رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: المجاز في الحب

جريدة الدستور

حينما فكرت في الكتابة عن نقطة "حب المجاز" وما يفعله بنا، وكيف أننا نعيش في تلك المنطقة الوهمية من الحياة، وجدت أنه ليس هناك من هو أوقع أثرا للتعبير عنها، من الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وظهر ذلك في قصيدته "هي لا تحبك أنت". ولأن "درويش" اختار للتعبير عن الفكرة علاقة جائرة بين رجل وامرأة، فإننا سنستمر كذلك.

صك "درويش" المصطلح، حينما نجده يقول: 'هي لا تحبك أنت.. يعجبها مجازك.. أنت شاعرها.. وهذا كل ما في الأمر' ثم في بيت آخر: يقول 'فكن ألفا لتعجبها'، وفي آخر يقول: 'كن إحدى عواطفها'، وفي الأخير "كن ملاكا" وستقتلك.

• المجاز في الحب.. وهم
حينما تتلقى كلماتك تصيب قلبها مباشرة كالسهم، أو رسمك بالنسبة لها كالوهم، أو هالة النور التي تحيط بك ناجحا فتصورك لها كفارس في حلم، كل هذا هو المجاز. أما من أنت! لو تعريت من المجازات وصرت أنت، لن تعجبها.

• المجاز لا يصل لقلب القلب
هذا النوع من الحب يدور حول الأشياء، لكنه ليس يصل إلى باطنها، لا يرى من الواقع إلا صوره المزينة، والتي تجعله يضيء في الليل كالقمر وفي النهار كالشمس، ويحول الماء لخمر، والترعة لنهر، والبيت الصغير لقصر. هو حب المجاز الذي يدعك تعيش في تلك المنطقة التي ليس لها وجود.

حب المجاز كشغفك بأكلة إيطالية سمعت عنها فأدهشتك، يضاف لمكوناتها الخمر، وأنت لا تشرب، فأغوتك، ولكنها في الأخير عجين ولحم وملح، كأي أكل. وبعد ذلك، سيعجبك مجاز آخر، ستهيم به، وتتكلم عنه، وتسعى وراءه ثم تعاود الكرة.

حب المجاز في الشيء يرفعه إلى أعلى عليين، ثم ينزل به إلى أسفل سافلين.

• كن "ألفا" لتعجبها.. كن إحدى عواطفها
مازال "درويش" يحاول إفهامنا، من خلال تلك العلاقة بين المجاز والمرأة، التي لا ترى فيها سوى من يخاطب مشاعرها، من يمنحها النشوة التي تسعى لها، إنما حقيقة هي لا تراه فارسها، ليس سوى أحمق يمنحها من روحه ما تريد.

نحب المجاز دوما أكثر من الواقع، لأنه يعدله ويمنحه جماليات ليس لها وجود في الحقيقة، مثل البهارات التي تجمل الطعام، نكتب الحب في هيئة أشعار، ونصف المرأة بالقمر والبدر والنجوم، وهي ليست كل هذا، ولكننا نحب أن نشعر بها كذلك، أن تكون في أذهاننا نادرة لا تتكرر، جمعت في كينونتها كل الكون.

• أنت أسير المجاز
ستعيش أبدا تطوف وتحاول وتسعى، جامح في الكون الذي وضعتك فيه، تتحول بين ليل وضحاها إلى ساحر وشاعر وطبيب وأديب وموسيقي كبير، لكنك تفشل في الوصول إلى قلبها.

ماذا بعد.. ستتنقل بين الحروف إلى النهاية.. ستتراقص على السطور إلى أبعد مدى، و لو انتهى المداد؟! ألن تتعب، أو تفقد شغفك، ألن تُستنزف.

إن أنت أحببت المجاز أوهمت نفسك، وإن أحبتك مجازا عند نهاية بيت القصيدة تركتك.

• كن ملاكا.. فتقتلك
ليس يمكنك أن تقدم لها أفضل من أن تكون ملاكها الحارس، وفي الأخير، ستقتلك، انتقاما من "شرك المجاز".

ستبقى أسير الخيال، والخيال جامح، وهي لا ترى حقيقتك ولا الواقع، ستعيش طويلا في بورتريه معلق على حوائط صدرها، وتموت شهيدا على أبواب قلبها.

لا نقول إن المجاز سيئ، ولكنه مبالغة، إن لم يكن له أرض في الواقع، وسماء يستظل بها، فإنه لن يكتب لك الحياة، إن كان الحب لسبب تغذية المشاعر فأنت مجرد طعام، وإن كان للجمال فأنت صورة، وإن كان للمال فأنت بنك، أما إن كان لأنك أنت أنت، وليس أحد آخر، بما فيك من جماليات وسوءات، إن رأتك مجرد من كل وهم، وأحبتك، فقد فزت.