رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معايشة لـ«الدستور» داخل مراكز الكشف عن ضعاف السمع قبل بدء مبادرة الصحة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مضى ما يقرب من ثلاثة أعوام، على ولادة «نهى»، طفلة تقطن في الدقهلية، لكنها لم تتحدث ولو بالقليل مثلما يفعل الأطفال في سنها ولا تنتبه أيضًا لمن ينادي عليها، عللت الأم في البداية ما حدث لصغر سنها، إلا أن السنوات كانت تمر دون جديد لديها.

بدأت الأم تلاحظ هذا الاختلاف في ابنتها، وعدم استجابتها لمن يناديها أو التحدث بشكل طبيعي مثل الأطفال في سنها، فقررت إرسالها إلى أخصائي تخاطب كما نصحتها إحدى جيرانها، ولكن الأخصائي طلب منها الذهاب إلى الطبيب للكشف عن قدرات ابنتها السماعية.

وعند الطبيب فوجئت بأن ابنتها ولدت بعيب خلقي في أذنها وجهاز النطق لديها، وستظل باقي عمرها من الصم والبكم، بحسب ما أخبرها الطبيب، الذي أكد أن الصمم لا علاج له سوى بعض الأجهزة التي تساعد على السمع ولو قليل.

نهى، ليست الطفلة الوحيدة التي ولدت مصابة بالصمم والبَكم، فبحسب إحصاء صدر من منظمة الأمم المتحدة وصل عدد الصم والبكم في مصر إلى 7.5 مليون نسمة، وإزاء ذلك سعت الحكومة إلى حل المشكله من جذورها، وأطلقت المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن ضعاف السمع بين المواليد الجدد.

«الدستور» عايشت في جولة ميدانية استعدادات المراكز الطبية، لاستقبال الحالات المصابة وتواصلت مع بعض الحالات التي تضررت لعدم خضوع أطفالها "حديثي الولادة"، للكشف المبكر عليهم؛ ما تسبب في مضاعفات خطيرة أدت إلى فقدانهم السمع نهائيًا، رغم أنه كان الممكن علاجهم إذا تم اكتشاف حالتهم مبكرًا.

"هويدا" والدة الطفلة «نهى»، ٤٥ عامًا من محافظة الدقهلية، تعمل في إحدى المصانع بنظام اليومية، وبلغت ابنتها حاليًا سن الـ25 عامًا، إلا أنها وقتها لم تكتشف حالتها إلا بعد ثلاثة أعوام من ولادتها.


تضيف: «طبيعة عملنا أنا ووالدها تجعلنا غير قادرين على التركيز معها في مراحل نموها المختلفة، ولم يكن لدى العائلة أي شخص يعاني من ضعف السمع لذا فوجئت عندما قال لي الطبيب بمشكلتها».

وتابعت: «حسب كلام الطبيب فهي مولوده بعيب خلقي، كان من الممكن علاجه فور ولادتها، وكلما زاد عمرها قلت فرصتها في الشفاء، ما أصابها بصمم كامل جعلها تصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون طوال الوقت من تنمر الأخرين عليهم خصوصًا في الأرياف التي نعيش بها».

وحسب إحصائية صادرة عن وزارة الصحة هناك نحو 2.6 مليون طفل يعانون من فقدان السمع، كما أن فقدان السمع أصبح رابع مسبب للإعاقة عالميًا.

وتابعت هويدا: «بعد ولادة ابني الثاني كان عليّ الاهتمام به أكثر، حتي لا يعيش ما عاشته أخته الكبرى، وخضع بالفعل إلى كشف مبكر للسمع، والذي أظهر حدوث عدوى فيروسية وهو مازال جنينًا أثر على سمعه، ولكن كان الممكن أن نقوم بزرع قوقعه له لعلاج هذه المشكلة، وهو ماحدث بالفعل وعالجنا الأزمة في بدايتها».

هويدا قالت، أن الأمهات لابد أن يكن أكثر اهتمامًا بأطفالهن ومتابعة نشاطهم وسلوكهم فترة النمو خصوصًا في السنوات الأولى، موضحة أن الحملة الحالية التي أطلقتها وزارة الصحة للكشف المبكر عن ضعاف السمع ستساعد الكثير من الأسر في علاج أبنائهم قبل فوات الأوان.

تروي غادة مصطفى، أحد أمهات أطفال الصمم، أنه قبل بلوغ ابنها "عمرو" الثالثة، انتظرت طويلًا أن يبدء في لفظ أول كلماته كأقرانه، حتى والده تأزم كثيرًا، وحينما حان موعد أجازته عاد إلى مصر من دبي متلهفًا أن ينادي عليه إبنه لأول مرة إلا أن ذلك لم يحدث، الأمر الذي جعلهما يترددان على عيادات التخاطب للبحث وراء الأزمة.

