رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مرطبات الصيف"..تهون الحر على الشقيانين في شوارع المحروسة

جريدة الدستور

شمس حارقة ودرجة حرارة تُعرّق الجباه، نشرات إخبارية تحذر من سوء الطقس.. تحمل تنبيهات بعدم الوقوف في الشمس لساعات طويلة، كل هذا من الممكن أن يعبأ به سكان أي دولة في العالم.
"هنا القاهرة ".. ولتلك الكلمة صيت وصدى، فالمدينة الصلبة لا تلين على أبنائها في هذا الحر القاس، مع هذا لا يمتنعوا من عيش حياتهم كما اعتادوا، فتجدهم متصببين عرقًا محمرة وجناتهم، مشمرين عن سواعدهم.

" بكرى تشتي الدنيا وننسى هموم الصيف "تغنيها الست فيروز لتواسي المتأففين من حر الصيف، لكن شوارعنا لها أساليبها الخاصة في مواساة محتضنيها، بأقل كلفة وأكثر إرضاءً، تجولت "الدستور" لرصد بيع المرطبات في الشوارع.

كوب عصير ب "2" جنيه..يكسر الحر ويروّق الدم
"يا عرقسوس شفا وخمير يا اللي الليمون منك يغير...جرب ودوق الحلويات يا بتاع الشربات "..النداء الأشهر لبائعي العرق سوس ورغم قدمه إلا أن الاحتفاظ به يعتبره من أدوات الكار، الأمر ينطبق على " أحمد ابراهيم "، حيث يقف "أحمد" صاحب الـ 24 عام لجوار قسم الموسكي بميدان العتبة، شمال القاهرة منذ 10أعوام بعد أن أتى من بلدته، مرتديًا زي مميز وقبعة على الطراز الإيطالي.

يبيع التمر والعرق سوس في قوارير كبيرة مزودة بصنبور يحملها ويربطها على جسده بحزام جلدي يحكم مسكتها، يذكر " أحمد " ان هذا الزيي مشهور به كل سكان قريته فهو ليس متفردًا بعمله في هذا المجال، فقريته "عنيبس" التابع لمركز جهينة بمحافظة سوهاج، حينما يبلغ الولد فيها سن العاشرة يبدء للخروج مع من يكبره ليتعلم أصول المهنة ثم بالتدريج يسلك طريقه منفردًا.

البزة التي يرتديها تكلفه 150 جنيه، والوعاءات الزجاجية حوالي ضعف هذا المبلغ جوال من التمر وآخر للعرق سوس المزروع بأسوان، كان هذا رأس مال "أحمد" قبل أن يأتي للقاهرة، وكل يوم يجدد رزقه بشراء الثلج والسكر وفقط.

يبيع " أحمد " الكوب بجنيهين، ويعتبر هذا مصدر رزق واسع له، فعو لا يعاني من ضعف الاقبال نظرًا للزحام الدائم في محيط ميدان العتبة من الباعة والمشتريين والمارة، يرى ان ثمن الكوب متناسب مع عدم دفعه لضرائب أو ايجار كما في محلات العصائر ،أكمل أن هناك سر وناكهة خاصة لكوبه تميزه عن غيره تزيد من عدد المترددين عليه.

"يا جيلاتي "... اللول يبيع الفرحة في بسكوتة بجنيه
" للي وصل وعلي بياع الحليب قشطه باللبن " يمر سيد اللول دافعًا عربته الخشبية والملجقة بدراجة هوائية وينادي بتلك الكلمات على الكبار والصغار محبي " الجيلاتي " بشكله التقليدي، ورغم انتشار المثلجات في المحال التجارية ومحلات العصائر أو حتى السلاسل المخصصة لبيع " آيس كريم " إلا أن " اللول " مازال محتفظًا بالعربة ارث العائلة عنه جده ثم أبيه.
يسير " سيد " حاملًا بين شفتيه مزمار يلحن به ندائه على الزبائن، يجري عليه الأطفال بمجرد سماع صوته، يشترون منه ويسيرون خلفه في حارات وممرات حي دار السلام الضيقة.

يبدأ عمله في الخامسة صباحًا بتجهيز علب الجيلاتي بنكهات مختلفة تتنوع بين الشوكولاته والفراولة والفانيلا والمانجو.
بجنيه واحد يجول منطقة دار السلام تكون اطول مدة يقفها ثابتًا هي أمام مدرسة الزهراء الابتدائية عقب انتهاء اليوم الدراسي حتى يشتري الأطفال منهم مقابل مصروفهم، لكن في الأجازة الصيفية لا يفوت شارع أو حارة إلا ويخطوها سعيًا وراء رزقه.

صاحب الـ 35 عام أعطى لهذه المهنة قرابة العشرين عام، ورغم ان لم يحقق منها الكثير سوى قوته اليومي ومصروفات تكفي أبنائه الاثنين، يروي أنه في احدى المرات أصابته حمى نتيجة السير في العمل وجد الأطفال وأبناء الجيران من الصغر يزرونه للاطمئنان عليه لكنه استشعر انه كانوا راغبين فيما يصنع فنهض ووصنع كمية تكفي لهم فبعد كل سنوات عمله لا تستطيع زوجته أو اي من أفراد اسرته إجادة صنعه.

هناك مرطبات من نوع أخر يتمنى الجميع أن يراه في الشوارع طوال العام وليس صيفًا فقط، لكن للأسف لا يملأ شوارعنا إلا أيام معدودة في فصل الصيف، التين الشوكي الذي اجتمع على حبه الكبار والصغار، يتزامن موعد حصاده مع بداية يوليو والأيام العشر من اغسطس وهي الأيام التي يغتنمها مجدي عليش الشهير بـ" رواش" للعمل فيه.

" رواش " صاحب الخمس وأربعين عام يعمل طيلة العام في أحد مصانع الطوب، ولكن حين يأتي موسم " التين " يتركه سعيًا وراء الرزق الذي يحبه.
يأتي من قريته التابعة لمركز أطفيخ جنوب الجيزة، تاركًا أسرته ليقف في أحد شوارع حي الدقي، يشتري قفص التين من أحد التجار الذي يجنيه من مدينة أبو زعبل، مقابل 120 جنيه في بداية الموسم وبالتدريج يبدأ سعره في الانخفاص.

يمتلك عربة التين خاصته منذ سنة 1992 ومن حينها اعتاد الروتين ذاته، فمع بداية الموسمك يتستأجر مساحة في جراج سيارات يخزم فيها سيارته ويبيت لجوارها، ولا يعود منزله الا عند انتهاء فترة بيع التين، يكون الحصاد كبيرًا نسبة لما يجنيه كحّمالا في المصنع، فيروي ان هناك يبدء يومه مع اذان الفجر وحسب الانتاج وعدد الحمولات التي يرفعها على كتفه يكون الأجر فبعد أكثر من 12 ساعة عمل لا يحصد أكثر من 50 جنيه.

" شوك التين حبي ورزقي " حين يسئل عن تفضيله العمل في حرارة الجو والتعامل مع الشوك الذي ينغز جلد يده باستمرار، قال إنه يفضله دومًا فهو حر نفسه لا يتحكم فيه أحد، ولا يقدر عليه رزقه، كما أنه يرى الفرحة على أوجه المشترين مع تقشير حبات التين ولا سيما الأطفال المحروم من إنجابهم، الآن يبيع الواحد مقابل 2 جنيه.