رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البشر .. بين الصدق والكذب !


نقيضان يحيطان بنا أينما ولَّينا وجوهنا،لاتخلو الحياة من أيهما وموضعهما السلوك البشري، بهما نطلق أحكامنا التقييمية للشخصيات التي نتداخل معها في تعاملاتنا الحياتية، دومًا الكاذب لايؤتمن، والصادق محط إعجاب الجميع، وعن هاتين الخصلتين الأخلاقيتين توقفت عند حكمة روسية مترجمة تناولتهما في سطور اطلعكم عليها، تقول الحكمة من خلال واحدة من الأساطير: "التقى الصدق والكذب من غير ميعاد، فنادى الكذب على الصدق قائلا : "اليوم طقس جميل ". نظر الصدق حوله، نظر إلى السماء، وكان حقًا الطقس جميلاً .

قضيا معًا بعض الوقت، حتى وصلا إلى بحيرة ماء. أنزل الكذب يده في الماء ثم نظر الى الصدق وقال: " الماء دافئ وجيد "، وإذا أردت يمكننا أن نسبح معا ؟ وللغرابة كان الكذب محقًا هذه المرة أيضًا، فقد وضع الصدق يده في الماء ووجده دافئا وجيدًا . قاما بالسباحة بعض الوقت، وفجأة خرج الكذب من الماء، ثم ارتدى ثياب الصدق وولَّى هاربًا واختفى . خرج الصدق من الماء غاضبًا عاريًا، وبدأ يركض في جميع الاتجاهات بحثًا عن الكذب لاسترداد ملابسه .

العالم الذي رأى الصدق عاريًا أدار نظره من الخجل والعار . أما الصدق المسكين، فمن شدَّة خجله من نظرة الناس إليه عاد إلى البحيرة واختفى هناك إلى الأبد . ومنذ ذلك الحين يتجوَّل الكذب في كل العالم لابسًا ثياب الصدق، محققًا كل رغبات العالم، والعالم لا يريد بأي حال أن يرى الصدق عاريًا" .

هل نستطيع دومًا أن نميز الصادق من الكاذب ونمتلك القدرة على الفرز أم اننا نقع فريسة الخداع نتيجة قدرة الكذب على التلون كلسان صاحبه يلبس رداء ليس له؟! فالصدق لايعزو أن يكون محض" قشرة " خارجية يتجمَّل بها الكذَّاب حبكًا لدوره في خداع الآخرين حتى أقرب الأقربين؛ مثلها مثل المعدن "الفالصو" تماما؛ ينخدع فيه كثيرون ويشترونه على انه من الذهب الخالص، ولايلبثون أن يكتشفوا زيفه بمرور الوقت بزوال القشرة الخارجية التي طلي بها متنكرًا في ثوب الذهب .. وهنا تستوقفنا حكمة المصريين في المثل الشعبي العبقري: "الكدب مالوش رجلين" ! .

وسؤالي الذي يلح علي دومًا : لما كنا جميعنا نعلم علم اليقين قيمة الصدق لم نعط ظهورنا لصفة محمودة ونرمي أخلاقنا في بئر صفة مذمومة ؟! وهل الكذب منجاة أم الصدق ياقوم؟! لم نختر الطريق المتعرج ونغفل الطريق الممهد المستقيم في سلوكياتنا ؟! ولم لا نكون محط إعجاب الآخرين بدلا من أن نكون مجال ازدراء ونفور؟!

صدقوني الأمر جد سهل لو اتبعناه؛ فالمجتمعات التي يغلب على شعوبها المصداقية من رأس البلد حتى أخمص قدميها تكون شعوبًا آمنة مستقرة؛ فالصادق تجتمع فيه حزمة من الأخلاق الحميدة يتزعمها هذا الصدق فيرادفه الإخلاص في العمل وأداء الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، والأمانة، والصبر على المكاره، والتراحم ،وجبر الخواطر، واللين في القول، ونظافة اللسان، والأمانة وغيرها.

فلا ندهش حين نجد أن العرب قد أطلقت على رسولنا الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ من فرط صدقه وأمانته وهو يعلم أنه قدوة في اخلاقه: "الصادق الأمين".

فمن يروج الشائعات ــ على سبيل المثال ــ يمثل الكذب في أقبح صوره؛ فهو يكذب على شعب بأكمله ،وليس على فرد قد يكتشفها يومًا ويقاطعه، لكن تسرب أخبار من شأنها تعكير السلم العام لمجتمع لهو جريمة شنعاء لاتعادلها جريمة؛ فهو اغتيال للصدق في أكثر الصور تشويهًا، وما يترتب على ذلك يضع المجتمع في حالة تربص واستنفار لأمر واهٍ لا يمت للحقيقة بصلة ...ولا نملك أمامها سوى ترديد مسمع مما تغنى به الشيخ إمام : «يعوض الله على الأخلاق.. الناس في سباق.. على البكش.. و الاسترزاق ... امسك يا بوليس"!

لذلك نؤكد دومًا أن تنشئة الأطفال منذ الصغر على قول الصدق وعدم إعطائهم صورًا سلبية بأن ننصحهم بفعل ونأتي نحن كأباء وأمهات أو مربِّين بمثله؛ فيقعون في حيرة تؤدي إلى اضطراب في سلوكهم عندما يشبون عن الطوق، لنضع اللبنة والدعامة الأساسية الصحيحة للسلوك القويم الذي سيقوم المجتمع على كتفيه مستقبلاً ، لكي نضمن السلامة لبلادنا قدر المستطاع فالأمر في أيدينا إذا مااهتممنا بالقواعد التربوية المثالية في إعداد النشء. فأبناء اليوم .. قادة المستقبل فلنعُدهم كما نريد لمستقبلنا أن يكون ذات يوم .