رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صورة العذاب».. معاناة ذوي إعاقة لعدم تأهيل أجهزة الكشف الطبي

جريدة الدستور

يناير من العام 2018، أصيب محمد عثمان، 35 عامًا، بعجز في قدمه، عقب حادث سير على طريق صلاح سالم في منطقة مدينة نصر التابعة لمحافظة القاهرة، أدى إلى بتر القدم اليمنى بسبب تهتك العظام، ما جعله قعيد على كرسي متحرك لا يقوى على السير.

أحتاج الشاب بحسب ما نصحه الطبيب والتقارير الطبية، إلى جلسات علاج طبيعي، وبسبب ضيق اليد أراد أن يخضع لها في مستشفيات حكومية وعلى نفقة الدولة، إلا أن ذلك تطلب منه إجراء كشف طبي في الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة، لاستخراج تقرير طبي يثبت أنه من ذوي الإعاقة ويحدد نسبة إعاقته.

ذهب إلى وحدات التضامن في الحي السابع بمدينة نصر، داخل حرجة الكشف كان هناك أكثر من جهاز يختبر قدرته على الحركة، إلا أنه لم يستطع استعمال أيًا منهم، فالطبيب كان يأمره بصعود سلم خشبي حتى يرقد على سرير الكشف، دون مساعدة من الموظفين هناك، وعانا جسديًا لمدة نصف ساعة ولم يتسطع استكمال الكشف الطبي وذهب دون التقرير.

"محمد" هو واحد ضمن كثير من ذوي الإعاقة في مصر، يعانون في استخراج الكشوفات الطبية الخاصة بهم والتي تثبت إعاقتهم وأحقيتهم في التسهيلات التي توفرها الدولة لهم، بسب عدم تأهيل أجهزة الكشف الطبي بوحدات التضامن الاجتماعي، وعدم ملائمتها للإعاقات الحركية لهم، بحسب ضحايا ووقائع خاصة لـ"الدستور" وجولة وثقنا بها تلك المعاناة.

محمد: "لم استكمل الكشف الطبي بسبب صعوبة الأجهزة"
يقول محمد: "الأجهزة الخاصة بالكشف الكثير منها غير متوفر، والموجود لا يستطيع أي معاق استخدامها، بسب صعوبتها لأنها غير مؤهلة للكشف، كما أن الموظفين لا يقومون بمساعدة المعاق لإنجاز إجراءات الكشف، والمكان بأكمله غير مؤهل، للكشف على ذوي الإعاقة".

الشاب بحسب ما يقول ذاق ألوان من العذاب الجسدي خلال نصف ساعة من الكشف، فكان الموظف يطلب منه الجلوس على أجهزة لا تعمل، وأمره بالصعود على سلم خشبي للوصول إلى سرير الكشف، وحين فعل ذلك سقط بعد صعوده الدرجة الثانية من السلم.

"لم أكمل الكشف، فلم أجد أحد يساعدني ولا أجهزة مؤهلة، فالموجود يحتاج شخص سليم يتعامل معه وليس قعيد، بل على العكس زاد تعبي الجسدي أكثر بسبب سقوطي على الأرض أثناء الكشف"، يقولها محمد.

الإعاقة لديه تطورت أكثر بسبب عدم حصوله على الكشف الطبي، وبالتالي الخضوع لجلسات العلاج الطبيعي الحكومي، فبعدما كان يستطيع تحريك قدمه اليسرى، توقفت تمامًا، فضلًا عن نصحه الطبيب بالخضوع للعلاج المائي لتحريك العضلات أسفل الماء، إلا أنه غير متوافر في وحدات التضامن، فضلًا عن أن الخاص منه بمبالغ طائلة.

يختتم: "توقفت قدماي عن الحركة نهائيًا، بسبب عدم قدرتي على استكمال الكشف الطبي،والحصول على تقرير يحق ليّ بموجبه الخضوع لجلسات العلاج الطبيعي الحكومية، وأصبحت عاجز بسب أجهزة التضامن".




المجالس المتخصصة تتحول إلى صورة للعذاب
جولة مصورة قامت بها «معدة التحقيق»، داخل المجالس الطبية المتخصصة في الحي السادس بمنطقة مدينة نصر التابعة لمحافظة القاهرة، والتي يتم فيها كل الكشوفا الطبية الخاصة بذوي الإعاقة في مصر.
هي مبنى صغير مكون من دور أرضي واحد، يحوي ثلاث غرف منفصلة وذوي الإعاقة في كل مكان.
غرفتان للكشف الطبي تحوي اللجنة الطبية، وبعض كراسي الانتظار التي لم تكن تكفي المعاقين، فمنهم من جلس على الأرض وآخرون ظلوا واقفون على أقدامهم رغم إعاقتهم الحركية، وغرفة ثالثة خاصة بالموظفون الإداريون.

