ماريان رسمى تكتب: إنها قصة حبي
اليوم حينما أنظر إلى الوراء لأكتب كيف مضت بنا الأيام، إلى هذه اللحظة المشعة نورًا وفرحًا، أرى بوضوح كيف أن الحياة رسمت لكلٍ منا طريقًا لولاه ما كنا التقينا وكأنها كانت تُحَضِرنا كلًا منا للآخر.
أنا ماريان مواليد أكتوبر عام 1986، عشت مرحلة الطفولة ببهجتها في صورها البسيطة بين أختين جميلتين، وأب مكافح وأم حنونة يصاحبها المرض منذ الصغر.
وفى المرحلة الإعدادية، بعد انتقالنا إلى حلوان، تحوّلت مبكرًا من كونى طفلة إلى إنسانة مسئولة تحمل على عاتقها مع أٌختيّها حبًا فى أسرتها مسئولية تدبير شؤون المنزل، ورعاية الأم التى تعلمت منها ما معنى أن نحيا ونفرح ونحب بالرغم من أيّ ظروف.
فبدأت رحلة العمل فى سن مبكرة بالتوازى مع الدراسة، لشعورى بالمسئولية تجاه أسرتى، خاصة أن أبى خرج على المعاش المبكر لظروف صحية وأمى كان يتطور بها المرض.
ولم يكن هدفي الحصول على شهادة جامعية عُليا بقدر أن أتخصص فى مجال أحبه ويضيف إليَّ وأضيف إليه. فكنت أحلم أن أدرس فى أحد الكليات التى تتيح لى ممارسة هواياتي التي كنت أحبها، كالرسم والكتابة.
كل هذا جعلنى فى أول الأمر لا أدرس ما أحب، ولكننى أخيرًا وجدت ضالتى، بالتحاقى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حيث أننى كنت أعشق الكتابة منذ الصغر فهي كانت وسيلتي للتعبير عن ما يجول فى خاطرى ويجيش فى صدرى.
وقضيت الأربع سنوات أصارع بين مداومة الدراسة والعمل ورعاية أمى فى أيامها الأخيرة بجانب شقيقتيّ، حتى أنها فارقت الحياة فى عامى الدراسى الثاني، ثم رعاية أبى الذى تدهورت حالته الصحية بعد رحيل أمى، ليلحق بها فى السماء، وحتى هذه الفترة كنت قد عملت لسنوات فى أعمال السكرتارية فى مكان كان يقدرنى ويحبنى فيه الجميع وبالأخص صاحب الشركة الذى صبُر عليَّ كثيرًا وتحمل ظروفى الخاصة وغيابى من العمل أيامًا طويلة، إما فى فترة الامتحانات أو لظروف مرض والدايّ وإصراره إلا يٌنتقص أبدًا شيئا من راتبى طوال أعوام عملى معه، وخلال سنواتى الأربعة التى كنت أدرس فيها فى كلية الإعلام كنت أتلقى عروضًا للتدرب فى العديد من الصحف لكنى كنت أرفض لاحتياجى لراتبى الشهرى الذى كان يضمن لى دفع مصروفات الكلية السنوية وتحمل أعباء الدراسة والتكفل بمصاريفى الخاصة.
وجاء وقت وجدت نفسى أعيش وحدى فى المنزل، فقد كنت فقدت أمى وأبى وكانت شقيقتيّ قد تزوجتا، فقررت أن أترك عملى برغم من تمسكهم بى، لدخول عالم الصحافة الذي طالما حلمت به طوال سنوات الدراسة.
وبدأت عملى الصحفى للمرة الأولى فى جريدة البوابة التي تدربت بها نحو 6 أشهر ثم انتقلتُ للعمل بجريدة الدستور كمحررة في قسم الشئون القبطية فى نوفمبر 2017، وفى نفس الشهر وقبل أيام من استلامي العمل بالدستور، كانت وسائل الإعلام تتحدث عن ذلك الشاب العبقرى الذى قهر المستحيل، الذي طل علينا من نافذة الإعلامية منى الشاذلى فى برنامجها "معكم" الذي يذاع على قناة cbc.
