رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لا تخافوا».. «الدستور» داخل مركز علاج «إدمان السوشيال ميديا»

جريدة الدستور

قبل أيام قليلة، نشرت صحيفة «صن» البريطانية خبر انتحار فتاة، عمرها ١٥ عامًا، مشيرة إلى أنها «انتحرت بسبب ضعف تفاعل الجمهور معها على تطبيق (سناب شات)».

الفتاة تدعى روبى سيبل، وكانت تقضى نحو ٨ ساعات يوميًا على الإنترنت بعد عودتها من المدرسة، كتبت ليلة وفاتها منشورًا عبر حسابها على التطبيق قالت فيه: «قد أقتل نفسى هذا الصباح»، ولما لم تجد تفاعلًا من متابعيها قررت أن تنهى حياتها.

تكشف هذه الواقعة عما يمكن وصفه بـ«إدمان السوشيال ميديا» الذى تحول إلى خطر كبير يهدد فئات عريضة من المجتمع، لاسيما فئة المراهقين، هنا وفى الغرب، وهو ما انتبهت إليه بعض مراكز علاج الأمراض النفسية والعصبية، فعمدت إلى إدخال وحدات طبية لعلاج «إدمان التواصل الاجتماعى»، باستخدام أساليب جديدة تناسب المرض الجديد.

«الدستور» تواصلت مع عدد من الأشخاص المتعافين من «إدمان السوشيال ميديا»، لرصد رحلتهم مع المرض، وتأثيره على حياتهم وأعراضه، كما أجرت جولة مصورة داخل بعض عيادات علاج «الإدمان الجديد»، للتعرف أكثر على طرق العلاج.

فريد: خنت زوجتى على فيسبوك.. واتعالجت بعد جلسات تأهيل نفسى وسلوكى

محمد فريد، المقيم بمحافظة الجيزة- أحد المتعافين من إدمان مواقع التواصل الاجتماعى- اكتشف عالم التواصل الاجتماعى فى مرحلة متأخرة من حياته، وعندما دخل هذا العالم انقلبت حياته رأسًا على عقب.

يوضح: «اكتشفت إصابتى بمرض نفسى تسببت فيه الحياة الإلكترونية التى أضاعت منى عملى وأسرتى.. كنت أخون زوجتى بشكل يومى باستخدام محادثات فيسبوك، وعندما علمت بالأمر طلبت منى الطلاق، لكن رد فعلى كان أسوأ حيث بدأت أعاملها بأساليب عنيفة دون شعور منى بما يحدث».

وعن علاجه، يقول: «اضطررت للخضوع إلى جلسات تأهيل نفسى وسلوكى مع متابعة طبيب نفسى مختص، حتى انتهيت من فترة العلاج، واستعدت حياتى بشكل طبيعى برفقة أسرتى التى كانت نظرات الخوف والقلق تملأ عيونها، كما أصبح لدى وقت كاف ومجهود لتطوير عملى الذى أهملته طوال السنوات الماضية».


راغب: فقدت عملى وأهملت أسرتى وعلاقاتى الاجتماعية.. وحياتى عادت بعد إغلاق حساباتى

مصطفى راغب، شاب ثلاثينى يسكن فى منطقة فيصل بالجيزة، أوشكت حياته على الانهيار فجأة، بات استقراره الأسرى مهددًا وفقد عمله وتخلى عن صداقاته وعلاقاته الاجتماعية، ودخل دائرة «إدمان السوشيال ميديا» وأغلقها على نفسه.

يقول «راغب»: «أنا مدمن فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى. أول ما أفعله عند الاستيقاظ من النوم التقاط هاتفى ومطالعة الإشعارات الخاصة بحسابى وتمرير التايم لاين لاكتشاف ما يحدث داخل العالم الأزرق الذى كنت أعتبره عالمى الخاص».

ويضيف: «بعد فترة استخدمت تطبيقًا لحساب عدد الساعات التى أقضيها على مواقع التواصل الاجتماعى فوجدت أن ثلثى يومِى تقريبًا يستهلكهما العالم الافتراضى».




ويتابع: «مرض أصابنى ودمّر حياتى تمامًا.

فقدت عملى فى مجال الصحافة وأهملت أسرتى وعلاقاتى الاجتماعية، ولجأت إلى مجال الديكور والتشطيبات لأجنى أى مال يعيننى على الحياة، ثم قررت إغلاق حساباتى على السوشيال ميديا نهائيًا، والتركيز فى حياتى التى كانت على وشك الانهيار». وكان «راغب» أوفر حظًا من غيره، إذ نجح على حد وصفه فى التعافى من إدمان مواقع التواصل الاجتماعى، دون مساعدة من أحد.


والدة مريض فى ابتدائى: كان هيضيع وحاول الانتحار.. وأنقذناه من الموت فى آخر لحظة

تقول والدة الطفل عمر أشرف، طالب فى المرحلة الابتدائية بمدينة المحلة الكبرى، إن أسوأ قرار فعلته فى حياتها لحظة أن أعطت طفلها هاتفًا محمولًا هدية عيد ميلاده، لأن الجهاز دمر طفلها نفسيًا، بسبب إدمانه مشاهدة مقاطع فيديو سيئة ومحاولة تقليدها من حين إلى آخر.

