رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الفأس إلى «الأكوابونيك».. كيف تطورت أساليب «الفلاح» في مصر؟

جريدة الدستور

حينما كانت مصر يحكمها النظام الملكي، كان الفلاحون يعانون من الظلم والاستبداد من الطبقات الإقطاعية، التي أجبرت الفلاحين على العمل في أراضيهم الزراعية بنظام السخرة، حتى جاءت الجمهورية وأُصدر قانون الإصلاح الزراعي، لينصر الفلاحين الضعاف ويحقيق العدالة الاجتماعية، بتحديد سقف الملكية الزراعية.

ومرت السنوات، وأصبح الفلاح يلقى قدر كبير من الأهمية على يد الحكومات، حتى بات له يوم خاص يحتفل به كل عام في 9 ستمبر، ويسمى "عيد الفلاح"، حيث تم تخصيص هذا اليوم احتفاءً بالفلاحين مصر.

في هذا التقرير وبمناسبة حلول ذلك اليوم، ترصد "الدستور" الطفرة التي حدثت في القطاع الزراعي، لا سيما وسائل الزراعة الحديثة التي دشنتها وزارة الزراعة في الفترة الأخيرة في مصر، وعلى مدارس السنوات القليلة الماضية.

الزراعة بالأمطار الصناعية تنجح في مصر
نجحت تجربة الزراعة بطريقة الري بالأمطار الاصطناعية في مصر، كما نجح خبراء مركز البحوث الزراعية في تحقيق أعلى إنتاجية لفدان القمح والأرز والذرة، بمعدل بلغ 40% باستخدام تلك المنظومة الجديدة، فضلًا عن توفير 15 يومًا من فترة نمو النباتات.

ساهم الري بالأمطار الصناعية في نجاح تجربة زراعة القمح، بما يساهم في ترشيد استهلاك مياه الري ويرفع من إنتاجية القمح، بمتوسط يصل إلى 22 إردبًا بدلًا من 18 إردبًا حاليًا، ويعمل النظام بالطاقة الشمسية مما يوفر الكهرباء ويحافظ على البيئة، وتوفير للمياه بنسبة 40% وتوفير الأسمدة بنسبة 30%.

حققت هذه التجربة نجاحًا كبيرًا في منطقة الصالحية الجديدة، وهي تعد إحدى خطط تحديث منظومة الإنتاج الزراعي وتوفير مياه الري والطاقة، إذ تمت الاستفادة بالمياه الجوفية والمعالجة المغناطيسية لتخفيض الأملاح في التربة ومياه الري، ويصلح هذا النظام مع جميع أنواع الأراضي الزراعية.

تحد التكنولوجيا الزراعية الجديدة من تأثير التغييرات الجوية على المحاصيل الزراعية، وتوفير كل مستلزمات الزراعة الأخرى، منها المبيدات والأيدي العاملة وصيانة المعدات بنسب كبيرة، وهو ما يعتبر نجاح منقطع النظير حققته مصر.

وذلك في ظل المخاطر التي تواجهها نتيجة ندرة المياه، فتستهلك الزراعة الآن 80% من حصة مصر المائية، التي لا تزيد عن 65 مليار من حصة مصر من نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب و5 مليار مياه جوفيه والباقي من مياه الأمطار.

الدكتور سعيد خليل، أستاذ الهندسة الوراثية وزراعة الأنسجة، أوضح أن مصر دولة زراعية بالأساس، ولديها أبحاث علمية وأنظمة حديثة في مجال الزراعة، منها منظومة الري بالأمطار الاصطناعية، والتي تساهم بتخفيض تكلفة الصيانة لشبكات الري، وعمرها الافتراضي من 25 إلى 30 سنة.

وأضاف، إنه لا توجد حركة أو جهد للأجهزة الميكانيكية، وتكلفة الفدان لا تتجاوز الـ 30 ألف جنيه، قابلة للانخفاض عند زيادة المساحات وهذه الطريقة في الري، قائمة على خفض درجة الحرارة ما تحمي النبات من مخاطر الارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي تهدد إنتاجية المحاصيل.

وأشار "خليل" لـ "الدستور"، أنه يمكن تفعيل هذا النظام على جميع الأراضي الزراعية، كما أنه لا يحتاج للصيانة ويوفر 50% من الأسمدة المعدنية، مبينًا أن تجربة زراعة الذرة والأرز حققت أعلى إنتاجية، وتكرار زراعة النباتات عروتين فى الموسم بدلًا من عروة واحدة، تكلفة الجهاز من 25 إلى 30 ألفًا.

بينما أكد تقرير رسمي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن تآكل التربة سواء بالتجريف أو بالانهيار أو بالزراعة المكثفة والرعي الجائر، أحد أهم الأخطار التي تهدد التربة، مما يؤثر على إنتاج ما يصل إلى 95% من الأغذية التي نتناولها.

وأضاف التقرير أن تآكل التربة السريع له عواقب وخيمة علينا جميعًا، وإذا لم نتصرف الآن، فإن أكثر من 90% من تربة الأرض قد تتحلل بحلول عام 2050.

الزراعة بدون تربة "الهيدروبونيك"
ومن الوسائل الحديثة أيضًا، ظهور الزراعة بدون التربة، وهي الزراعة المائية نتيجة العديد من الدراسات، التي بينت أن النبات يمكن لها العيش دون تربة إذا ما توفر لها ما يحتاجه من الماء، كما أنها الزراعة بدون تربة تعتبر الحل الأمثل للمناطق التي يسودها الجفاف، والتي تتعرض فيها التربة لمشكلات بيئية أهمها التصحر، والانجراف.

وظهرت الزراعة بدون تربة في مصر لزراعة الخضروات بجميع أنواعها مثل الطماطم والخيار والفلفل وجميع الورقيات، وبمعدلات إنتاجية عالية، فيما يبلغ إنتاج المتر المربع الواحد من الطماطم حوالي 75 إلى 90 كيلوجرامًا، كما نجحت تجارب استخدام الزراعة بدون تربة في إنتاج زهور القطف وبعض الفواكه وأيضًا المحاصيل الاستراتيجية كالأرز والقمح.

وتعتمد الزراعة المائية على إدخار الضوء والدفء للنبات، ويعوض عدم وجود تربة طينية في هذه التقنية هو إمدادها بالمحاليل اللازمة منالنيتروجين، والبوتاسيوم، والفوسفور، والمواد الغذائية الأخرى، والتي يُزود به النبات.

وتعتبر تلك الطريقة الحديثة إحدى وسائل مقاومة التصحر، كما أنه إسلوب موفر للمياه ومساحات الأراضي، بحسب الدراسات أنه من الممكن استبدال الأراضي المخصصة لزراعة الأعلاف بزراعة المحاصيل الاستراتيجية الهامة مثل القمح والفول وغيرها من المحاصيل القومية.

وأشاد الدكتور ممدوح السباعي، أستاذ بمركز البحوث الزراعية، بالزراعة دون تربة، والتي تكمن أهميتها في المقام الأول في توفير مساحات الرقعة الزراعية للحصول على المحاصيل الاقتصادية مثل القطن أو المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح، وتحويل زراعة الخضراوات وأمثالها من محاصيل استهلاكية بطريقة الهيدروبونيك.

ولفت "السباعي" إلى أن هذا النوع من الزراعة بإمكانه توفير المياه بشكل كبير؛ لأن الري يكون بأنظمة مختلفة، مثل التنقيط والرش أو حتى بطريقة الشبورة، أي استخدام كميات أقل من المياه، والزائد عن حاجة النبات، يتم عمل إعادة تدوير له.

فيما أكد تقرير رسمي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن تآكل التربة سواء بالتجريف أو بالانهيار أو بالزراعة المكثفة والرعي الجائر، أحد أهم الأخطار التي تهدد التربة.


أحدثها نظام التكامل الزراعي " الأكوابونيك"
كذلك، انتشر نظام "الأكوابونيك" بمختلف المناطق الصحراوية في مصر، وهو نوع من أنواع الزراعة الحديثة التي تقوم على استخدام مساحات صغيرة توفر في المياه، لإنتاج المزروعات الخضراء والأسماك معًا في دورة تكاملية مغلقة.

بالإضافة إلى زيادة إنتاجية الفدان، سواء من المزروعات أو الأسماك أو كلاهما معًا، والتي باتت جزءً لا يتجزأ من أنواع الزراعات والتي تصلح للأماكن الصحراوية أو قليلة المياه وللدول التي تعاني ضعفًا في الإنتاج الزراعي أو السمكي.

يعد "الأكوابونيك" زراعة تكاملية بين النبات والأسماك معًا في دورة مغلقة، معتمدين على مخلفات الأسماك في تغذية النبات، ومعتمدين على تغذية الأسماك من مغذيات النبات التي تضاف للماء من كالسيوم وبوتاسيوم ونيتروجين.

وتساعد على استغلال أصغر المساحات للحصول على إنتاج أعلى ذي عائد مادي كبير؛ لأنه المنتج النهائي من الأسماك أو الخضراوات تكون صحية وخالية من الكيماويات، وتم تغذيتها طبيعيًا كما يساعد على التوفير في استهلاك المياه حيث أن المياه في "الأكوابونيك" ثابتة طوال مدة دورة التربية.