رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ملائكة الرحمة» تسكن الجحيم.. وقائع خاصة لـ«ممرضات» يتعرضن للضرب من المرضى

جريدة الدستور

وضعوا راحة المرضى نصب أعينهم، سهروا وتحملوا المشقة؛ حتى يحصلوا على أدويتهم في أوقاتها، ويلبوا طلباتهم المتكررة آناء الليل وأطراف النهار، ولكن لم يجدوا من يقدر مشقتهم ويعطيهم أقل حقوقهم في الشعور بالأمان أثناء العمل.

ولأنهم من يلازمون المرضى طوال الوقت حتى لقبوا بـ«ملائكة الرحمة»، فيدفع الممرضون سبب أخطاء مرضاهم وذويهم من إهانة وسب وأحيانًا كثيرة تصل للاعتداء البدني، ورغم وجود أفراد للأمن في جميع المستشفيات لحماية العالمين فيها، إلا أن دورهم في الغالب لا يتعدى دور المتفرج؛ خوفًا من ذوي المريض.

حكايات عدة ساقتها "الدستور" من دفتر الاعتداء على الممرضين والممرضات في المستشفيات الحكومية، والذين لا ذنب لهم سوى أنهم سهروا على راحة المرضى ويحاولون تأدية واجبهم، وسط شعورهم بعدم الأمان، في غياب رقابة وزارة الصحة على تلك الوقائع.

ممرضة تصطحب شقيقها إلى المستشفى خوفًا من التهديدات
مي إبراهيم، 30 عامًا، ممرضة بمستشفى أجا العام بمحافظة الدقهلية، وإحدى ضحايا الاعتداء في المستشفيات الحكومية، والتي وصل بها الأمر خلال الواقعة إلى اصطحاب شقيقها إلى المستشفى، خوفًا من تهديد أقارب أحد المرضى لها.

تعمل "مي" في قسم العناية الحرجة بالمستشفى، منذ 12 عامًا تعرضت للضرب والإهانة من الكثير من المرضى، إلا أنها في آخر يونيو الماضي، دخل مريض يعاني من غيبوبة سكر للعناية الحرجة، وتم التعامل مع الحالة حتى أصبحت صحته أفضل.

تقول: "المريض كان مدمن وأوردة جسمه لا تصلح لتركيب المحاليل بها، فاضطررت لوضعها في وريد بالرقبة، وكانت دائمًا ما تتوقف عن العمل نتيجة حركته الزائدة وأطلب منه عدم تحريك رقبته المستمرة، فكان يقذفني بأشد الألفاظ وتحملته أكثر من مرة، حتى قمت بالصياح في وجهه".

في صباح اليوم التالي فوجئت بزوجته تأتي وتسأل زملائها عنها بأبشع الألفاظ، ووقتها طلبت أن يأتي أمين الشرطة الواقف أمام بوابة المستشفي لإخراجها وتحرير محضر ضدها، ولكن فوجئت به يرد عليا: "دول ناس بتوع موالد وأنا أخاف منهم وعاوزة تعملي محضر روحي القسم إعمليه لكن أنا مقدرش أعمل حاجة".

وتابعت: "تصاعد الموضوع ووقف بجانبي مدير المستشفي وزميلاتي، الذين سمعوا ما قالته لي السيدة وزوجها وتهديدهم لي بالضرب عند خروجي من المستشفي، وتواصلنا مع قسم الشرطة الذي أرسل شرطيًا لتحرير محضر، وقاموا هم أيضًا بتحرير محضر ضدي حتى يكون محضر أمام محضر".

وأضافت: "أسبوع كامل بعد هذه الواقعة كنت أذهب إلى المستشفى برفقة أخي الأكبر خوفًا من تعرضهم لي وأنا في طريقي إليها، وخلال أسبوعين فقط قمت بطلب نقل من المستشفي والمدينة كلها، ليس فقط بهذه الواقعة الأخيرة، ولكن لأنها ليست الأولى منذ عملي في هذه المهنة".

ممرضات المنوفية يختبئون من بلطيجة المرضى
الاعتداء لم يكن على الممرضات فقط، ولكن طال الممرضين الرجال أيضًا. "محمد محمود" حسام 39 عامًا، ممرض بإحدى مستشفيات المنوفية، يقول أنهم من الخوف على الزميلات وضعوا كلمة سر بينهم، عند نطقها يختبئن في إحدى الغرف، ويغلق الباب على أنفسهن حتى لا يصل إليهن البلطجية.

وتابع في تمام الثالثة فجرًا، وصلت مريضة تعاني من نزيف شديد بعد الولادة وكان معها سيدتين، وبمجرد دخولها الطوارئ تم استدعاء طبيب النساء والتوليد، ووضع محاليل وتجهيزها لنقل الدم، لكن الحالة كانت فقدت الكثير منه مسبقًا وتوفيت بعد دقائق قليلة من دخولها الطوارئ.

ورغم محاولات إنعاش قلبها، إلا أنها لم تستجب وتم نقلها إلى ثلاجة المستشفى لإنهاء الإجراءات الروتينية، بحسب محمود الذي أوضح: "فوجئنا بسيارتين محملتين برجال اعتقد أنهم علموا بوفاة الحالة لأن شكلهم كان مخيف، واقتحموا المستشفي فجرًا ولم يستطع الأمن منعهم وصعدوا إلى قسم النساء والتوليد وقاموا بتكسيره كاملًا، واعتدوا بالضرب على كل من صادفهم يعمل بالمستشفي".

وأضاف: "أخذت زميلتي اللي كانت معي في القسم، وهربت من باب العيادات الخارجية إلى خارج المستشفى؛ لأننا كان من الممكن أن نُقتل بدون مبالغة"، مشيرًا المستشفى بها أمن لكنه كعدمه.

واستطرد: "قسم الشرطة لم يحضر إلا في الصباح وتم تسجيل المحضر ضد مجهول كالعادة، والمستشفى جازتنا جميعًا بسبب تحطيم القسم، ولكنها لم تلق بالًا بالممرضين الذين كانت حياتهم في خطر".

واستطرد: "نحن أصبحنا نستطيع التعامل مع بلطجة بعض المرضى وأقاربهم، لكن الدفعات الجديدة يؤثر عليها هذه التصرفات وتُحبط من عزيمتهم خاصة أن مدارس التمريض تقبل من مجاميع مرتفعة أكثر من الثانوية العامة ولكن نظرة المجتمع لهم متدينة وساهم في ذلك الأفلام والمسلسلات".


ممرض: "تعودنا على الضرب من المرضى"
أما عبدالله إبراهيم، 30 عامًا، ممرض بمستشفي بدر الجامعي، يقول أن طاقم التمريض هو من يتحمل كل أخطاء المستشفي، فإذا أخطأ الطبيب أو تأخر في تشخيص حالة المريض يعاقب أهله الممرض؛ لأنه يكون ملازمًا للحالة أغلب الوقت، على عكس الطبيب الذي يمر على الحالات لملاحظتها وينتهي هنا دوره.

وتابع: "عملت في إحدى المستشفيات الخاصة؛ هربًا مما كان يحدث في بدر الجامعي لكنني وجدت الوضع أسوأ، فالمرضى فيها يعاملوننا على أنهم اشترونا بأموالهم التى دفعوها للمستشفى وبالتالي يحق لهم أن يتصرفوا معنا كما يحلو لهم".

ويروي، في إحدى الليالي دخل مريض للطوارئ وظللنا بجانبه حتى يأتي الطبيب، ووقتها ظل أهل المريض يُلحوا في إعطائه أدوية حتى يأتي الطبيب، ومع تأكيداتنا بأنه لا يجوز وليس تخصصنا أن نعطي المريض دواءً دون تشخيص قاموا بسبنا بأبشع الألفاظ، وتعدوا علينا بالضرب وعندما حاول أمن المستشفي التدخل ضربوهم أيضًا.

إحصائية صادرة عن الجهازالمركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2018، أظهرت زيادة نسبية في عدد أعضاء هيئة التمريض، مبينة أن عدد أعضاء هيئة التمريض القائمين بالعمل ارتفع بنسبة 2.3%، فوصل عددهم إلى 207 آلاف و143 ممرضا فى 2016، مقابل 202 ألف و491 فى 2015، منهم 187 ألفا و90 ممرضا فى 2016 في القطاع الحكومي.

وبلغ إجمالى عدد أعضاء هيئة التمريض بالقطاع الخاص 20 ألفا و53 ممرضا فى 2016، فيما بلغ إجمالى عدد أعضاء نقابة مهنة التمريض 243 ألفا و529 عضوًا، فيما بلغ إجمالى أعداد خريجى كليات التمريض 4 آلاف و687 أما أعداد خريجى المعاهد الفنية للتمريض فوصل إلى 2513 خريجًا.

والد مريض يهدد الممرضة بالقتل لاسعاف ابنه
في أغسطس العام الماضي، أثناء تواجد "نجوى عبد الحميد" ممرضة في استقبال مستشفى قويسنا العام، فوجئت بحضور لجنة مرور من مديرية الصحة بمحافظة المنوفية، وكانت المستشفى في أتم استعداد لهذا ولم تر اللجنة أي مخلفات تذكر.

ليحدث مالم يكن متوقعًا، فتروي نجوى أنه في حدود الخامسة مساءً، وصلها إخطار بوصول سيارتين إسعاف بهم ضحايا أتوبيس في الطريق بين قويسنا وطنطا.

ودخل أحد الضحايا محمولًا بين ذراعي والده، وسيل من الدم ينزف من رأسه، فلم تستطع نجوى وباقي الممرضات التعامل مع هذا الكم العددي والنوعي من الإصابات في غياب الأطباء.

رهبة الأب على ابنه الغائب عن الوعي، أصابته بحالة شديدة من الغضب والهياج، فحمل مقصًا هدد به الممرضة "نجوى"، حتى تقوم بإسعاف ابنه البالغ من العمر ٨ سنوات، رغم أن كل خبرتها لا تخرج عن الإسعافات الأولية فقط، تذكر أنها لأكثر من ربع ساعة حاولت مساعدة الولد دون جدوى.

مرت الدقائق بصعوبة على الأب و"نجوى" التي اضطرت أن تعمل تحت تهديد السلاح، وبمجرد أخبارها إياه أنها فشلت في كل شيء، وعليها الانتقال صوب مريض آخر لمساعدة زميلتها حتى يأتي الطيب، كانت شفرة المقص فلتت من يد الوالد إلى رقبتها وانغمست فيها لنحو ٢ سم، وحين وصل الـطباء كانوا في محاولة لإغاثة زميلتهم ومساعدة المرضى.

دخلت "نجوى" العناية المركزة لإصابتها بجرح قطعي تسبب في فجوة بالقصبة الهوائية، بعد تعافيها وجدت نفسها بين محاضر شرطة وتحقيقات نيابة، لكن نصحها الأطباء بالتنازل حماية لعملهم، حتى لا يتم إثبات تغيب طاقم الأطباء.


نقابة التمريض: "الإسماعيلية المحافظة الأكثر تهديدًا على حياة الممرضات"
هشام مبروك، المتحدث باسم نقابة التمريض، قال أنه لا يمر أسبوع بدون وصول شكوى من إحدى الممرضات إلى النقابة الفرعية في المحافظات المختلفة، بتعدي ذوي مريض عليها، مشيرًا غلى أن هناك تطور نوعي في محتوى الشكاوى.

تابع: "الممرضون في النهاية الحلقة الأضعف بين أهل المريض والطبيب، ففي أغلب الأحيان يكون الطبيب هو موضع المخالفة، لكن الممرضة تضطر تحملها نيابة عنه حتى لا تتسبب له في حرج وهنا تتصدر هي المشهد وتكون موضوع تنفيس الغضب من أهل المريض".

أضاف: "وفِي بعض الأحيان وخاصة في غرفة الطوارئ، تحاول هي امتصاص توتر ذوي المرضى فتقع هي تحت أيديهم يعاملونها كما لو كانت هي السبب في ما وصل إليه حالتهم".

يتذكر "مبروك" أن الحادث الأفجع الذي تعرضت له إحدى الممرضات، كانت في مستشفى أسوان العام، حين دخل شاب مصاب بطلق ناري طائش، خلال إحدى حفلات الزفاف ورفضت استقباله إلا بعد تحرير محضر شرطة كما هو متعارف عليه من إجراءات قانونية.

عند إصرارها على تنفيذ القانون، قام شقيقه بفقأ عين الممرضة مستخدمًا سلاح أبيض في ذلك، وحررت الممرضة بعد إسعافها محضر ضده، ولكنها تنازلت عنه سريعًا بعد تهديدها من ذوي المريض.

أكمل "مبروك" أن تلك التعديات لا تُمارس ضد التمريض من الفتيات فقط لكن في واقعة مماثلة تم التهجم على أحد الممرضين الرجال؛ ما تسبب له في جرح قطعي في الوجه وعاهة مستديمة.

سجلت نقابة الإسماعيلية وحدها ما يقرب من 70 حالة تعدي على أفراد طاقم التمريض، منها إصابات يبقى أثرها مدى الحياة، بحسب "مبروك"، مبينًا أن الإجراءات المتبعة في تلك الحوادث هو محضر إثبات حالة من إدارة المستشفى.