أشار أخصائي التخاطب الذين لجأوا إليه، عليهم بضرورة الفحص لدى طبيب أنف وأذن، خاصة أن "عمرو" لديه قدرات كلامية، أو استجاب لبعض التمارين العصبية التي يخضع فيها لجلسات كهرومغناطيسية تحرك المراكز العصبية.

وبالفعل استجابت "غادة" لمشورته بحثًا عن أمل في تحسن حالة ابنها، ورجح الطبيب في البداية أن تأخر سمعه للكلمات ناتج عن تجمع مياه حول طبلة الأذن أثناء تكونه في الرحم، وهذا يحدث لدى عدد كبير من الأطفال.

بعد خضوع "عمرو" لأشعة الرنين المغناطيسي، اكتشفوا مشكلة بالقوقعة بالأذن الداخلية، ولتجاوز عمره السنتين أصبح مستحيل إخضاعه لعملية زراعة قوقعة ناجحة، لذا أصبح الحل الوحيد أمامهم هو تركيب جهاز مساعدة سمعية والتي تتمثل في سماعة خارجية، وجهاز زياد نبضات عصبية، لتحسن السمع والنطق.

أكثر ما ألم "غادة" هو إجماع الأطباء والاستشاريين كافة ، أنه لو تم اكتشاف العيب مبكرًا عن طريق المسح السمعي كانوا سيستطيعون مساعدته، بدلًا من عيش حياته كلها بمساعدة سماعة تعينه على السمع.

ا"لدستور" قامت بجولة ميدانية على بعض المراكز والوحدات الصحية، التي أعلنت وزارة الصحة في بيان رسمي لها أنها ستسقبل الأطفال حديثي الولادة وحتى عمر ٢٨ يوم للكشف المبكر عليهم من الصمم.

في المركز أبو طبل الطبي بمنطقة عابدين، قال "سعد مرشد"، الطبيب المسئول عن المركز أن المبادرة تم تأجيلها إلى بدايه شهر أكتوبر، كب تتزامن مع مبادرة صحة الأسرة للكشف المبكر عن سرطان الثدي.

وأضاف أن المركز لديه كل الاستعدادات لتنفيذ حملة الكشف عن السمع بمجرد إعلان الوزارة تنفيذها، موضحاً أن الوزارة وقت تنفيذ الحملات ترسل فرقًا طبية كاملة بأجهزتها المتخصصة للتعاون مع الممرضين والأطباء العاملين في المركز، لتقدم الحملة خدمة متميزة للمواطنين وفي أسرع وقت.

وأشار إلى أن الوزارة خططت للحملة منذ عدة أشهر، وأرسلت إليهم منشورًا بها، والآن هم في انتظار موعد التنفيذ، وتلزم المبادرة الرئاسية، أولياء الأمور، بالكشف عن ضعف السمع، وإلزام الأطفال على إجراء مقياس السمع بعد الميلاد مباشرة.

وتشمل التوعية الإعلامية والتثقيفية للأسر؛ للاكتشاف المبكر للطفل المصاب بضعف السمع، مع قياس درجات السمع المواليد؛ لتحديد احتياجهم إلى علاج أو زرع قوقعة في السن المناسب من عدمه.

وفي مركز عابدين الطبي، كان لـ"الدستور"، لقاء آخر مع "سعاد" إحدى الممرضات هناك، وقالت أنه بمجرد تنفيذ الحملة ستجدون هذا المكتب ممتلأ لآخره؛ لأن سكان هذه المنطقة يتجاوبون مع كل الحملات التي تطلقها وزارة الصحة، لكننا الآن في إنتظار إعلان الوزارة بدأ الحملة.

وتابعت، أن حملة الكشف المبكر عن السمع لدى حديثي الولادة، ستمكن الأهالي من التعرف على المشكلات التي تواجه أطفالهم سريعًا وبالتالي حلها، وفي المستشفى المركزي بمدينة "قويسنا" التابعة لمحافظة المنوفية، بدأت الاستعدادات لاستقبال الحملة.

تذكر "انتصار عبد الحميد" أن المستشفى، شرعت في صيانة أجهزة الرنين، والآشعة لاستقبال المترددين على الحملة من الرضع، كما أنهم افرغوا عدد من الحجرات لانتظار الأمهات بصحبة أطفالهنـ
وككل الوحدات والمستشفيات الطبية انتظرت بداية الحملة في أول سبتمبر، لكنهم فوجؤا بإرجائها حتى بداية أكتوبر المقبل على الأرجح.

وتشمل المبادرة جميع أنحاء الجمهورية في وحدات الرعاية الأولية، والمسح إلزامي على المواليد ويتم وضع نتيجة المسح مع التطعيمات على شهادة ميلاد الطفل حديث الولادة حين اصدارها.