الكشف الطبي تقوم به لجنة من الأطباء والموظفين، فبعض الإعاقات الحركية يتم الكشف عليها بمجرد النظر، والبعض الآخر يتم يدويًا من قبل اللجنة، فلا يوجد أجهزة داخل حجرات الكشف تسهل الأمر على المعاقين بحسب شهادتهم الخاصة.

تقف «نور» 45 عامًا، زوجة يستند على عكاز في قدمه، بعدما أصيب في حادث بإعاقة مستمديمة فيها، يستند عليها حتى لا يسقط في انتظار دوره بالكشف الطبي، والذي يدخله المريض بمفرده ولا يرافقه أحد بحسب تعليمات اللجنة.

لا يوجد مكان يجلس عليه الرجل ذو الإعاقة، فالمقاعد الموجودة لا تكفي أعداد المرضى المتكدسة، وعن صعوبة اجراءات الكشف تقول الزوجة أن اللجنة تعامل المرضى معاملة عنيفة، فلا يوجد تقدير للإعاقة التي غالبًا ما تكون حركية.

«لا توجد أجهزة تسهل عملية الكشف الطبي عليهم، فاللجنة تقوم بشد وجذب المريض من يده أو قدمه إذا كانت الإعاقة فيهم للتأكد من إعاقته بالفعل»، تقولها السيدة موضحة أن الكشف لا يقوم بطريقة إنسانية، كما أنه يمنع دخول ذوي المعاق برفقته حتى يساعدونه في الاجراءات.

تضيف: «يمنعوننا من الدخول ويقومون هم بمعاملتهم بقسوة في الداخل، قمنا بذلك الكشف مرتين للحصول على سيارة لزوجي، وفي المرة الأولى لم يحتمل استكمال الكشف الطبي وخرج في منتصفه، والمرة الثانية أكمله ولكنه عاد منهك جسديًا إلى أبعد حد، بسبب أن الكشف يتم يدويًا على يد اللجنة المُشرفة».

المعاناة جماعية وليست فردية، فهناك «زينة» 40 عامًا، وزوجها المصاب بضمور في القدمين، والتي كانت تستند برفقته على حائط المبنى منتظرة دوره في دخول الكشف الطبي بالمجالس الطبية، لعدم وجود مكان للجلوس شاغر.

بضع دقائق مرت، حتى انهكهما الوقوف فجلسوا على الأرض سويًا، تقول السيدة أن زوجها أصيب في عملة بضمور في القدمين، بعدما سقط من الدور الرابع حيث يعمل عامل باليومية، ويريد الحصول على سيارة خاصة بالمعاقين.

توضح أنهم يعانون دومًا من الكشف الطبي هنا، لأنه يتم يدويًا بلا أجهزة، وغير مؤهل للتعامل مع المعاقين، وكثير منهم لا يستطيع استكمال الكشف الطبي، والبعض الآخر إن أكمله يعود منه منهك جسديًا لا يستطيع الحركة لعدة أيام.

تشير السيدة إلى أنه في بعض الحالات ترفض اللجنة الحالة وتطلب منها إعادة إجراء الكشف الطبي مرة أخرى بعد فترة، وهي صورة من العذاب يتذوقها ذوي الإعاقة مرتين.

حسن: "الموظفون يتعاملون بعنف.. والأجهزة صورة من العذاب"

الأمر كان أكثر صعوبة لدى "حسن سعيد"، 37 عامًا، مُصاب بشلل أطفال منذ صغره، وضمور في القدم تعيقه عن الحركة، متزوج ولديه 4 أطفال من محافظة الإسماعيلية، بمجرد ما سمع عن شقق الإسكان الاجتماعي، التي توفرها الدولة لذوي الإعاقة وتخصصها لهم، قام بتقديم أوراقه على الفور من أجل الحصول على شقة.

وقف أمامه عقبة واحدة وهي استخراج تقرير طبي يثبت أنه من ذوي الإعاقة، ومستحق لتخصيص تلك الشقة والذي يوضح فيه نسبة إعاقته أيضًا، توجه إلى وحدات التضامن الاجتماعي بمحافظته، يقول: "الموظفين يتعنتون ولا يقومون بمساعدة المعاقين والأجهزة غير مؤهلة، ولا توجد أجهزة أتوماتيكية تجعل المعاق يتحرك بسهولة.

"ألوان من العذاب أثناء الكشف ذقتها لم أنساها"، يقولها "حسن" مبينًا أن الموظفين أثناء الكشف يتعاملون بعنف مع المعاقين، ويمسكون أجزاء من جسدهم تألمهم بشدة، دون مراعاة مكان الإعاقة وشدة ألمها، إلا أنه تحمل من أجل استخراج التقرير الطبي الذي يثبت إعاقته.

