رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ج

السجاد اليدوي.. صناعة تاريخية وسياحية تجاهلها الزمن

جريدة الدستور

مع بدء عودة السياحة الدولية إلى مناطق مصرالسياحية، وخاصة القاهرة التي تحتضن السياحة الثقافية، ومع قرب افتتاح المتحف المصرى الكبير، وعودة منطقة الأهرامات كقبلة للسياحة من جميع دول العالم، لابد من قيام وزارة السياحة والغرف السياحية بالبدء في تنفيذ مشروع؛ لإعادة إحياء الصناعات اليدوية التي كانت من أهم السلع التي يحرص السائحين على شرائها، عند زيارتهم لمصر بصفة عامة، والقاهرة بصفة خاصة، وعلى رأسها المنسوجات التي ظلت مصر تتميز بها لسنوات عديدة.

فهنا في مبنى تاريخي يبعد أمتار قليلة عن "قصر القبة " بميدان القبة بوسط القاهرة بني هذا القصر عام 1815 سمي بقصر الراحة، ورغم مرور الزمن ظل هذا المكان ينبض بروح الطاقة الإيجابية؛ لتصنيع السجاد المصنوع يدويًا، والذي يعتبر قطع فنية.

كانت صناعة السجاد ضمن الصناعات التي تميز مصر عالميًا، وتروج لاسم مصر في عدد من الدول الأوربية، ويُعد السجاد اليدوي أحد أقدم الحرف التي عرفها الإنسان، بدأت مع العصر الفرعوني منذ أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد، كما اهتم البعض بإثراء السجاد بالتراث الفرعوني؛ ليزين قصور الأثرياء والقرى السياحية في مصر، كما غزل البعض من التراث الإسلامي القباب والمآذن، لتنطق الخيوط بالتراث المصري الذاخر بالكثير من الحكايات، وتنقلها عبر الأجيال.

وترجع حكاية هذا القصر الذي تم تأسيسه عام تسع وعشرين، وبعد تقاعد أحمد فهمي القطان المالك الأصلي للقصر، والذي تقاعد من وظيفته في التعليم، واشترى هذا القصر وعكف على تجديده وترميمه، ثم أعاد افتتاحه بعد عام كمصنع للسجاد منذ تأسيسه سنة ثلاثين، وسجلته وزارة الثقافة المصرية في "قائمة الآثار المصرية والقبطية.

عمل المصنع على تدريب الشبان على حرفة نسج السجاد، كما أتاح لهم فرصة تعلم القراءة والكتابة نظرًا لتراجع عدد الحرفيين المهرة في صناعة السجاد اليدوي وندرة فرص التدريب على الحرفة دفعت محمد القطان المالك الحالي للمصنع للسير على نهج جده الراحل، وتحويل المصنع إلى مركز للتدريب على نسج السجاد.

المصنع بدأ يستقبل مجددًا شبابًا وفتيات غير متعلمين يسكنون في أحياء فقيرة بالقاهرة، وألحقهم ببرامج تدريبية في محاولة؛ لإنقاذ الحرفة من الاندثار؛ ولتأهيل تلك البراعم الصغيرة لمواجهة الحياة بمهنة يتكسبون منها، وفي نفس الوقت كان بمثابة صناعة مصرية، تعظم اسم مصر عالميًا، ويأتي إليها الملوك ومساعديهم لاقتنائها في قصورهم.

وبحسب الروايات الأشهر، فإن الملك فاروق كان أول من اهتم بصناعة السجاد اليدوي في العصر الحديث، فعندما أراد أن يصنع سجادة يدوية على شكل عملة ورقية فئة الخمس جنيهات، فبدأ هذا المصنع فورا في العمل، لأول سجادة يدوية لكنه فشل في إنتاجها من المرة الأولي، واحتاج إلى ثلاث محاولات لكي يمكنه إنتاجها.

تتطلب صناعة السجاد الدقة، والصبر، والبراعة، والتركيز الدائم، فأي خطأ يؤدي إلى إهدار الكثير من الوقت، فالسجادة الواحدة قد تستغرق شهور طويلة أو عدة سنوات من العمل المتواصل لإنتاجها، حتى إنها قد تستهلك حياة أربع أو خمس أفراد يتبادلون في العمل عليها "حوالي 7 سنوات، لإنتاج سجادة واحدة، يبلغ حجمها 60 متر.

أنواع السجاد

للسجاد اليدوي أنواع عديدة من أهمها الصوف الممزوج بالقطن، مثل سجاد "شروان" و"هاريز" و"التوبس"، والسجاد الحرير، وهو يتكون من حرير طبيعي 100%، أما سجاد "نايين" فهو يتكون من الحرير الطبيعي الممزوج بالصوف النيوزلندي الفاخر، وبذلك استطاع حرفيين أن يغزو الأسواق الداخلية والعالمية في ظل المنافسة الشرسة مع الدول الأخرى.

