رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة ليست صندوقًا لحفظ شرف الرجال



يعلق بعضنا آماله التى لم تتحقق على أحد أبنائه أو عليهم جميعًا، وبذلك يتخلص من أن يعمل على تجسيد تلك الآمال بعد أن وضعها على عاتق شخص آخر واستراح. ويعلق بعضنا فشله على الآخرين، يقول «هم عطلونى، هم وضعوا العراقيل فى طريقى»، وبذلك يتخلص من محاسبة نفسه والتنقيب عن أوجه التقصير فى عمله.
حين يعلق الإنسان آماله أو أسباب فشله على مشجب فى الخارج، فإنه يعفى نفسه من مسئولية البحث عن الحقيقة داخل نفسه، لقد جعل من الفشل أو الأمل، خيال مآتة قائمًا خارج نفسه، يمكنه بسهولة أن يراه ويصفى حسابه معه. وفى الواقع تبقى المشكلة داخل الإنسان. هناك رجال كثيرون يعلقون شرف الرجولة على النساء، هذا أفضل، إذ يصبح الشرف هنا خيال مآتة خارج الذات، يمكن أن نصوب الرصاص عليه، لأن ذلك أسهل من البحث عن الشرف داخل أنفسنا وفى قيمنا ومعتقداتنا ومواقفنا. شرف الرجل يقع هناك، بعيدًا عنه، فى جسم امرأة. ليس شرفه هو موقفه المتعلق بقبول رشوة أم لا، ليس شرفه الرضوخ للإهانة من المدير أم لا، وليس شرفه أنه تصدى للمظالم. شرفه هناك، فى جسم امرأة، يسهل العثور عليه وغسله بالدم، هذا أسهل بكثير من مواجهة النفس والبحث فيها عن الشرف. فى مطلع نوفمبر ٢٠١٠ نشرت الصحف عندنا أن تاجر مواشى فى الفيوم قتل طفلته البالغة ثلاث سنوات، خوفًا من فضيحة أن تكبر ويعايرها أهل القرية بسلوك واحدة من قريباتها! أطبق بيديه على رقبتها حتى لفظت أنفاسها. وقال فى التحقيق إنه «أراد أن يخلصها من العار». ومفهوم طبعًا أنه أراد أن يخلص نفسه من العار المتخيل، وبعبارة أخرى فقد أراد أن يصون شرفه! أراد أن يحفظ شرفه هناك، حيث الشرف قطعة لحم صغيرة، يمكنه إزالتها بحد السكين أو بيديه أو برصاصة. وتعلم النساء أن الرجال قد علقوا شرفهم على المرأة، لهذا قرأنا منذ أيام قليلة عن فتاة شابة فى السابعة عشرة خافت من والدها إلى درجة أنها قتلت أختها الصغيرة، دفعتها إلى السرير فى حجرة النوم وخنقتها بقطعة قماش «بلوزة»، لأن الصغيرة هددتها بأنها ستخبر والدها بشأن المكالمة الهاتفية التى سمعتها بين الأخت وأحد الشباب. الخوف من أن ينهض الرجل ويدافع عن شرفه هناك ساق الفتاة إلى قتل أختها. يحسب الرجال أن المرأة ملكية خاصة لهم، مثل البنطلون، وأوانى الطبخ، وأن أى تلوث يقع على المرأة يمس شرف الرجل. لا يفكر الرجال أن الشرف يكمن فى أن تهزم جبنك، وأن تكون إنسانًا، وأن تصارع نقاط الضعف بداخلك. كلا، الشرف «هناك» حيث لا علاقة لهم به. وما زالت تتردد الأصداء المؤسفة لقصة الشابة الفلسطينية إسراء غريب التى قتلها أهلها فى الضفة الغربية منذ أيام لمجرد أنها التقت خطيبها فى مقهى ثم نشرت صورًا من ذلك اللقاء على وسائل التواصل الاجتماعى! العجيب أن لقاءها خطيبها كان بموافقة الأهل، لكن كيف تنشر صور اللقاء؟! هذا يمس الشرف، الشرف الذى «هناك» بعيدًا عن جوهر أهلها من الرجال. لذلك تعرضت الفتاة لضرب عنيف من أهلها أدى لكسر عمودها الفقرى، وإدخالها مستشفى، أما المؤلم والمرعب فهو أن يتجه أهلها، تحديدًا أخاها، إلى المستشفى، ليغسل شرف العائلة، ويجهز على البنت هناك وهى لم تزل فى عمر الزهور! إنهم رجال يبحثون عن الشرف خارج أنفسهم، فى بدن امرأة أخرى، بينما تظل ساحة الشرف الأكبر داخل الإنسان، فى مواقفه وفى علاقته بالآخرين، وفى شوقه للعدل وفى أحلامه بحياة حرة كريمة لنفسه وللآخرين، وفى هذه الساحة يجب أن يبحث الرجل عن شرفه، وأن يكف عن ملاحقة المرأة بالتنكيل والإهانة وصولًا إلى القتل. اتركوا المرأة فى حالها، إنها ليست صندوقًا تحفظون فيه شرفكم، وليست ملكية خاصة للرجل، إنها كائن مستقل، وهى لا تذهب لغسل عارها حين ترى رجلًا زانيًا، ولا تقتل حين تجد رجلًا مرتشيًا أو كاذبًا. إنها لا تبحث عن الشرف خارج نفسها.