رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تفوّض ربك ليكون وكيلك؟



التوكل فى اللغة معناه: «تفويض»، وهو مشتق من الوكالة، مثلما تذهب إلى الشهر العقارى لعمل توكيل للغير، وهو مرجعه الثقة والاعتماد فيمن تقوم بعمل التوكيل له، فلو لم تكن تثق فيه تمام الثقة لما فكرت لحظة أن تمنحه هذا التوكيل، ليقوم مقامك فيما أوكلته إياه.
هذا هو معنى التوكل فى التعاملات بين البشر وبعضهم البعض.. وبين الخلق والخالق، هو عقد تفويض مطلق منهم لله تعالى ليتولى جميع أمورهم، صغيرها وكبيرها، فى السراء والضراء، فى المنشط والمكره، عند الشدة والرخاء، عند الدخول والخروج، والنوم والاستيقاظ، وفى السعى والحركة، وفى كل تفاصيل حياتك تقول: يارب توكلت عليك وسلمت أمرى إليك.
سبحانه خلق الإنسان من طين، رفع السماء بلا عمد، وخلق الأرض وجعل فيها الجبال والبحار، وكل ما يكفل للإنسان العيش والحياة، لم يفوض أحدًا ليدير الكون، وحاشاه وهو الذى لا تأخذه سنة ولا نوم أن يغفل عن شىءٍ خلقه، كل شىء طوع أمره، لا يكون إلا ما أراد، سبحانه أمره بين الكاف والنون يقول للشىء: كن فيكون.
والتوكل على الله من صفات عباد الرحمن، يتميزون به عمن سواهم، اختصهم الله بمحبته: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، لأنهم أحسنوا اللجوء إليه والتوكل عليه، فلم يُخب لهم رجاءً، عرفوا الله فقدروه حق قدره، إذا ذكروه خشعت قلوبهم، وخفق فؤادهم لمحبته: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
تخيل نفسك وأنت ذاهب إلى الشهر العقارى لعمل توكيل لشخص ما فى أمر من الأمور، فلو لم تثق فيه لما منحته وكالتك، ولو لم تكن مرتاحًا له من الأساس لما وقّعت على عقد التوكيل.
كذلك هم البشر فى علاقتهم بربهم، يمنحونه توكيلًا، لكنه توكيل مطلق فى كل شىء، وأى شىء، ليس محدودًا بزمن، ولا مقيدًا بعمل، بل هو عقد توكيل مفتوح إلى ما شاء الله أن يعيش الإنسان، غير محدود بمهمة أو وظيفة بعينها، بل فى كل الأمور.
ربنا سبحانه سمى نفسه الوكيل.. هو من يعرض نفسه على عباده: من يوكلنى فأكون وكيله؟، قال الله تعالى: «وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللّه فَهُو حَسْبُه».
ومعنى التوكل كمنزلة روحية: اعتماد القلب على الوكيل وحده.. اكتفاء العبد الذليل بالله الجليل.. وهو عبادة قلبية مكانها القلب.. فعندما تنطق بقول: «توكلنا على الله»، فإنك تقولها بصدق من القلب.. تمنح التوكيل والتفويض المطلق إلى الله.. كيف؟.. بقلبك.. لسانك: «حسبى الله ونعم الوكيل».
والتوكل غير التواكل، فالأول مطلوب والثانى مرفوض، وفى الحديث عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا».
وقد ورد ذكر اسم الله «الوكيل» فى القرآن الكريم، وآيات التوكل عجيبة.. لا يدعوك الله أن توكل إلا ومعها استعراض عجيب لعظيم ملكه وقدرته ليدفعك للتوكل.
«وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ»، لذلك «فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ»، «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىّ الَّذِى لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ»، لا تتوكل على الأموات، «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىّ الَّذِى لَا يَمُوتُ»، «رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا»، «قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا». وفى الحديث، يرى النبى، صلى الله عليه وسلم، أمته يتقدمهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، ومن بين صفاتهم: وعلى ربهم يتوكلون فى جميع أمورهم، لذا فهم لهم رتبة خاصة، حاصلة بالصبر، والعمل، لا بالتمنى، والكسل.
فإنهم أهل إيمان قوى، ويقين راسخ، وعزم، وإيقان بأن الله تعالى هو المؤثر الحقيقى فى الأشياء، فلا قيمة للأسباب إلا بالله، فالنار لم تحرق نبى الله إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، لكن الله تعالى أمرنا بأن نأخذ بالأسباب.
«حسبى الله ونعم الوكيل»، قالها إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، حين أُلقِى فى النار، وقالها نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، عندما قيل له بعد غزوة أحد: إن قريشًا ومن معها قد أجمعوا على الرجوع إلى المدينة المنورة واستئصال وإبادة المسلمين.
فعن عبدالله بن عباس، رضى الله عنه، قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم، عليه السلام، حين أُلْقِىَ فى النار، وقالها محمد، صلى الله عليه وسلم، حين قالوا: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ».
توكل على الله الذى يدير الكون طوال الليل والنهار لا يخفى عنه شىء، هو أعلم بنا من أنفسنا، لا تخش شيئًا ما دمت قد توكلت على ربك، لم تتأخر عن إجابته وحسن التوكل والاعتماد عليه، ولن يتأخر عنك فيما تطلبه منه، وهو الذى لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء.
من بكى على أولاده لمن يتركهم فليس بمتوكل، ومن أكل ولو فلسًا من حرام فليس بمتوكل، فالمتوكل علم أن للرزق أسبابه فلم يتأخر عن الأخذ بها، واثق ثقة لا تزحزح فى ربه بأنه لن يفوته رزق قد كتبه له، وهو يعلم حاله عند ربه، حال من أحبهم ورضى عنهم، لأنهم آمنوا به إيمانًا مطلقًا لا تشوبه شائبة، فاستحقوا أن يكونوا ممن قال تعالى عنهم: «إن الله يحب المتوكلين».
خطوات التوكل:
ضع فى ذهنك موضوعًا كبيرًا تريد أن تحققه.. توكل على الله فيه بنيتك.. قرر أنك ستبذل كل جهدك وطاقتك حتى يؤيدك بالأسباب.. فكر نفسك بالتوكل بالاستمرار بالذكر والدعاء «حسبى الله ونعم الوكيل».. أوكل صباح كل يوم.. قل: «حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» سبع مرات.
ثواب التوكل فى الدنيا: نصر الله وتوليه أمرك.. ثواب التوكل فى الآخرة: ٧٠ ألفًا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.. فاللهم اجعلنا من المؤمنين بك، المتوكلين عليك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين يا أرحم الراحمين.. «رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ».