رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حافة الموت.. «الدستور» تتبع أباطرة إخفاء أدوية السرطان في مصر

جريدة الدستور


أكثر من 115 ألف حالة إصابة جديدة بالسرطان سنويًا في مصر، بمعدل 13 حالة جديدة كل ساعة وفقًا للإحصاءات الرسمية، بيد أن إصابتهم بالسرطان ليس الأزمة أو المعاناة الوحيدة التي يواجهونها، لكون أباطرة السوق السوداء استغلوا وجود نقص شديد في عدد من الأنواع المستخدمة في علاج السرطان.

هؤلاء الأباطرة، تداولوا تلك الأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في غياب رقابة وزارة الصحة كنوع من الاحتكار والاستغلال، وعبر أرقام تجدها مخططة على حوائط الشوارع تحت جملة "نشتري جميع الأدوية الزائدة عن الحاجة"، دون رقابة على تلك الأنواع المعلن عنها.

وفي المقابل، لا تعلن وزارة الصحة أرقام صريحة عن نواقص السرطان في الأسواق، وتصبح النتيجة أن يظل المريض حائرًا بين طرق إحضار تلك الأدوية، فإذا كان غير تابع للتأمين الصحي له أن يقوم بعمل قرار على نفقة الدولة، إلا أن هذا أيضًا يلق عذابًا فيه أيضًا؛ بسبب تأخر استصدار القرارات وكثرة الأوراق والإجراءات المطلوبة من المريض لاستخرج هذا القرار.

"الدستور" التقت عددًا من مرضى السرطان الذين يعانون من نقص أدويتهم في الأسواق المصرية، فلم يجدوا أمامهم سوى السوق السوداء لشراء تلك الأدوية، أو اللجوء إلى توصية أحد الأصدقاء لشرائه من خارج مصر وإرسالها له إذا كانت لديه الإمكانية لذلك، ورغم أنه في كثير من الأحيان يكون هذا الخيار صعبًا.




سالم علي، 30 عامًا، أحد مرضى سرطان الغدة الدرقية، يقطن بمحافظة الأسكندرية، يقول إن طلب أدوية السرطان حاليًا أصبح صعبًا، موضحًا رحلة البحث عن دوائه التي تبدأ من الصيدليات الكبرى، أو من خلال اللجوء للسوق السوداء وهذا الحل متوفر للميسور ماديًا.

يضيف: "أما غير ذلك فلن يقدر على أسعارهم وسط فكرة قلة الصيدليات التي تعمل في مجال الأورام، وفي الأغلب تكون السلاسل الكبرى، وربما يكون الموضوع هينًا في محافظتنا على عكس في محافظات الدلتا والوجه القبلي وحتى البحر الأحمر".

وعن الأسعار، أوضح أن دواء "الالتروكسين" المصري وثمنه 55 جنيهًا، يختفي من السوق فجأة ولا بديل له سوى المستورد وثمنه 300 جنيهًا، بالتالي يضطر لشراء المستورد حين يختفي المصري، وهذا أمر كارثي.

يكمل: "لأن في ناس بتبقى الجرعة بتاعتهم 6 حبايات في اليوم"، مشيرًا إلى أن الطرق الأخرى التي يسلكوها هي مجموعات "فيس بوك"، والتي يقول عنها: "في ناس لما بنشرحلهم الموضوع إنه خيرى بيوفرولنا علبة أو اتنين مجانًا أو بالسعر الرسمي، واحنا بنوصلها للمريض بس كل دا مجهود فردي مش منظم".




وأوضح أن الأشخاص المتبرعين بالأدوية إما يكونون صيادلة أو مندوبي الأدوية، مستنكرًا عدم توفر الأدوية التي تنقذ أرواحهم وذلك رغم سعرها المنخفض، وحتى الأغلى منها أيضًا شحيحة وليس لها بديل، مبينًا أن هناك نوع جديد من علاجات السرطان ويسمى "العلاج الموجه" رغم ارتفاع سعره إلا إنه يعد بديلًا لاختفاء الأدوية.

السوق السوداء لأدوية السرطان سهل العثور عليها، لاسيما على موقع "فيس بوك"، والذي يحوي بداخله عالم من تجارة الأدوية الناقصة في الأسواق، أغلب تلك الصفحات والمجموعات تستغل هذه الأزمة لصالحها فيبدأ في بيعها بأسعار مضاعفة.


وتواصلنا مع أحدها للسؤال عن "الاندوكسان" المستخدم في علاج اللوكيميا (سرطان الدم)، فكانت الإجابة علينا بـ: "أنا عندي 18 علبة من الإندوكسان 200مم والعلبة بـ65 جنيه" وبسؤاله عما إذا كان صيدليًا ليوفر تلك الكمية، أجاب: "18 علبة مش كمية كبيرة.. وهسألك ناس عشان اجيبلك تاني"، مرسلًا إليها صورة للعلب بتاريخ صلاحيتهم للتأكد أنها غير مضروبة.

نفس المعاناة تلقاها "دنيا عمار"، فتاة عشرينية، وإحدى مصابات سرطان الدم، تقول إنها تأخذ دواء "نولفادكس 10 مم" كل علبة بها 30 حبة موزعة على 3 شرائط أدوية، وأنها غير موجود بالأسواق رغم أنه لا يتعدى 35 جنيهًا، ما يضطرها للبحث في كل الصيدليات الكبرى والصغرى.

وسردت "عمار" رحلة البحث عنه فتقول: "سافرت الأسكندرية وروحت صيدلية قالولي عليها في مكان اسمه الكيلو ٤ ونص عزبة الهجانة وملقتش، مكنش موجود ولا حتى في المعاهد"، في نفس الوقت لا تستطيع الفتاه إيقافه.

وأكدت أن أدوية كثيرة مختفية من الأسواق سواء محلي أو مستورد، وحتى إذا توفر المحلي تظهر على المريض أعراضه الجانبية، موضحة أن المادة الفعالة بها مختلفة، أنها اضطرت للاعتماد على أصدقائها القادمين من الدول العربية.

مها أحمد، 41 عامًا، إحدى المصابات بسرطان الثدي، تعمل مترجمة حرة بالقاهرة، تؤكد أن هناك أدوية كثيرة لا يتمكن المرضى من شرائها لتكلفتها المرتفعة، أيضًا عدم توفرها على قرارات نفقة الدولة، موضحة أن معهد الأورام وضع نظامًا للمرضى بأن يكون لكل مجموعة يوم محدد في اليوم، بحيث يتم تقسيم عدد المرضى على الأسبوع لتلقيل الزحام.

ويعاني المرضى من هذا النقص رغم نص الدستور في مادته رقم (18): "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض".

وأما وزارة الصحة حين طلبنا الرد على أزمة نواقص الأدوية كان الرد بالنفي، فلا توجد أزمة في أدوية السرطان، وكل مريض ليس له تأمين صحي له الحق في الحصول على قرار نفقة الدولة طالما أجمعت اللجنة الثلاثية بالمجالس الطبية على أنه مريض يستحق العلاج.

حسب أحدث إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية عام 2016: مصر تحتل المرتبة الثالثة بين الدول العربية في الإصابة بالسرطان، وبلغت نسبته 152 لكل 100 ألف شخص، ويحتل سرطان الرئة المرتبة الأولى بـ1.824.701 مصاب عالميًا، ثم سرطان الثدي بـ1.671.149 مصاب عالميًا.