وبالمصادفة أخبرتني إحدى الصديقات عن تلك الحلقة التي لم أكن قد شاهدتها بعد، وأوصتنى أن أشاهدها. ولأننى أعشق قصص النجاح الممزوجة بالكفاح والإرادة والقوة، جذبنى "مينا" كصحفية، بتفوقه العلمي الفريد من نوعه كنموذج يحتذى به، وكقدوة مفقودة للشباب، خاصةً أننى رأيت فيه تجسيدًا لإيمانى العميق في الحياة أنه لا يوجد شيء مستحيل فى الدنيا، فالله خلقنا قادرين على فعل كل شيء وأى شيء أن أمنا به وبقدراتنا التي وهبنا إياها.
فوجدتُ نفسى أقرأ بشغف عن مينا وعن كل ما كتب عنه، فهو من مواليد يونيو عام 1986 بالمنصورة، منذ طفولته كان متفوقًا فى جميع المراحل الدراسية حتى حصل على 100% في الثانوية العامة بالمستوى الرفيع، وبالرغم من ضعف بصره بالتدريج مضى فى الحياة بشكل طبيعى للغاية وبكل بهجة وسرور بتشجيع هائل من أسرته، وأصدقائه ومدرسيه، حتى أنه قرر الالتحاق بكلية الهندسة جامعة المنصورة كى يحقق حلمه فى أن يكون مهندسًا معماريًا كوالده الذي يعتبره مثله الأعلى فى الحياة.
وتعجبتٌ كثيرًا لكوّن ظروف مينا وتحدياته وهى بالقطع أصعب من كثيرين ممن حولنا، لم تعقه يومًا أو حتى تعطله من استكمال مسيرته. تخرج في الكلية بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف فى عام 2008، وعيَّن معيدًا بجامعة المنصورة، وكان محبوبًا جدًا من أساتذته وزملائه وطلابه. وسعى مينا للمشاركة فى المحافل العلمية الدولية واستطاع أن يحصل على عدة منح بحثية مكنته من السفر إلى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية لفترات متفاوتة وصلت إلى ثلاثة أشهر، حتى حصل على درجة الماجستير فى الهندسة المعمارية في عام 2013، وفى ذات العام حصل على منحة لدراسة الدكتوراه في جامعة براون شفايج بألمانيا من أحد أهم مراكز التميّز العالمية المتخصصة فى إدارة المياه المستدامة، وتم اختياره للحصول على هذه المنحة من بين العديد من المتقدمين التابعين لـ35 جامعة شريكة بالمشروع. وبالرغم من أن مدة الدراسة بألمانيا كانت 3 سنوات فقط، استطاع مينا مناقشة رسالة الدكتوراه فى الوقت المحدد له فى عام 2017 بنجاح شهد له الجميع، فحصل على تقدير جيد جدًا على الرسالة، وامتياز على المناقشة.
ومن هنا سعيّت أن أكتب عن هذه الشخصية الفريدة وأن أتواصل معه لإجراء حوار صحفى، لكنى فوجئتٌ به يعتذر لى لشدة انشغاله بنشر رسالة الدكتوراه الخاصة به فى إحدى كبريات دور النشر العلمى العالمية، وهى Springer Nature.
لا أنكر أن رده صدمنى فكنت أتمنى أن أكتب عنه بطريقتى الخاصة التى تختلف عن كل ما كٌتب عنه، فكنت أريد عن أكتب عن مينا الإنسان الناجح، الذى لا يصح أن تذكر معه كلمة "الإعاقة" بأى شكل من الأشكال، حيث أن الإعاقة هى الأمر الذى يعيق الإنسان عن فعل الأشياء، أما مينا فقد صنع كل شيء ولم تعيقه أى ظروف عن تحقيق حلمه، ووسط صدمتى هذه فاجأني بدعوته أن نكون أصدقاءً، فارتبكت ولم أرد عليه، لأنه لم يكن فى ذهنى وأنا أٌحادثه غير العمل فقط.
ومرت أشهر، وحادثته مرةً أخرى لأسأله عن فعالية كان قد أعلن عن مشاركته بها عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، لكنه بعد الرجوع إلى منظمي الفعالية عاد ليعتذر لى عن عدم الإدلاء بأيّة تفاصيل، وعاد أيضا ليطلب نفس ذات الطلب بأن نصير أصدقاء، لكننى لم أرد عليه هذه المرة أيضًا.
