رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"يحيى حقي".. الناصح الخفي

الكاتب الكبير يحى
الكاتب الكبير يحى حقى


اعتمد الكاتب الكبير يحى حقى رواياته على شخصية البطل الخفى، الذى يبعث برسائله من خلاله، على عكس الكتاب الآخرين الذين يستخدمون بطل الرواية ليمررون من خلاله فكرتهم الرئيسة.

وندلل على ذلك بالراوي فى رواية "قنديل أم هاشم" الذى جاء فى صورة ابن شقيق البطل الطبيب، وهنا يترك لك الكاتب الحرية فى تخيل هذا الراوى قد تظنه طفلا وقد تظنه صبيًا يحدثنا وكأنه خلف ستار، لا وجود له فى الأحداث، رغم أنه الضمير والناصح الأمين، الذى يخبرنا عن انغماس عمه فى النزوات والشهوات فى بلاد الغرب، التى بدلته وجعلته لا يعترف إلا بالأرقام، مما دفعه للفظ كل ما له علاقة بالروح، لذا قرر تحطيم قنديل أم هاشم.

ثم يوضح الراوى الخفى أن الحياة لا تكتمل إلا بالمزج بين العلم والإيمان، فكلاهما لا ينفصل ولا ينفصم عن الآخر.

كما تظهر شخصية الناصح الخفي لدى يحيى حقي فى روايته "صح النوم" وذلك من خلال شخصية الأستاذ الذى يترك أيضا لك المساحة فى تخيل أوصافه، ذاك الشخص الذى نزل إلى قريته فوجد الرجال على أسوأ حال، يفرغون قروشهم آخر الليل فى حجر صاحب الحانة.. كان ليلهم عربدة وسكر وهذيان دائم أما نهارهم فهو نوم وشخير متصل.. كل يعتقد أن الحياة دهمته وظلمته وكسرت خاطره، فهرب منها إلى الجعة ليهدر مابقى من أيامه..

اجتمع الاستاذ الوافد من بعيد بأهل القرية فأيقظهم من ثباتهم العميق، ليقول لهم صح النوم.. الاستاذ هنا هو يحى حقى نفسه الذى يجعل لنفسه نصيب داخل روايته، فى شخصية خفية دون أن يؤثر نفسه بدور البطولة، لذا لم يكن متكلفا ولا متحذلقا بل كان ناصحا رقيقا مستترا يضع خطاب النصح بين يديك ولا تراه.