رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل ومحاولات الاندماج القسرى بالمنطقة


أزمة المرور الآمن بمضيق هرمز، فجرتها أمريكا بالعقوبات التى فرضتها على إيران، وتطبيق بريطانيا الأرعن لها، باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية، وتصعيد طهران ردود الفعل على نحو أجبر لندن وواشنطن على التراجع المشين.. ترامب حذر: «لن نقاتل فى مضيق لا نستفيد منه»، لكنه سعى لتشكيل تحالف عسكرى دولى لضمان أمن الملاحة البحرية فى الخليج.. يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلى، أكد مشاركة بلاده فى المباحثات الخاصة بتشكيله.. أمريكا ألقت الكرة فى ملعب دول المنطقة بإثارة الأزمة، ثم التنصل من تبعاتها، والدعوة إلى تحالف تشارك فيه إسرائيل، تحقيقًا لرغبتها الملحة فى الاندماج بدول المنطقة.
إسرائيل لم تشارك فى التحالف الدولى ضد تنظيم داعش، الذى كان قريبًا جدًا من حدودها، لكنها تهرول نحو التحالف الدولى لتأمين المرور بالمضايق، رغم بعدها، وعجزها عن إرسال أى قطع بحرية، نتيجة التهديدات الإيرانية باستهدافها، فى ظل استمرار حالة الحرب بينهما، ما يعنى اقتصار دعمها على الرصد والتعاون المعلوماتى والمخابراتى، وهو محدود نتيجة البعد الجغرافى، والقيود السياسية المتعلقة بعلاقاتها بدول المنطقة.. المنامة استضافت اجتماعًا عسكريًا دوليًا حول أمن الملاحة البحرية بالخليج ٢٤ يوليو، لم يتم الكشف عن الدول المشاركة، وستستضيف الاجتماع التالى فى أكتوبر، لبحث آليات تأمين مسارات الملاحة بالمضايق والتصدى لاستهداف السفن وناقلات النفط.. كل التقديرات تؤكد مشاركة إسرائيل.
استهداف الإليوشن الروسية
مع بدء التدخل الروسى فى سوريا ٢٠١٥، توصلت إسرائيل مع موسكو إلى «آلية عدم اشتباك»، للاحتفاظ بحرية العمل فى المجال الجوى السورى.. لكنها تلاعبت بها، وقصرت فترة الإنذار إلى أقل من دقيقة.. ٤ طائرات «إف-١٦» إسرائيلية، قصفت أهدافًا قرب اللاذقية ١٧ سبتمبر ٢٠١٨.. إسرائيل راهنت على عدم تفعيل موسكو نظام تمييز الدفاع الجوى السورى للطائرات الروسية باعتبارها أهدافًا صديقة، ولذلك تسترت طائراتها خلف طائرة استطلاع وتشويش إلكترونى روسية «إليوشن ٢٠»، على بعد ٣٥ كم من الساحل السورى، بارتفاع ٥ كم، كانت فى طريق عودتها لقاعدة حميميم، بعد انتهاء مهمتها فى تحديد مواقع تمركز الطائرات المُسيرة بمنطقة خفض التصعيد فى إدلب.. عندما استهدفتها صواريخ الدفاع الجوى سارعت بالفرار، لتسقط الإليوشن بـ«نيران صديقة».. كل الشواهد تؤكد سبق الإصرار والترصد. فطائرة الاستطلاع الروسية توجد بالمنطقة يوميًا وفى نفس التوقيت، وبنفس مسارات الحركة فى الإقلاع والهبوط من البحر، لتتجنب نيران المسلحين. عندما نصبت إسرائيل الفخ للطائرة الروسية سعت لتوجيه عدة رسائل: أن طياريها يمتلكون المهارات الكفيلة بمواجهة تهديد صواريخ «إس-٢٠٠» و«إس-٣٠٠»، وتوريط الدفاعات الجوية السورية مع الحليف الروسى، وتلك دعاية سيئة للأسلحة الروسية؛ قد تضيع ما كسبته فى معركة الـ«إس-٤٠٠» ضد الباتريوت فى تركيا.. وهى تتمسك بحرية العمل فى المجال الجوى السورى.. ثم إنها برهنت لروسيا على أن مصلحتها تفرض التنسيق الدائم مع إسرائيل، باعتبارها شريكًا فاعلًا بسوريا، فى ظروف الحرب، وعند صياغة شروط التسوية السياسية.
إسقاط السوخوى السورية
إسرائيل أسقطت مقاتلة «سوخوى» سورية داخل الأجواء السورية على أطراف وادى اليرموك يوليو ٢٠١٨، وحرصت فى بيانها على التأكيد أنها قامت بمتابعة الطائرة والتنسيق مع روسيا منذ تحليق الطائرة حتى إسقاطها، لتؤكد أن الوجود الروسى، وآليات التنسيق لا تغل يدها عن العمل، وأن التزام موسكو الصمت حيال الغارات الإسرائيلية، نتيجة عدم قدرتها على منعها.. العملية استهدفت فرض أمر واقع، يعزز سعيها لإقامة منطقة عازلة على مرتفعات الجولان، لا يدخلها الجيش السورى، ولكن يسمح بالوجود فيها لعملاء منظمة «لواء فرسان الجولان»، التى تتلقى دعمًا إسرائيليًا بالمال والغذاء والرعاية الصحية والسلاح.. الكرملين لا يرى غضاضة فى التسامح مع التدخلات الإسرائيلية، طالما لا تمس مصالحه، وطالما ظلت سوريا غير راغبة فى فتح جبهة جديدة مع إسرائيل.. روسيا تعهدت بضمان أمن إسرائيل؛ لتفوز بالموافقة الأمريكية على تدخلها العسكرى فى سوريا ٢٠١٥، ولقاءات بوتين مع نتنياهو أكثر من لقاءاته مع حليفه بشار الأسد، فهل نتوقع غير ذلك؟!
عمليات الحشد الشعبى العراقى
قصف الطائرات المُسيرة الإسرائيلية معسكرات الحشد الشعبى الشيعية بالعراق بدأ فى يناير ٢٠١٩، على مدار أربعة أيام، بمنطقتى النخيب قرب حدود السعودية، والثرثار بمحافظة صلاح الدين.. بعدها وقعت انفجارات متعاقبة بمعسكرات قرب بغداد، جنوب كركوك، قضاء «طوزخرماتو» بمحافظة صلاح الدين، معسكر «أشرف» بديالى ٥٠ كم شمال العاصمة، منطقة جرف الصخر قرب كربلاء، والزعفرانية، ثم قرب منفذ القائم على الحدود السورية العراقية.. أمريكا تبرأت، ونتنياهو أورى بمسئولية إسرائيل.
قصف مقر حزب الله ببيروت
طائرة تجسس إسرائيلية مُسيرة سقطت بالضاحية الجنوبية من بيروت ٢٥ أغسطس، أعقبه انفجار طائرة أخرى مفخخة، سبب أضرارًا جسيمة بمبنى المركز الإعلامى لحزب الله، وذلك لأول مرة منذ ٢٠٠٦؛ تزامن ذلك مع عمليات قصف مواقع القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية قرب العاصمة السورية دمشق، لتأكيد اندراجها ضمن هذا الإطار، الهجوم الإسرائيلى المحدود عكس حرصًا على تجنب إشعال حرب، والاكتفاء بتأكيد استعدادها لتوسيع نطاق عملياتها ضد وجود إيران العسكرى بالمنطقة، بعد أن بدأت تستخدم مواقع ميليشياتها فى العراق ولبنان كنقاط تخزين لأسلحتها وتدريب لعناصرها بديلًا لسوريا، عقب ما تلقته من ضربات موجعة فيها.. رد فعل الحزب أيضًا جاء محدودًا، فلا أحد يرغب فى توسيع دائرة الاشتباك. إسرائيل حققت الهدف بتأكيد امتلاكها حرية العمل فى لبنان، وحزب الله أكد قدرته على الرد، دون استفزاز يضاعف من خسائره الفادحة فى الحرب السورية.. أما ما وقع من اختراقات جوية وبحرية، فتدخل جميعها ضمن حملة نتنياهو الانتخابية.

أمريكا ألغت الاتفاق النووى، وأشعلت الأزمة فى الخليج، ثم حرضت العرب ضد إيران، فى الوقت الذى بدأت فيه اتصالاتها السرية معها، تاركة زمام المبادرة لإسرائيل فى كبح جماح النفوذ الإيرانى بدول المنطقة، بشن عمليات عسكرية ضده، وبذريعته تستهدف الانتقال من مرحلة الاتصالات السرية مع الدول العربية، إلى تسويق فكرة التحالف الإقليمى المضاد لطهران، مما يحقق هدفها فى الاندماج بالمنطقة، وتبوء دور قيادى.. إيران حاولت إجهاض ذلك، ومنع وصول الوجود العسكرى الإسرائيلى إلى حدودها البحرية، بعرض توقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع دول الخليج، الإمارات تجاوبت بالتواصل المباشر، والسعودية قد لا تتأخر كثيرًا، وتعقيدات الموقف تفرض على الجميع قدرًا من المرونة يسمح بتهدئة التوتر داخل المنطقة، مما يفسر أن التحالف الغربى المزعوم يقتصر حتى الآن على أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، رغم تأكيدات ترامب بتوجيه الدعوة للمشاركة لـ٦٠ دولة.