ومرت شهور أخرى وقد كنتٌ فى حالة انشغال كامل بالعمل، فهو كان سبيلى الوحيد للتغلب على معاناة الوحدة، خاصةً أننى كنتٌ قد ظننتٌ أننى لن أرتبط أبدًا فى هذه الدنيا التى لم أجد فيها الحب بمفهومه الذي كنت أؤمن به وأبحث عنه، فكنتٌ أرفض أن أتزوج بالشكل التقليدي دون حب حقيقى. وكان كل من حولى يلومنى لرفض الزواج خاصةً لظروف مكوثي وحدى بالمنزل، وفى هذه الفترة بعينها، إذ بى أجد وسط عشرات رسائل المعايدة، بعيد السيدة العذراء مريم فى 22 أغسطس 2018، رسالة صوتية خاصة من مينا، لم ألحظها إلا بعد إرسالها بيومين، تحمل كم غير عادى من البهجة والفرح، وتعبر بصدق واحترام هائل عن إعجابه بكتاباتى ومنشوراتى وبالأخص الإيجابية التي شعر بها واستمدها منى، وتعجبت جدًا لهذه الكلمات، لأننى لم أكن أشعر تلك الفترة بإجابيّتى وتفاعلي مع الناس.
فقٌمت بالرد عليه، لأشكره على كلماته الرقيقة ولكن بلغة تحمل بوضوح مشاعر الحزن التى كنت أمر بها تلك الفترة، فقلت له، تعليقًا على كلمة إيجابية: "شكرًا لكل كلمة قولتها مع إنى مش حاسة إنى إيجابية الفترة دى لأنى نفسيًا مش أوى". فرد عليه قائلًا: "نفسيًا مش أوى؟! لأ ده كدة لازم نتكلم، وبهذه الكلمات اصطحبني معه في رحلة عجيبة عبرتٌ بها فوق الواقع إلى مساحات أرحب وآفاق أوسع من الخيال. اتفقنا أن نتحدث هاتفيًا أخر النهار الذى أصبح موعدًا ثابتًا للقاء فى الأيام والشهور اللاحقة.
كانت المكالمة الأولى عجيبة واستثنائية فى بساطتها وتدفق الكلمات بيننا، فوجدته يطلب منى أن أروى له قصتي منذ يومى الأول في الحياة إلى يومها، وكان منصتًا إلى حديثى بشغف لا مثيل له، دون مقاطعة وبكل سرور، وفوجئت بتعليقاته المملوءة انبهارًا وفخرًا بكل خطواتى فى الحياة، كما أنه فتح هو الآخر قلبه لى وروى قصته كاملة من زاوية مختلفة تمامًا عن ما تداولته وسائل الإعلام عنه، وإذ بى أشعر وكأنه شخصًا قريبًا منى للغاية وكأنه أحد أقرب أصدقائى الذى سافر لفترةٍ ما وعاد مرة أخرى.
وتوالت المكالمات والأحاديث الطويلة التي لم نكن نشبع منها كلانا ونتفاجأ معًا بمرور الوقت دون أن نشعر به، ووجدت نفسى أمام شخصاٍ حلمت به لسنوات طويلة وكنت أؤمن بوجوده فى الحياة، بل وأنه يبحث عنى مثلما أبحث عنه، وتذكرت وٌريّقة صغيرة كتبتٌ عليها منذ سنوات هذه السطور: "إنسانٌ ما فى مكانًا ما، يبحث عني ويشتاق لرؤيتى هناك.. يشبه ملامحى ويكمل نصفى ويهوى ما أهواه.. يشتاق لسماع صوتي ويحلم أن يرانى يومًا ما.. يحب هواياتى وتعجبه ابتساماتى وقلبى سيكون كنزًا يمتلك إياه". فوجدتنى أمام هذا الشخص الذي كنتٌ أصفه وأتحدث عنه بتفاصيله.
ولكن حتى هذه اللحظة لم يعبِّر أحدنا عما داخله وعن حقيقة ما يشعر به، ربما لأن مشاعرنا لم يكن لها تفسير واضح حينها وكأننا كنا نسبح فى عالم أخر بعيدًا عن ذاك الذى نعيش فيه. وظل الأمر هكذا حتى فوجئت به وقد استفزته كلمة كنت قد قولتها بشكل عفوى للغاية: "شكرًا أن فى ناس حلوة كدة زيك فى حياتنا"، فرد عليه متعجبًا: "ناس؟! وحياتنا؟!".
