشيخوخة، أبحث عن نجاحات مؤجلة، وأحلام قادمة.
الذين استطاعوا تحقيق النجاح فى سن مبكرة كثيرون: المطرب الأمريكى جاستن بيبر، تم اكتشاف موهبته فى عامه الـ١٤، وفى خلال ٥ أعوام فقط من ظهوره على الساحة العالمية حقق نجاحًا وثروة قدرت بحوالى ١١٠ ملايين دولار أمريكى.. مارك زوكربيرج، صاحب فكرة أشهر موقع تواصل اجتماعى على الإنترنت «فيسبوك»، أطلق موقعه عام ٢٠٠٤ وهو فى التاسعة عشرة من العمر، وأصبح الآن من أشهر أثرياء العالم وأصغرهم سنًا.
لكن هؤلاء الأشخاص لم يعودوا مبتغاى وقد تجاوزت منتصف الأربعين، دائمًا يبحث الإنسان عما يريحه، والراحة الآن فى استلهام حيوات كواكب أخرى ونجوم نسترشد بضوئها فى ظل معايير وظروف أخرى، مع الاستعداد لما هو قادم من الأيام، الذى قد لا يخلو من المشاكل الصحية الشائعة بين المسنين، من انخفاض السمع، ومشاكل عتامة عدسة العين أو المياه البيضاء، وآلام الظهر والرقبة، والتهابات المفاصل، وشيخوخة العضلات وفقدان كتلتها، وتدهور أداء الخلايا العصبية المسئولة عن إرسال إشارات من المخ إلى العضلات لبدء الحركة، وانخفاض تركيز بعض الهرمونات، مثل هرمون النمو وهرمون التستوستيرون.
الحقيقة التى علينا مواجهتها أننا فى مرحلة الشباب نسير من خلال الصعوبات، لكن فى الشيخوخة تسير الصعوبات من خلالنا.
ورغم هذه الحقائق الدامغة إلا أن هناك حالات من النجاح يمكن أن تهدئ مخاوف المرء، فكاتبى الأثير «جوزيه ساراماجو» يقول: «إذا كنت قد توفيت قبل الستين، لم يكن ليعرفنى أحد»، وقد عاش «ساراماجو» حياة يائسة، ولم يجلس على مكتب للأعمال الورقية إلا بعد ٤٠ عامًا من المعاناة، ولم ينل الشهرة إلا بعد الستين بروايته «بالتازار وبليموندا».. والروائى الشهير فرانك ماكورت، مؤلف رواية «Angela’s Ashes»، التى نال عنها جائزتى بوليتزر ورابطة النقاد الوطنية، وتحولت إلى فيلم سينمائى شهير- بدأ الكتابة وهو فى الخامسة والستين.. الرئيس رقم ٤٠ للولايات المتحدة الأمريكية، رونالد ريجان، لم يتقلد منصب الرئيس سوى فى عمر السبعين.. ونستون تشرشل، أحد أكثر القادة المؤثرين فى التاريخ، أصبح رئيسًا للوزراء فى بريطانيا وعمره ٦٢ عامًا.
فى كل الأحوال تحتاج الحياة إلى الشجاعة لمواجهة صعابها وآلامها، وهو ما فعلته باقتدار الكاتبة إيزابيل الليندى، «٧٧ عامًا»، التى تحدثت لجمهورها عن تجربتها مع خريف العمر، وحددت ماذا كسبت بعد هذه السنوات، وكيف يمكن التعايش مع هذه المرحلة، فقالت: «ماذا كسبت؟ الحرية: ليس علىّ أن أثبت أى شىء بعد الآن.. لست عالقة فى فكرة مَن كنتُ فى الماضى، أو من سأكون مستقبلًا، أو ما يتوقع الناس منى أن أصبحه.. ليس علىّ أن أُرضى الرجال بعد الآن سأُرضى الحيوانات فقط.. أُخبرُ الأنا الأعلى بأن يتراجع، ويدعنى أستمتع بما تبقى لى من أشياء.. ربما يكون جسدى قد تهاوى، ولكن ليس عقلى.. أحب عقلى.. أشعر بأننى أخف وزنًا.. لا أحمل الضغائن والطموح والغرور، ولا أيًا من الخطايا المميتة التى لا تستحق حتى العناء.. من العظيم أن نتركها.. كان علىّ أن أبدأ عاجلًا.. وأشعر أيضًا بأنّنى أكثر ليونة، لأنّنى لا أخشى كونى عُرضة للنقد أو الجرح.. من الآن فصاعدًا، لا أرى ذلك كضعف.. لقد ازددت روحانية.. أنا مُدركة أن الموت كان من قبل فى الحى الذى أسكُن فيه.. الآن، فهو بالبيت المجاور أو فى منزلى.. أحاولُ أن أعيش بانتباه.. وأكون موجودة فى الوقت الراهن، أشعر فى داخلى بأنّنى بخير، فاتنة، جذابة، مثيرة.. لا أحد غيرى يلاحظ ذلك.. أنا غير مرئية.. أُريد أن أكون مركز الاهتمام.. أكره أن أكون غير مرئية.. إذن كيف أبقى عاطفية؟ لقد تدربت لبعض الوقت، وعند إحساسى بالملل والضيق، أزيف شعورى.. السلوك ثم السلوك.. كيف أتدرب؟ من خلال قول «نعم» تجاه أى أمر يواجهنى: الدراما والكوميديا والتراجيديا، الحب والموت والخسارة.. نعم للحياة.. وأتدرب عن طريق بقائى فى قصة حب.. هذا لا يعمل دائمًا، لكنك لا تستطيع أن تلومنى على المحاولة».
أتمنى أن أصل لعامى الثمانين، وأن أكتب لكم عن تجربتى بروح مطمئنة وابتسامة مبتهجة.