رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صور| «بيزنس سام».. «الدستور» تقتحم سوق تجارة الأفاعي في مصر

ثعبان كوبرا
ثعبان كوبرا


في 30 يونيو الماضي، أحبط مطار القاهرة الدولي محاولة تهريب 96 ثعبان، بعد الاشتباه في أحد الركاب القادمين على رحلة طائرة خطوط شركة مصر للطيران رقم 961 القادمة من بانكوك، وكشفت أجهزة التفتش احتواء إحدى حقائبه على 9 أكياس من القماش مخبأ داخل ملابس مستعملة وبها 96 ثعبان سام وحرباء، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية وتحرير المحضر اللازم.

محاولات التهريب المستمرة كانت الخيط الذي تتبعته "الدستور" على مدار شهرين تقريبًا لتكشف ورائه بيزنس يديره مجموعة من تجار الأفاعي، من خلال عقد صفقات سرية مع المشترين دون الإفصاح عن هويتهم، بالمخالفة لقانوني البيئة والزراعة، وفي غياب رقابة وزارة الزراعة، ما يترتب عليه خلال عملية النقل تعرض عدد من المواطنين للدغات السامة، ومع عدم توفر الأمصال في كثير من الأماكن يمكن أن يؤدي ذلك لوفيات.

في السطور التالية قمنا بعقد اتفاقيات مسجلة مع عدد من هؤلاء التجار لكشف الطرق التي يتبعونها في التهريب، وكيف يمكنهم التخفي بعيدًا عن أعين الرقابة، حتى لا يتم إخضاعهم للعقوبة القانونية، ولكشف التفاصيل كاملة كانت لنا جولات أكدت إمكانية حصول أي فرد لثعبان سام دون المعاقبة القانونية.
تاجر: "أقدر أخبيلكم أفعى وتهربوها من غير ما حد ياخد باله"

جولتنا الأولى كان في إحدى مناطق الجيزة، حيث التقينا مع أحد تجار الأفاعي ويدعى "م.م"، 24 عامًا، والذي طلبنا منه الحصول على عدد من ثعابين الكوبرا السامة مُدّعين الرغبة في إرسالها إلى أحد أقاربنا بإحدى الدول العربية القريبة، فكان رده:"من عينيا.. أنا أقدر أجيبلكم الثعابين بس معرفش حد يهربها"، وبعد دقائق من الصمت استطرد الرجل قائلًا: "أنا أقدر أخيبهالكم.. بحيث تهربوها من غير ما حد ياخد باله".

وأوضح أنه يستطيع ربط أنياب الكوبرا الثلاث ووضعها داخل "شوال" حتى يمكننا تخبئتها داخل حقائب السفر، مضيفًا أنه سيطعمها لتستطع تحمل السفر دون الخروج من الحقائب لمدة من 3 إلى 4 أيام كاملة حتى تنتهي مدة السفر بالكامل وإرسالها للمكان المطلوب.

وعن سعر "الكوبرا" الواحدة، قال إن ثمنها يصل لـ 600 جنيه للواحدة (ما يعادل 36.36$)، موضحًا أنه بذلك قد تساهل معنا بسعرها لأنه بالصيف يكون اصطياد الثعابين أمرًا صعبًا فهي تختبئ بجحورها هربًا من حرارة الجو، لذا فسعرها يصبح أغلى منه في الشتاء -على حد قوله-.

والآن ينتظر هذا التاجر اتصالًا هاتفيًا آخر منّا لتحديد ميعاد ومكان تسليم صفقة "الكوبرا" بأقصى سرعة، وذلك بالمخالفة لقانون امتلاك وتصدير الزواحف السامة، لكن محررتا "الدستور" توقفتا عند هذا الحد حتى لا تتورطا في خطأ قانوني.

القانون يجرم امتلاك الأفاعي السامة

اللواء إبراهيم محروس، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية سابقًا، صرح في سبتمبر الماضي، بأنه يُحظر تداول أو تربية الحيوانات المفترسة عمومًا، وكذلك الحشرات والزواحف السامّة، لما يمكن أن تسببه من ضرر للمواطنين، مشيرًا إلى أن من يثبت امتلاكه لأي حيوان سام أو مفترس سيواجه العقوبة القانونية اللازمة بعد خضوعه لتحقيقات النيابة العامة.

تنص المادة 117 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 66 على: "تصدر قرارات من وزارة الزراعة بتعيين أنواع الطيور والحيوانات البريّة التي يُحظر صيدها أو حيازتها أو نقلها، وبيان شروط الترخيص لصيدها على سبيل الاستثناء لأغراض علمية أو سياحية".