ويتميز هذا النوع بالألوان الأنيقة وتنوع عقدة الحرير، فهناك سجاد ذو 64 أو 81 أو 100 أو 144 عقدة في السنتيمتر، وهذا يصنع على نول عادي، ومن أدوات صناعته الدفن والمقص.

وهناك نوع اخر من السجاد والذي يتم تصنيعيه من الصوف المصري وآخر من النيوزيلندي، وبالرغم من أن النيوزيلندي طويل التيلة، لكن الصوف المصري يتميز بالجودة العالية، ويتمتع بسمعة عالمية، ويعتبر سجاد "القشقاي" و"الشيرازي" من أبرز السجاد اليدوي المصنوع من الصوف، ومن الممكن أن يدخل الحرير مع الصوف لعقد "النيين" وهي عقد الصوف المطعمة بالحرير، كما يتداخل الصوف مع القطن لإنتاج السجاد العادي.

أما "الأوبيسون" فهو نوع آخر من المواد المستخدمة في صناعة السجاد اليدوي، وهو يستخدم في صناعة سجاد الأرضيات والبورتريهات التي تزين الجدران، ويتميز الأوبيسون بلمسته الناعمة فلا يوجد به وبرة، ويوجد ثلاث أنواع منه، الأوبيسون المصري والفرنسي والصيني، وعادة ما يكون الأوبيسون متعددة الألوان.

أما الجبلان المصري الذي يعرف بالكليم، فهو يختلف في صناعته عن النول العادي، فنوله يشبه نول النسيج، الذي يتكون من "سدا"، وهي الخطوط الطولية، و"لجمة" وهي الخيط الموجود داخل المكوك، الذي يرسم بها الصانع تصميم السجاد، ومن أهم أدوات صناعة الكيم "المشط" الذي يستخدم للضم عملية "اللجمة"، و"الكف" الذي يستخدم للضم النسيج، و"الدرق" الذي يستخدم في عملية فتح النفس، وهو الذي يفصل الخيوط الفردية عن الزوجية.

صناعة مهددة بالانقراض

وقبل أن نغادر هذا المكان، كشف محمد القطان عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية، وأحد ورثةً هذا الصناعة قائلا "إن صناعة السجاد اليدوي أصبحت من المهن المهددة بالإنقراض في مصر، فلا يوجد كتاب يهتم بتعليم صناعة السجاد اليدوي، أو مكان يهتم بنقل أصولها، فهي مهنة تورث ولا تدرس، بمعنى أن العامل بها لا بد أن يكتسبها في سن صغير، لأنها تحتاج إلى كثير من المهارة والتوافق العضلي والعصبي"، مؤكدًا أن مصر تراجعت بشكل مريب في عدد الحرفيين المهرة العاملين بمجال نسج السجاد اليدوي، وأصبحت فرص التدريب على الحرفة نادرة.

تعتبر صناعة السجاد اليدوي ضمن الصناعات، التي ظلت تفخر بها مصر لسنوات طويلة، وتعتبر من الصناعات السياحية في المقام الأول، ورغم ذلك لم يهتم بها أي مسئول، لدرجة أنها أصبحت مهددة بالانقراض، خاصة وأن السجاد المنسوج يدويًا يختلف عن نظيره المصنوع آليا في أن إنتاجه يعتمد على حرفيين يهتمون بالتفاصيل الدقيقة، ابتداء من التصميمات المرسومة، وانتهًاء بحياكة أطراف السجادة بعد نسجها.

وكشف محمد القطان أن السلع السياحية تعتبر السفير الصامت للسياحة، لما تمثله من ذكريات عن الرحلة للسائح، مشيرًا إلى أن نوعية السلعة التي يشتريها السائح تتأثر بثقافته، فالسلع الحرفية اليدوية يفضلها السائح الإنجليزي والأمريكي والياباني إلى جانب السائح العربي، الذي يفضل منتجات بعينها مثل منتجات خان الخليلي والأرابيسك والنحاس والجلود والفضة.

وأوضح "القطان" أن المهن الحرفية واليدوية مهن تورث من الصانع، ولا يوجد لها مدارس فنية لتدعيمها، لافتًا إلى أنه منذ عام 2011 وتأثر السياحة، هجر نحو 70% من الحرفيين المهنة.

مشيرا الي إن حجم مشتريات السائح تمثل نسبة تتراوح من 22 إلى 24% من دخل قطاع السياحة، لافتا إلى أن تلك النسبة يمكن أن تتضاعف، في حالة تطبيق فكرة الرد الضريبي للسائح، كما يحدث في العديد من المقاصد السياحية، ويدفع المحال التجارية إلى فكرة التسجيل الضريبي، مما يرفع من حصيلة الخزانة العامة للدولة، وينمي سياحة التسوق.