رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«غسل العار».. جرائم الشرف ذريعة للقتل بدون عقاب

جريدة الدستور

في سبتمبر من العام الماضي، استقيظت مصر على حادث نوعي، حمل كم كبير من الفجيعة والألم، ربما لا يصدقه عقل بشريّ، وهو قيام أب بقتل ابنائه الأربعة، بعد أن ذبح أمهم وفصل رأسها عن جسدها بلا رحمة، فلا يوجد تبرير منطقي إلى الآن لما حدث.

" كرم . م" الجاني، الذي ذبح أسرته كاملة، وتركهم جثث هامدة في منزلهم بالمساكن الاقتصادية، التابعة لمدينة الشروق، فر هو هاربًا وظن أن العدالة لن تصل إليه، ليثير من بعدها ذوبعة لغط لأيام بين المصريين حول تلك الجريمة، ويزيد الأمر إثارة تبريره في التحقيقات: «حسيت إن مراتي بتخوني مع صاحبي.. والعيال مش من صُلبي».

بهذه الجملة، يعتقد الجناة أنهم يفرون من العدالة، حيث ستدرج جريمتهم تحت اسم جرائم الشرف، وربما يأخذون براءة من جرائهم، ففي حال اقتناع المحكمة بذلك المبرر، فيستخدم القاضي المادة 237 من قانون العقوبات والتي تنص على أن عقوبة قتل الزوج لزوجته عندما يتعلق الأمر بجريمة شرف هي الحبس، أي أقل من ثلاث سنوات، وفي حالة التلبس تعتبر فورة غضب من الزوج وتكون العقوبة هي البراءة.

فهل باتت جرائم الشرف بمثابة شماعة يتعلق بها الجناة أو الأزواج للنفاد بجرائمهم؟، "الدستور" اقتربت أكثر من تلك الظاهرة، لاسيما أن إعلان الأمم المتحدة ديسمبر الماضي أن حوالي 5 آلاف امرأة سنويًا تدفع حياتها ثمنًا في جرائم تتعلق بقضايا الشرف والعار، وهو رقم ليس بالقليل.

نهاد أبو القمصان، المحامية بالنقض، ورئيس المجلس المصري لحقوق المرأة، تقول أن مصطلح جرائم الشرف لم يكن قديمًا موجود في مصر، ولكن انتقل إليها من بلاد الشام، فهناك كانت الأحكام معظمها تصدرها المحاكم العرفية ولا وجود فيها للقانون.

تضيف: "وبمجرد ما يتحجج المجرم بارتكابه الفعل؛ لتطهير عرضه والدفاع عن شرفه كانت تسقط عنه اَي عقوبة أو حد شرعي، لكن الأمر تشعب وباتت المرأة تقع ضحية قتل أو تعذيب تحت هذا المسمى لكن لغرض أخر".

توضح، فوجدنا أخ يقتل أخته للحصول على نصيبها من الميراث، أو زوج ينهال على زوجته ضربًا في موجة غضب أيًا كان سببها متسببًا لها في عاهة مستديمة أو يودي بها للموت ويعزي السبب أنه شك في خلقها.

تستطرد: "من الشام انتقلت جرائم الشرف إلى مصر في نهاية القرن الماضي، وبات الجناة يستفيدون من المادة" 17"، بعد إقناع القاضي بشك الزوج في زوجته، وأحيان تكون أدلة الثبوت هي أقوال لشهود، دون أدلة ملموسة.

وتكمل "أبو القمصان"، أن الاجراء الذي يضمن حق الضحية، وعدم إفلات المجرم من العقاب، هو تدخل محكمة النقض بالطعن على قرار القاضي إذ استخدم الرأفة لتعليه العقوبة درجتين.

يُشار إلى «جرائم الشرف» في القانون المصري بأنها «قتل الإناث»؛ لأن النساء يحملن أعلى نسبة من الضحايا في هذه الممارسة، ويُشكلن 93% من ضحايا جرائم الشرف في جميع أنحاء العالم.

الوقائع والحوادث كثيرة ولا تنتهي على ذلك، فمنذ عدة أيام، في قرية زاوية غزال التابعة لمركز دمنهور بالبحيرة، أقدم موظف بدرجة مدير عام بإحدى الشركات، ونجلاه على ذبح ابنته وعشيقها عقب ضبطهما في وضع مخل داخل غرفة بالمنزل.

وعُثر على جثة الفتاه، وبهما طعنات وجروح قطعية بالرقبة، ويذكر أب الضحية في أقواله أنه شعر بوجود حركة غريبة في المنزل بالساعات الأولى من صباح الواقعة فصعد إلى الطابق الأعلى، فوجد ابنته في أحضان شاب في وضع مخل، فقيدهما بالحبال بمساعدة نجليه.

وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عن عام 2019، فإن أكثر من نصف ضحايا جرائم القتل لعام 2019 قُتلن على أيدي شركاء أو أقارب حميمين، مع فشل ملحوظ للجهود المبذولة لوقف قتل النساء بمبرر صون الشرف، بحسب تقريرها.

وفقًا للتقرير، بعد تحليل البيانات المتاحة، فمن بين حوالي 87.000 امرأة وقعن ضحايا للقتل العمد العام الماضي في جميع أنحاء العالم، قُتل منهن حوالي 34% على يد شريك حميم، زوج أو حبيب، و24% على يد قريب. وكانت نسبة النساء اللاتي قُتلن على يد شريك أو قريب أعلى في بلدان أفريقيا و احتلت مصر المرتبة الأولة افريقيًا وعربيًا.

يوضح الدكتور فتحي قناوي، أستاذ الجريمة بمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أسباب زيادة جرائم الشرف في مصر، بأن هناك تعديات وجرائم تكون مواقع التواصل الاجتماعي شريك أصيل فيها باستدراج أحد الطرفين.

يُكمل " قناوي"، يُنظر إلى جريمة الشرف بإنها عذر أو مبرر، وتشمل العوامل المؤدية للقتل بدافع الشرف، لكن منها ماهو ليس موضوعي وفي تجني واضح على المرأة وحقوقها، فنجد أحيانًا قتلها بعد تعرضها للاغتصاب ويعلل الجاني بأنه لا يستطع العيش بوصمة العار رغم أنها ضحية.

وأشار أن هناك دراسات أجريت في مصر أثبتت أن مرتكبي العنف من الذكور يمثلون 75%، بينما تشغل النساء نسبة 25%. وكان الجناة في جرائم الشرف هم الأزواج بنسبة (52%)، والآباء (10%)، والإخوة (10%)، والأمهات (4%)، والباقي أبناء أو أقارب الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأم للزوج.

وكانت أنواع العنف هي القتل بنسبة (76%)، ومحاولة القتل (5%)، والضرب (18%)، والخطف (2.5%)، والباقي أنواع مختلفة مثل حرق الممتلكات، وإجبار النساء على التوقيع على الشيكات، أو تكون ضامنة للزوج، أو الاتهام بالجنون.

وأشار التقرير إلى أن أسباب العنف كانت جرائم شرف بنسبة (42%)، وترك المنزل دون موافقة الزوج بنسبة (7.5%)، وطلب الطلاق (3%).