واستكمل مينا: "أنا إتعودت لما يكون فى قلبى كلام مهم مقولهوش إلا وجهًا لوجه"، وحدد لى موعدًا لأن نلتقى بعدها بيومين، وطلب مني أن أشارك معه موقعى بالعمل، "اللوكيشن" من خلال تطبيق واتساب، فجاء إليِّ بالسيارة التى اصطحبته من المنزل إليّ، وأخذنى لمكان ساحر على ضفاف النيل.
وكانت تلك المرة الأولى التي نلتقى فيها سويًا، وكانت اللمسة الأولى تلقائية للغاية، فوجدت يدى تمسك بيده ووجدت عيناى تبصر له، وكأننا اتحدنا فى كيانًا واحد دون أن نشعر، فظللت أصف له كل ما حولنا من جمال المكان بدقة، وأٌصِر أن يمسك بيديه الأشياء بنفسه ليشعر بمدى جمالها، وحينما وصلنا إلى المكان الذي اخترنا أن نجلس فيه، قال لى: "لقد وصفتِ لى كل ما حولنا، ولكن يبقى أهم شيء: أنتِ"، فوصفت له ما أرتديه من فستان أسود اللون منقوشًا عليه بعض الزهور ذات الألوان المختلفة. وكان يحمل معه شنطة كبيرة الحجم وكان الفضول يساورني منذ اللحظة الأولى عما تحويه داخلها. ففوجئتٌ إذ به يٌخرج منها كشافًا كهربائيًا كبيرًا، ومعه بعض الميداليات التذكارية لأماكن قد زارها طوال فترة حديثًا معًا تليفونيًا، فتذكرت إننى كنت قد حكيتٌ له أن من أصعب المواقف التى مررت بها فى وحدتى، أنه حينما انقطع التيار الكهربائي عن المنزل وأضأت شمعة لتنير لى الظلام، وغفلتٌ بجوارها، أستيقظتٌ على النيران ممسكة بالمكتبة الخشبية وكادت أن تحرق المنزل لولا ستر الله.
قال لى بكلمات كانت تخرج من قلبه مباشرةً: "أتمنى أن تكونى هديتى فى الحياة، أنا لم أرى إنسانًا مثلك يشع منه هذا النور. وأنا أعلم أنه أن كنتى نصيبى فى الحياة سأكون لكى الأب والأم والأخ والصديق قبل الحبيب والزوج"، فابتسمت ووجدت الكلمات تخرج من فمي بتلقائية قائلةً: "كنت أشعر أنك ستفاتحنى فى هذا الموضوع وكنت أظن أنني سأطلب مهلة للتفكير، ولكنى لا أعلم كيف أقول لك بكل بساطة أنا موافقة".
وفى لقاءنا الثالث، فوجئت به ممسكًا بـ"فاظ صغير به وردة كبيرة حمراء اللون"، أهداني إياها وهو يقول لى: "حانت اللحظة أن أقول لكى كلمة لم تنطقها شفتايّ يومًا من قبل وهى: بحبك!".
هنا صمت فمي وعجز لسانى عن التعبير، ولكن عينايّ سرعان ما ردت على تلك المشاعر والكلمات بدموع الفرح.
وتوالت اللقاءات وتعرفت الأسرتان على بعضهم البعض فى جو يملأه الحب والفرحة الغامرة، وكأن حبنا تسلل لقلوب كل من حولنا، فصار والد ووالدة وأخو مينا أبًا وأمًا وأخًا لى، كما صار هو أخًا لشقيقتي وزوجيّهما، الذين أحبوه وأحبهم جدًا.
وكنتٌ فى كل مرة ألتقي فيها مع مينا أؤمن تمامًا أنه يرانى كما أراه، وحتى وإن كان الجميع قد أبصرونى، فهو الوحيد الذى دخل لأعماقي ورآني كما أنا بحقيقتي.
وتمت خطبتنا التي وإن كانت قد دامت لشهور إلا أنها غمرتنا بالكثير من البهجة والفرح، واحتوت أيضًا على خبرات وتجارب كثيرة تعادل فى عمقها سنوات عديدة، اختبرنا خلالها صدق مشاعرنا وحقيقة حبنا، فالحب يبقى كلمة حتى يتحوّل إلى أفعال وحياة تٌظهِر حقيقته ومعدنه الأصيل، فقد تعرضتٌ لأزمة صحية مفاجئة استمرت لبضعة شهور، وجدتٌ فيها مينا بحق الرجل المسئول الذى يدبر ويخطط بدقة ووعيّ لكافة تفاصيل رحلة العلاج، وأيضًا القلب الحنون الذى يخفف الألم ويكون السند والدعم ومصدر القوة لى.