وبالبحث في العقوبة لمخالفة هذه المادة وجدنا أنها لا تتعدى الـ 10 جنيهات كغرامة، وذلك وفقًا للمادة 146 من نفس القانون، الأمر الذي يعكس ضآلة هذه العقوبة أما مما قد تسببه من أضرار جسيمة.




تاجر ثعابين: مصدر رزقي الوحيد

جولتنا التالية كانت في المحلة الكبرى، وهناك التقينا "ع.ن"، 36 عامًا، أحد تجار الثعابين بقرية محلة البرح، والتي ينتشر بها صيد الثعابين، فأصبح المصدر الوحيد لرزقه، موضحًا أنه يخرج من منزله الساعة 9 صباحًا إلى 5 مساءً أملًا فقط في اصطياد الثعابين للاتجار بها، والتي امتهنها منذ 25 عامًا.

"ع.ن" أخبرنا أن زبائنه ينقسمون إلى تجار يتعاملون مع مركز السموم والمصل واللقاح، وآخرين من عُشَاق تربية الزواحف، وضمانه الوحيد لبيع هذه الأفاعي لهم هو اختباره لهم في قدرتهم على التعامل مع تلك الثعابين السامة من خلال طريقتهم في الإمساك بها.

وإذا نجح في ذلك يستطيع استلام هذه الثعابين السامة في الحال بعد تسديد ثمنها الذي يتراوح بين 200 إلى 600 جنيه، دون الحصول على أي أوراق تثبت تبعية هذا الشخص لأي من المؤسسات المسموح لها فقط تداول مثل هذه الثعابين، أما في حالة عدم قدرة الشخص على التعامل مع الكوبرا يرفض بيع الثعبان السام له مراعاة لضميره.



المستشار القانوني نبيل مرزوق أكد أن القيام بأي عمل أو نشاط من شأنه الإخلال بالبيئة الطبيعية فهو محظور، بالتالي فإن فكرة تهريب الأفاعي السامة باعتبارها تنتمي للحياة الطبيعية المصرية خارج بيئتها في مصر فهو أمر غير قانوني، وذلك تبعًا للمادة الثانية في القانون رقم 102 لسنة 1983 الخاص بالمحميات الطبيعية.

وتابع "مرزوق"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن المادة السادسة من القانون ذاته حددت عقوبة المخالفين بغرامة لاتقل عن 500 جنيه ولاتزيد على 5 آلاف جنيه وبالحبس مدة لاتزيد على سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة العودة يعاقب المخالف بغرامة لا تقل عن 3000 جنيه ولاتزيد على 10 آلاف جنيه وبالحبس مدة لاتقل عن سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين.

في "أبو رواش".. الشباب الأكثر اقتناءً للأنواع السامة




جولتنا الأخيرة كانت إلى منطقة أبو رواش بالجيزة، المعروفة بتجارة العديد من الزواحف والحيوانات الأخرى، وحين تطأ قدمك فيها تجد أن بائعي الثعابين فيها منتشرون في نواحيها، وهناك تحدثنا مع "م.ز"، أحد كبار التجار هناك، كما عرّف بنفسه، رغم أنه لا يتعدَ الـ23 عامًا، فقال إن أصغر أبناء عائلته يلعبون بالثعابين كما يلعبون بالدمى.

وحدثنا التاجر عن كيفية صيده لتلك الأفاعي السامة، حيث يتتبع آثارها على رمال الحدائق، والتي من خلالها يستطيع جمع معلومات عن نوعها وحجمها وبالتالي مدى سُميتها، مضيفًا أن له طريقة خاصة بمسك الثعبان تمكنه من تجنب سُمه، لكن "الغلطة بفورة" فقد يؤدي إلى دفع حياته ثمنًا، مشيرًا إلى أن أحد أفراد عائلته مات أثناء حلب سم الثعبان لإرساله إلى مركز المصل واللقاح.

بالحديث عن زبائنه، قال إن هناك البعض الذين يرغبون باقتناء الثعابين السامة، وهو الأمر الذي وصفه بأنه متاح بكل سهولة، مؤكدًا إقبال الشباب باقتناء الثعابين والزواحف بشكل كبير هذه الأيام.


استشاري سموم: سم الكوبرا يسبب الوفاة الآنية

وعن هذه اللدغات، قال الدكتور طارق عبدالفتاح، استشاري السموم بالمعهد القومي للسموم بطب القصر العيني، إن أغلب اللدغات التي نتعامل معها تكون غير سامة، أما ما يقرب من 25% من الحالات تكون بسبب لدغات ثعابين سامة، وهناك بعض أنواع من سمومها التي تأخذ وقتًا لحين سيران مفعولها داخل الجسم، وفي هذا الوقت علينا اللحاق بالمصاب قبل أن يتسبب السم في وفاته.

