رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف المستجد فى العلاقات الأسرية


استوقفتْنى فى الفترةِ الأخيرة أخبار حوادث عنيفة وجرائم مستجدة تقع فى مجتمعنا تعكس ممارسات غاية فى الخطورة، وهى ممارسات مستجدة فى السنوات الأخيرة تتطلب وقفة مجتمعية للتصدى لها، قبل أن تستفحل لتصبح ظاهرة يصعب حصارها لأنها، وللأسف الشديد، تقع بين أفراد الأسرة الواحدة.

لم تكن هذه الحوادث المروعة تقع بهذا الشكل العنيف فى مجتمعنا بين أفراد الأسرة الواحدة، بل كانت نادرة الحدوث، فما الذى تغير إلى الحد الذى يجعل الزوجة تقتل زوجها، والأخت تقتل أختها، والزوج يقتل زوجته؟.. هل تغيرت العلاقات الاجتماعية والأسرية إلى الحد الذى يمكن أن نقول فيه إننا نعانى من التفكك الأسرى والتفسخ الاجتماعى؟.
من المؤكد أن هذه الجرائم العنيفة والجديدة، التى ظهرت مؤخرًا فى حاجة إلى آليات وأساليب جديدة لمواجهتها ووقفها، ومن المؤكد أيضًا أن هناك تراجعًا فى دور الأسرة وفى أهميتها كركيزة أساسية فى استقرار المجتمع، ومن المؤكد أيضًا أننا فى حاجة إلى وقفة من علماء الاجتماع، لدراسة هذه الحوادث المتفرقة بالغة العنف عن قرب، حتى لا تنتشر أو تتكرر فى مجتمع هو أصل الحضارة الإنسانية كلها.
إن المراقب للمجتمع فى السنوات الأخيرة سيلاحظ تغلغل العنف فى حياتنا إلى حد كبير حتى أصبح إحدى الممارسات البغيضة فى التعامل اليومى، ساعد على هذه الفوضى التى انتشرت فى الشارع المصرى بعد أحداث يناير ٢٠١١، وما تلاها من بث مشاعر الكراهية والعنف والتطرف بين فئات المجتمع، من خلال خطط ممنهجة لإضعاف المجتمع المصرى، وتفتيت وحدته وتماسكه، وتقليب فئاته، من خلال أيادى الظلاميين، والذين ما زالت محاولاتهم لإضعاف بنية المجتمع المصرى العريق قائمة، من خلال بث السموم الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ولدينا أيضًا عنصر آخر هو حرب الإعلام وانتشار استخدام وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعى التى أصبح لها تأثير كبير فى سلوكيات أفراد المجتمع، خاصة بين فئة الشباب، وربما أكثر من الأهل والمدرسة.
ولقد استوقفتنى منذ أيام معدودة، جريمة مشينة، وفى غاية العنف والدموية، حيث وضعت زوجة وعشيقها خطة شيطانية للتخلص من زوجها بقتله، ليتسنى لها الزواج من عشيقها!.. ويا للأسف، بدآ معًا فى تنفيذ الخطة الشيطانية من خلال تخفى العشيق فى زى سيدة منتقبة، ثم طلب من القتيل توصيله وأحد أقاربه لمركز أبوحُمّص، وفى الطريق قام المتهمان بخنقه ودفع سيارته على حافة ترعة بالطريق الزراعى، ثم لاذا بالفرار، إلا أنه من خلال تحريات الأمن تم كشف أبعاد هذه الجريمة المروعة وتمكن رجال الأمن من ضبط الجانيين.
كما وقعت جريمة قتل أخرى فى الأسبوع نفسه، وفى منتهى العنف، بين شقيقتين من أسرة واحدة، حيث قتلت فتاة، ١٧ عامًا، شقيقتها، ١٤ عامًا، حيث اتضح من خلال تحريات الأمن، أن هناك مشاجرة قد حدثت بين هاتين الفتاتين بسبب سماع الصغيرة مكالمة تليفونية عاطفية بين شقيقتها وأحد الشباب، ولما علمت الفتاة الكبرى أن شقيقتها الصغيرة ستخبر والديها بالمكالمة خافت من رد فعلهما، ونشبت بين الفتاتين مشاجرة عنيفة، دفعت فيها الكبرى شقيقتها الصغرى من حافة السرير، فسقطت على الأرض، وهنا تقدمت بدماء باردة وخنقتها بقطعة ملابس فأردتها قتيلة، واستطاع رجال الأمن كشف تفاصيل هذه الجريمة المروعة، حينما ذهب الأب لإحضار تصريح دفن لجثة ابنته الصغرى، فوجد مفتش الصحة الجثة مسجاة على أرضية الغرفة، وبها آثار إصابات واضحة، وكشفت تحريات الأمن عن وقوع مشاجرة بين الشقيقتين، وما تلتها من جريمة قتل فى غاية العنف.
إن هاتين الجريمتين وغيرهما من هذه الجرائم الجديدة، والتى لا تتسع المساحة للكتابة عنها هنا، تعكس تفسخًا أسريًا مستجدًا على مجتمعنا، أسفر عن حدوث جرائم قتل من نوعية جديدة لم تكن معهودة فى مجتمعنا، لأنها تقع للأسف بين أفراد الأسرة الواحدة، مما يعنى أن علينا أن نتبين أسبابها، وأن نقوم بمناقشتها من خلال علماء الاجتماع والمفكرين فى برامج إعلامية هادفة، وعلى أساس علمى، بهدف التصدى لها ورفضها واستهجانها، وليس إحداث فرقعة إعلامية فقط كما يحدث فى بعض البرامج فى السنوات الأخيرة.
إننا فى حاجة لإدراك أن غياب دور الأسرة وتراجع قيمتها ودورها فى التوجيه والمتابعة للأبناء، وتراجع دور المدرسة فى التربية وغياب القدوة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة وثورة المعلومات، وغياب دور الإعلام الهادف الذى يرفع درجة وعى الأفراد ويكرس مفهوم الأخلاق الفاضلة، كلها أسباب تؤدى إلى التفكك الأسرى، وإضعاف قيمة الأسرة، وإضعاف مكانة العلاقات الأسرية، وغياب التراحم بين أفرادها.
كل هذه الأسباب وغيرها قد أدت إلى ظهور نوعية مستجدة من الجرائم العنيفة بين أفراد الأسرة الواحدة.. لذا، إن هناك شواهد واضحة على وجود فجوة بين أفراد الأسرة الواحدة الآن، وشواهد على غياب دور الأم والأب فى التربية والتوجيه والمتابعة للأبناء، ولا بد أن نعترف بأن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والأفلام والمسلسلات، التى يغلب عليها العنف والجريمة فى السنوات الأخيرة، قد أسهمت فى وجود خلل فى السلوك الاجتماعى، وخلل فى العلاقات الأسرية، وبدلًا من أن تكون الأسرة هى حصن الأمان للفرد أصبحنا نرى نماذج سيئة من العنف المفرط فى الأسرة الواحدة.
إن هذه النماذج من الجرائم شديدة العنف بين أفراد الأسرة الواحدة تدق ناقوس الخطر فى العلاقات الأسرية، ولهذا أصبح من الضرورى كشف أسبابها وتبعاتها ووقفها، حتى تعود الأسرة كما كانت دائمًا نواة أساسية فى استقرار المجتمع المصرى منذ قديم الزمن، وعلينا جميعًا، كل ذوى الفكر المستنير، الدعوة لوقف هذه الممارسات العنيفة والمريضة والسلوكيات البغيضة من مجتمعنا فى أسرع وقت، والتصدى لها بقوانين أكثر ردعًا.