فكان الأطباء ينبهرون بقدرة مينا على مناقشة كافة التفاصيل الطبية الدقيقة وكان البعض يظن أنه قد درس الطب، وكان دومًا يملأه الإيمان أن هذه الفترة ستعبر سريعًا وأننا بالرغم من غموض الحالة فى أول الأمر لا بد أن نثق فى قدرة الله وحكمته.
وهذا ما أظهرته الأيام لاحقًا، فلم يشغل مينا ما أمر به من تعب، عن ترتيب المفاجآت لى يومًا بعد يوم، فكان يصحبنى لتناول أشهى المأكولات التى أحبها فى أفضل المطاعم، ونتنزه في أجمل أماكن القاهرة بحسب استطاعته، وأهدانى العديد من الهدايا التى تعبر عن حبه واهتمامه بأصغر التفاصيل الحياتية.
وذات يومًا فاجأنى بالسفر إلى الإسكندرية وقضينا يومًا لن ننساه أبدًا، وفى عيد الحب فوجئت به يهدينى تذكرتين لحضور حفل عمر خيرت بدار الأوبرا المصرية وهو كان حلمى الأكبر على الإطلاق.
وكان دومًا يقول لى: "إننى وش الخير عليه"، وأنه من يوم التقيّنا والله يرزقه بنجاحات عديدة فى عمله، وكنا طوال الوقت ندعم بعضنا البعض فى العمل.
وفى كل يوم كنتٌ أكتشف شيئًا جديدًا فى شخصية مينا، فبجانب كونه مهندسًا معماريًا وأستاذًا جامعيًا هو شاعر ومصوّر محترف، حتى أن كل صورنا هو من يلتقطها "سِلفى".
وعقب إجرائى عملية جراحية استكشافية لمعرفة طبيعة الحالة، وقبل ظهور النتيجة التى طمأنتنا بفضل الله، فجأنى مينا برغبته بتعجيل ميعاد الفرح، الأمر الذي أسعدني أنا وكل من حولنا.
وقررنا أنا وهو إلا نقوم بعمل حفل زفاف تقليدي في أحد الفنادق، بل أن نضع تلك المصروفات فى قضاء شهر عسل لا ينسى فى أجمل شواطئ البحر الأحمر.
ولكن كانت المفاجأة الكبرى فى ليلة الزفاف، فبعد إتمام عقد القران وصلاة الإكليل بالكنيسة، والتوجه لتلقى السلامات كالمعتاد فى كل الأفراح، وجدت مينا يقول لى "استعدى للمفاجأة"، وفور خروجنا من الكنيسة إذ به يأخذنى إلى ركن به منضدة موضوعًا عليها تورتة الفرح خمسة أدوار، وحولها فرقة موسيقية تعزف مقطوعات من الموسيقى التي يعلم مينا مدى حبى لها لـ"عمر خيرت وفيروز"، وإذ به يمسك بالميكروفون ويشكر جميع الحضور على مشاركتهم لنا ليلة عمرنا، ثم ينظر إليّ بنظراته الدافئة ليلقى أعذب أشعاره التى كتبها خصيصًا من أجلى: "فقط اليومَ عرفتٌ الحب.. فقط اليومَ ابتسمَ القلب.. اليوم أشكرك إلهى إنى لن أر الدنيا إلا فى عيّنيّها.. اليوم أشكرك إلهى إنى سأسيرٌ العمرَ بين يديّها".
وأيضًا: "يا لؤلؤة ربى حفظها لى أنا.. ليوم لٌقا أعرف فيه معنى الهنا.. يا نجمة عالية طلَّة ليَّ من السما.. ماكنتش أحلم تيجى فى حضنى تترمى.. قابلتها إللى قالتلى يا أحلى مينا أرسى عليها.. الحياة فى حضن قلبك هتحليها".
ومن هذه الليلة ولدتٌ من جديد وبدأت رحلة العمر مع الحبيب الذى أهدانى الله إياه، وطالما حلمت به وآمنت أنه سيأتيني يومًا ما.