رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فين الحقيقة يا خال؟


لما أتكلم عن مشاهد السينما المصرية الكلاسيكية، أول مشهد دايمًا بـ ييجى فـ بالى، مشهد من فيلم «ريا وسكينة» (صلاح أبوسيف، ١٩٥٢)، ده واحد من أجمل وأكمل المشاهد، فعلا ينفع يبقى إنتاج عالمى بدون مبالغة.
«ريا وسكينة» زى ما إحنا عارفين أختين اتنقلوا من الصعيد عبر أكتر من محافظة، واستقروا فى الإسكندرية، وسنة ١٩٢٠ عملوا عملتهم إنهم كانوا بـ يستدرجوا ستات (معظمهم بنات ليل) يقتلوهم وياخدوا دهبهم، ويدفنوهم فى البيوت اللى كانوا عايشين فيها، بمساعدة عصابة من الرجالة منهم حسب الله جوز ريا، وعبدالعال جوز سكينة، واتنين فتوات واحد اسمه عبدالرازق، وواحد اسمه عرابى.
الحكاية دى طبعًا فتحت شهية صناع الأعمال الدرامية من أول لحظة، يعنى مثلًا سنة ١٩٢١ نجيب الريحانى وبديع خيرى عملوا أول مسرحية عن الموضوع، وبعدها اشتغل المسرح كتير لـ حد صلاح أبوسيف ما عمل فيلمه. والملاحظ إن الأعمال الدرامية دى كلها كانت بعيدة نهائى عن «اللى حصل» فى إسكندرية، ومعظمها من خيال مؤلفيها. حتى فيلم صلاح أبوسيف.
بعد ١٩٥٢، بقت الأعمال بـ تتناول الحكاية بـ شكل كوميدى، زى إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة (حمادة عبدالوهاب، ١٩٥٥) واتعمل بـ نفس طقم ممثلين صلاح أبوسيف، و«ريا وسكينة» نسخة يونس شلبى وشيريهان (أحمد فؤاد،١٩٨٣) واللى مالهاش علاقة بـ الحادثة نهائى، وطبعًا المسرحية الأشهر «ريا وسكينة» نسخة شادية وسهير البابلى (حسين كمال، ١٩٨٤).
طبعا فى وسط كل الأعمال دى، ورحرحة المؤلفين والمخرجين، ضاعت ملامح القصة الأصلية، لـ حد ما الباحث الاستثنائى صلاح عيسى كان بـ يدور على قضية الحزب الشيوعى فى أرشيف المحاكم، فـ وقع تحت إيده ملف القضية بـ اعترافات ريا وسكينة ورجالتهم المباشرة، اللى بصموا عليها وقت الحادثة، وقعد سنين طويلة يشتغل عليها، لـ حد ما عملها سِفر ضخم مش مجرد كتاب عادى، حاجة فوق الـ٧٠٠ صفحة من القطع الكبير بـ بنط صغير، ومع ذلك ما تقدرش تفتح «رجال ريا وسكينة» من غير ما تخلصه على مرة واحدة، إن شا الله ياخد أسبوع.
كان طبيعى إن شغل صلاح عيسى يتحول لـ مسلسل (جمال عبدالحميد، ٢٠٠٥) يقفل باب تناول الدراما لـ حكاية ريا وسكينة، على الأقل لـ سنين طويلة جاية.
من بين الأعمال اللى تناولت ريا وسكينة هـ نقف عند نسخة صلاح أبوسيف، المخرج الكبير، اللى كان ممكن يبقى أكبر بـ كتير لو إن الأيديولوجيا ما سيطرتش على تفكيره وأثرت دايمًا على اختياره الفنى، وزى ما إحنا عارفين صلاح أبوسيف واحد من كبار الشيوعيين فى تاريخ السينما، بـ صرف النظر عن انضمامه لـ واحد من التنظيمات الشيوعية من عدمه، دى حاجة تانية.
«ريا وسكينة» نفسهم مكنوش حاجة مركزية فى فيلم أبوسيف، وده واضح من اختيار الأسماء وترتيبهم على التتر، يعنى ريا وسكينة وحسب الله وعبدالعال (اللى هم بـ الترتيب: نجمة إبراهيم وزوز حمدى الحكيم ورياض القصبجى وسعيد خليل) كانوا فى الترتيب بعد أنور وجدى وفريد شوقى وشكرى سرحان وسميرة أحمد، والأربعة لعبوا أدوار لـ شخصيات خيالية تمامًا.
مع إن الفيلم المفروض مقتبس عن تحقيق صحفى كتبه المحرر بـ الأهرام لطفى عثمان، اللى كان محرر حوادث معروف فى الأربعينيات، وهو اللى تابع مثلًا التحقيقات فى قضية مقتل أمين عثمان، ومش عارف إذا كان لطفى هو اللى ألف كل التأليف ده فى الأهرام (ودى كارثة) ولا أبوسيف خد التحقيقات وشخرمها بمساعدة فريق الكتابة، نجيب محفوظ للسيناريو، وسيد بدير للحوار. (ودى مش كارثة.. الفن حر)
فين بقى المشهد نفسه؟
آه
المشهد خليه المقال الجاى.. أو اللى بعده عادى.