وعن فترة مرضه تضيف: «دخل فى حالة اكتئاب لمدة ٥ أشهر، ورسب عامين فى المدرسة بعد أن أدمن مواقع التواصل الاجتماعى التى كان يستخدمها طوال فترة استيقاظه، كما تسببت فى محاولته الانتحار فى إحدى المرات».

لم تتردد السيدة فى عرض طفلها على طبيب نفسى لعلاجه، وبالفعل خضع الطفل لعلاج ومتابعة لمدة شهرين فى المنزل عقب محاولته الانتحار، حتى تعافى تمامًا وعاد إلى طبيعته.


«حالة خطيرة» كل شهر.. ود. أحمد إسماعيل: نضع المريض فى غرف معتزلة



انتقلنا إلى أحد مراكز علاج الإدمان والأمراض النفسية وبه فريق علاجى يمتلك خبرة أكثر من ١٥ عامًا فى برامج التأهيل النفسى والسلوكى.

ويضم المركز عددًا من الأطباء والإخصائيين النفسيين والممرضين، كما يوفر إقامة فندقية ووجبات وبرامج تنمية للمهارات والسلوك أثناء فترة التعافى.

وقال الدكتور أحمد إسماعيل، مؤسس المركز: إن «البرنامج العلاجى لمدمنى السوشيال ميديا هو علاج معرفى سلوكى تتراوح مدته ما بين شهر و٣ أشهر، حسب تصنيف الحالة من حيث درجة الخطورة»، مضيفًا: «ويُعد التأهيل البدنى من أهم طرق علاج الإدمان حاليًا، فهناك غرفة مخصصة لإجراء بعض التمارين الرياضية داخل المركز».

وأوضح أنه يوجد نوعان من الحالات المرضية، أحدهما بسيط يمكن متابعته منزليًا من خارج المركز، والثانى معقد ويتطلب علاجه عزل المريض داخل المركز لمدة معينة.




وكشف عن أن نسبة المترددين على المركز طلبًا للعلاج من إدمان مواقع التواصل الاجتماعى «كثيرة جدًا، وغالبًا نستقبل حالة خطيرة شهريًا».

وعن أخطر مراحل الإدمان، قال: «توجد حالات تستخدم مواقع التواصل الاجتماعى لمدة ١٦ ساعة فى اليوم، منعزلة عن حياتها الاجتماعية الحقيقية بالكامل، وهؤلاء عرضة للإصابة بالاكتئاب، بسبب انغماسهم داخل هذا العالم، واعتمادهم عليه كمصدر لتقييم الذات، وبالتالى تتأثر حالتهم النفسية فور استخدامه».

وذكر أن «الحالات يتم عزلها عن أى جهاز إلكترونى طوال فترة التعافى داخل المركز، ويعمل المختصون على تنظيم جدول معرفى وسلوكى لتأهيل المرضى، إضافة للأنشطة الرياضية التى يتابعها أحد المختصين الرياضيين».



د. شيرين ممدوح: «برامج الشفاء» تشمل تخصيص وقت للقراءة والاطلاع

فى جولة داخل مستشفى للصحة النفسية والعصبية بمنطقة فيصل، التقينا الدكتورة شيرين ممدوح، إخصائى الطب النفسى، التى أكدت وجود نسبة كبيرة من مدمنى التواصل الاجتماعى داخل البيوت المصرية، معتبرة أن هذا الإدمان يكاد يكون السبب الرئيسى حاليًا فى تفكك الأسر المصرية، وانتشار حالات العنف الأسرى.

وقالت: «إدمان السوشيال ميديا أصبح له العديد من الضحايا الذين يحتاجون إلى معاملة خاصة بسبب الأعراض النفسية بداخلهم من انفصام فى الشخصية وهوس قهرى وعدم ثقة فى النفس، فهم يهربون من الحياة الاجتماعية التى لم يجدوا بها مكانًا له أهمية مثل ما وجدوه داخل العالم الافتراضى».

وعن طرق العلاج، أوضحت: «يتم حجز المريض داخل غرفة منعزلة عن أى تواصل بالعالم الخارجى لفترة معينة يستطيع من خلالها بناء هيكل نفسى جديد يساعده على مواصلة حياته بشكل طبيعى، ويتابع مع أحد الأطباء المختصين بعلاج الإدمان والأمراض النفسية لتحديد مدى خطورة حالته، وتوفير العلاج اللازم من عقاقير طبية، وإرشادات نفسية يتبعها المريض طوال فترة العلاج».