وشرح "عبدالفتاح"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن هناك 3 أنواع من سموم الثعابين؛ الأول يتسبب في شلل الجهاز التنفسي، لذا نضعه بسرعة على جهاز التنفس الصناعي لحين انتظام تنفسه مرة أخرى وسريان المصل المضاد الذي تم حقنه به لحين زوال تأثير السم، أما النوع الثاني فيتسبب في سيولة في الدم، ما يؤدي إلى نزيف بالمخ، وبناء عليه نسرع في متابعة نسبة سيولة الدم وإعطاء المصاب المصل المضاد لضبط سيولة الدم.

أما النوع الثالث وهو الأخطر حيث يلدغ الشخص من ثعبان الكوبرا، وفي حالة عدم اللحاق به في الحال يموت هذا الشخص، لما يتسبب فيه من فشل في القلب بشكل سريع، موضحًا أنه يجب تواجد طبيب طوارئ في هذه الحالات لديه الخبرة الكافية للتعامل معها وتزويدها بالمصل المضاد في الحال.

وأشار إلى أن تلك الأمصال نحصل عليها من خلال هيئة المصل واللقاح، والتي تتعامل مع بعض التجار لتزويدهم بتلك السموم وصنع السموم المضادة، وبذلك فهي ناجحة في توفير كافة الأمصال المطلوب تواجدها دون وجود نقص في أي منها.

ضحايا الأفاعي تنتشر داخل المنازل والزراعات

في الوقت الذي يحرص العديد من محبي الزواحف على امتلاك تلك الثعابين السامة، تعاني كثير من القرى من تهديد هذه الأفاعي لها خاصة بعد قتلها لبعض أهاليهم متأثرين بلدغاتها القاتلة، ففي 26 يونيو الماضي، استيقظت قرية كفر الشيخ إبراهيم بمركز قويسنا على حالة من الرعب والخوف، بسبب صراخ مديحة شعبان، ذات الـ40 عامًا، التي تسلل ثعبان قاتل إلى بيتها ليلدغها لدغه أردتها قتيلة، أثناء قيامها ببعض أعمال المنزل.

وفي 7 يوليو 2018، واجهت قرى محافظة البحيرة خاصة مركزي الدلنجات والمحمودية، مصرع شخصين وإصابة 4 آخرين خلال أسبوع، بالإضافة إلى انتشارهم في الأراضي والمنازل وسط إجراءات وقائية من الأجهزة التنفيذية للتخلص منها.

وفي 22 يوليو 2018، فقد أهالي قرية شبرا بخوم التابعة لمركز قويسنا بمحافظة المنوفية، شخصين، وواجهت وإصابة ما يزيد عن 7 آخرين، بسبب محاصرة الثعابين لمعظم أنحاء القرية، وليس في الزراعات فقط، كان آخرهم إصابة عامل أثناء نومه على سريره داخل غرفته، وتم نقله إلى مستشفى قويسنا.

وكيل "الزراعة": الثعابين السامة ثروة قومية للبلاد

ضحايا الثعابين السامة كثيرة، إذا قمت بالبحث عنها لن تستطع حصرها، ورغم ذلك يرى الدكتور إبراهيم أباظة، وكيل كلية الزراعة الصحراوية والبيئية بمحافظة مطروح، أنه من الممكن اعتبار الحيوانات الزاحفة مثل تلك الثعابين السامة ثروة قومية للبلاد إذا تم استخدامها الاستخدام الأمثل، مشيرًا إلى أهمية استخدام سّم هذه الأفاعي في العلاج من بعض الأمراض الخطيرة، وكذلك استخدام جلود بعضها في صناعة المنتجات الجلدية.

ونوه "أباظة"، في تصريحاته لـ"الدستور"، إلى خطورة بيع تلك الأفاعي بالأسواق العامة لما قد تسببه من أخطار للسكان بهذه المناطق في حال هروبها من محابسها، فيقول أن هذه الحيوانات خطيرة، ولا يمكن استئناسها أو تربيتها بالمنازل فهي بهذا تشكل خطرًا محدقًا، وعديم الفائدة، لذا يجب اقتصار بيعها لمراكز السموم المعتمدة فقط.





إحصائية: 10 أنواع ثعابين سامة في مصر

حسب محمود طلبة الخبير في الزواحف والحيوانات البرية، في تصريحات سابقة، يبلغ أنواع الفصائل المصرية نحو 36 منهم 10 ثعابين سامة و26 غير سامة.