يوضح أن الأمر لم يقف إلى ذلك الحد، بل تفاجىء بعد مشوار طويل من الكشوفات الطبية الصعبة، والاجراءات الروتينية التي أرهقته، أنه تم تخصيص وحدة له في الدور الخامس على يد موظف من وزارة التضامن يعلم جيد حجم إعاقته ونسبته بحسب التقارير الطبية.

قم شكوى في خدمة المواطنين بأنه يعاني من شلل وضمور إلا أنه لم يأت بنتيجة، وظلت شقته معلقة لا يستطيع العيش فيها، يقول: "لم أحصل على شيء، سوى العذاب الجسدي أثناء الكشف بسبب سوء الأجهزة والموظفين، ورغم ذلك لم استفد من الشقة لكونها بالدور الخامس".


17 مليون معاق في مصر
الأرقام الرسمية تقول أن مصر بها ما يقرب من 17 مليون معاق من ذوي الاحتياجات الخاصة، يشكلون نسبة10.67% من إجمالي عدد السكان، 53.9% منهمذكور، مقابل 46.1% إناث، وأكثر الإعاقات في مصر تتمثل في صعوبة المشي وصعود السلم أي الحركية تمثل نسبة 1.43%، بحسب آخر إحصاء صدر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2018.

وتزيد نسبتهم في الريف عن الحضر، فتمثل في الحضر 12.2% من العدد الإجمالى للسكان مقابل 9.71% بالريف، وعلى مستوى المحافظات، تحتل محافظة المنيا، المركز الأول، من حيث ارتفاع أعداد المعاقين بها من إجمالى عدد سكان المحافظة، إذ تبلغ نسبتهم المنيا 3.14%، تليها محافظة القاهرة بنسبة 3.05%، ثم محافظة أسيوط بـ 2.86%.


عذاب الكشف الطبي يحرم "محمود" من سيارة المعاقين
وُلد "محمود" 23 عامًا، من محافظة الأقصر، بضمور وقصور في الساق اليمني لأكثر من 8 سم، ذهب إلى القومسيون الطبي الخاص برخص السيارات في محافظته، لاستخراج رخصة سيارة من سيارات ذوي الإعاقة، تساعده على الحركة والتنقل بشكل أيسر.

طلب منه الموظف بضعة أوراق من ضمنها تقرير طبي يثبت إعاقته، كي تكون السيارة مجهزة طبيًا وليست سيارة عادية، فذهب إلى اللجان المتخصصة في القاهرة بمدينة نصر الحي السابع وفي كشف النظر كانت المعاملة إنسانية بحسب وصفه، إلا أن كشف العظام كان غير ذلك.

يقول: "أتى دور كشف العظام، ذقت فيه كل ألوان وأصناف العذاب والمرار من القائمين على ذلك الكشف، فهؤلاء ليسوا بملائكة الرحمة بل هم شياطين الجحيم، ولم يستغرق الكشف سوي خمسة دقائق بعد انتظار طال أكثر من 4 ساعات".

كانت النتيجة رغم ذلك العذاب مؤسفة بحسب وصفه، مضيفًا: "عجزي وإعاقتي هذه التي ترهقني كل يوم في المواصلات العامة، قالوا بأنها غير مؤثرة وقومسيون الأقصر يقول لابد أن تكون السيارة مجهزة طبيًا، وطالبوني بإعادة إجراء الكشف الطبي مرة ثانية بعد 6 أشهر".

لم يستطع الشاب تكرار تلك التجربة مرة أخرى، وتعريض جسده للعذاب لعد وجود أجهزة طبية صالحة للكشف، يقول: "عوملت معاملة ليست آدمية، وأرهقتني جسديًا ولم استطع تكرار الكشف، لذلك لم أحصل على السيارة وأعاني في المواصلات يوميًا".




القومي لشؤون الإعاقة: "سوء المعاملة وراد.. وهناك نظام جديد"
هبة هجرس، عضو المجلس القومي لشؤون الإعاقة، توضح أن طريقة الكشوفات الطبية التي تتم في المجالس الطبية المتخصصة سيتم إلغاؤها، مشيرة إلى أنه سيتم تطبيق الكشوفات الوظيفية وستكون بنظام مختلف عما عليه الآن.

طريقة الكشف الحالية تتم بوسائل بسيطة وتقليدية، بحسب هجرس، التي أوضحت أن الكشف الوطيفي الذي سيتم تطبيقه قريبًا، سيكون بأحدث الطرق التي وصلت إليه الكشوفات الطبية عالميًا، لإثبات حالة الإعاقة بشكل أسرع وأكثر سهولة.

وترى أن الكشف على ذوي الإعاقة يكون بالنظر أو يدويًا من قبل اللجنة ولكن بطرق لا بد أن تكون فنية حتى لا يتألم المعاق، مشيرة إلى أن سوء المعاملة والمعاناة خلال الكشف الطبي أمر وارد حدوثه بأن يكون هناك نماذج غير مهيئة للتعامل مع ذوي الإعاقة.