وبالانتقال إلى مستشفى آخر، قال أحد مسئولى الإدارة: «توجد وحدات متخصصة داخل المستشفى لعلاج هذا النوع من الإدمان، نعتمد فيها على برامج تأهيل نفسى ومعرفى متطورة تمكن الحالات من التعافى سريعًا، بجانب التأهيل البدنى داخل الصالات الرياضية وحمامات السباحة، كما توجد غرف مخصصة للقراءة والاطلاع لكن بعيدًا عن استخدام أى أجهزة إلكترونية».

وتابع: «الجلسة الأولى يتم فيها تحديد الحالة النفسية لمريض إدمان التواصل الاجتماعى، وبناءً عليه يتم تحديد فترة العلاج والطرق اللازمة له، وفى حالة وجود نسبة من الخطورة يُحجز المريض داخل المستشفى لمدة معينة يتخلص خلالها من أعراض التواصل الاجتماعى، لتتم إعادة تأهيله نفسيًا وبدنيًا واجتماعيًا ليكون قادرًا على التعامل مع أقاربه وزملائه فى العمل مرة أخرى».

طبيب: تابعت حالات كثيرة والعصبية أشهر الأعراض

قال الدكتور جمال فرويز، إخصائى الطب النفسى، إن إدمان مواقع التواصل الاجتماعى مرض نفسى وفق أرقام وبيانات رسمية، فمدمن «السوشيال ميديا» يفقد جزءًا كبيرًا من اهتمامه بحياته الاجتماعية سواء اهتمامه بأفراد أسرته أو أصدقائه أو عمله، وغالبًا ينسى مواعيد أكله أو نومه أو حتى شربه للسوائل.

وأضاف: «الهوس الشديد بهذه المواقع يُعد من أخطر أنواع الإدمان بسبب تأثيره على الصحة النفسية للمريض، ما قد يجعله سعيدًا لمجرد وجود آراء إيجابية من المتابعين له على صفحات فيسبوك من خلال عدد الإعجابات والتعليقات، أو تنقلب سعادته لحزن واستياء فى حال تجاهله المتابعون وانعكس ذلك سلبًا على عدد الإعجابات والتعليقات لديه، وهو ما وجدته بنفسى عند التعامل مع حالة عالجتها لمدة ثلاثة أشهر».





وواصل: «حجزت هذه الحالة داخل مصحة نفسية لمدة ١٥ يومًا ليتم تأهيلها نفسيًا وبدنيًا، وكانت المرحلة التالية هى المتابعة الأسبوعية مع المريض والسماح له بالعودة لمنزله، ومتابعته لمدة ٣ أشهر، مع التنبيه عليه بعدم استخدام أى أجهزة إلكترونية خلال فترة التعافى، واستطاع بالفعل التخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعى، والعودة إلى حياته الطبيعية مع زوجته وأولاده».

وتابع: «استطعت علاج العديد من الأشخاص الذين أُصيبوا بمرض إدمان مواقع التواصل الاجتماعى، وأغلبهم كان يعانى من مرض الهوس والعصبية والمفرطة والاكتئاب بسبب جلوسهم المستمر أمام الشاشات الإلكترونية دون الحذر من مخاطر ما تحمله من عادات سيئة».


تقارير رسمية: القاهرة الأعلى استخدامًا للإنترنت


وفق تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، خلال عام ٢٠١٨، فإن عدد مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فى المحادثات النصية تجاوز ٢٦ مليون شخص، بينما عدد مستخدمى الإنترنت فى تحميل الألعاب والأفلام يبلغ نحو ١٩ مليون شخص، فهناك ٢٣ مليون أسرة لديها هاتف محمول، و١٣ مليون أسرة لديها جهاز كمبيوتر.

كما أعلنت وزارة الاتصالات أن عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر يزيد على ٣٧ مليون مستخدم، مشيرة إلى أن محافظة القاهرة تتصدر القائمة بنسبة ٤٠٪، تليها محافظات الدلتا بنسبة ٣١٪ ثم محافظات الوجه القبلى بـ١٣٪، والإسكندرية ومطروح بـ١٠٪، وسيناء والبحر الأحمر بـ٦٪.



إحصائيات: ١٨.١ مليون رسالة على مواقع التواصل فى الدقيقة

تفيد تقارير دولية، صدرت مؤخرًا، بأن هناك ١٨٨ مليون رسالة إلكترونية يتم ضخها فى الدقيقة الواحدة، بينما بلغ عدد النصوص المكتوبة عبر صفحات التواصل الاجتماعى ١٨.١ مليون رسالة فى الدقيقة.
وبالنسبة لتطبيقى «فيسبوك» و«واتس آب» فقد بلغ عدد مستخدميهما فى الدقيقة ٤١.٦ مليون شخص، بينما تتم مشاركة ٤.٦ مليون فيديو عبر «يوتيوب»، فى حين بلغ عدد المتفاعلين مع الإنترنت فى الدقيقة ٢٧٠ مليون شخص، كما يوجد ٣.٨ مليون استفسار عبر موقع جوجل، و٣٤٧٢٢٢ متصفح على تطبيق «إنستجرام»، وإجمالى الإنفاق على الإنترنت تعدى المليون دولار فى الدقيقة.