ترسانة الأسد الكيميائية تحولت عبئًا استراتيجيًا لا مصدر قوة
في غضون أسابيع قليلة، أدى الضغط الدولي والتهديد بالتدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة إلى دفع الرئيس السوري بشار الأسد للموافقة على التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والالتزام بتسليم ترسانة سوريا الكيميائية للرقابة الدولية، وصولا إلى تدميرها.
ومن المثير للسخرية، أن أسلحة الدمار الشامل هذه، التي كانت أحد أثمن الأصول في الترسانة السورية، تحولت إلى مصدر التهديد الأكبر لنظام الأسد و الضغط على الأسد للتوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية الاسبوع الماضي، وهو ما ذكر بقرار العقيد معمر القذافي التخلي عن البرامج النووية و الكيميائية في ليبيا في ديسمبر 2003.
عقدت آنذاك، مفاوضات سرية بشأن برامج أسلحة القذافي بين ليبيا و الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى عدد قليل من صناع القرار في كل عاصمة على بينة من المحادثات قبل الإعلان عن القرار.
ما يجمع بين هذين القرارين، هو أن كليهما اتخذ بشكل واضح بسبب التغييرات في تصورات الأنظمة لـ "فائدة امتلاك أنواع كيميائية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل"، وفقًا لصحيفة "التليجراف" البريطانية.
فقد اعتبر الأسد والقذافي، أن حيازة أسلحة الدمار الشامل أمر ضروري لردع التدخل الخارجي ، لكن سرعان ما تحولت هذه الأسلحة إلى عبء ومسئولية استراتيجية.
ففي ليبيا، تأثر السعي إلى حيازة وتطوير أسلحة الدمار الشامل لأكثر من ثلاثة عقود بتصورات التهديد الخارجي والحاجة المتصورة لردع تدخل القوى الخارجية، وخصوصًا الولايات المتحدة .
في الوقت الذي اشتدت فيه عزلة القذافي الدولية، وفرضت عليه سلسلة من العقوبات بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي في عامي 1992 و1993 بسبب رفض تسليم المشتبه بتورطهم في قضية لوكربي ، بدأت ليبيا تعاني من تدهور اقتصادي و اجتماعي سريع ، أدى إلى انخفاض أسعار النفط و عدم القدرة على تحديث قطاع النفط ، مما تسبب فى انتشار البطالة و انخفاض مستويات المعيشة و فرض تحديات سياسية داخلية على سلطة القذافي.
هذه البيئة المحلية أرغمت النظام على بدء سلسلة من الخطوات من منتصف التسعينات ، بما في ذلك وضع حد للتورط في الإرهاب ، و تسليم المشتبه بهم في لوكربي ، من أجل إنهاء عزلة البلاد و جلب الاستثمارات الخارجية التي تشتد الحاجة إليها.
ويقدم السيناريو السوري عناصر مشابهة إنما في سياق مختلف . نتج قرار سوريا للتخلص من الأسلحة الكيميائية من الخوف من العقاب و العزلة الدولية ، ليس من قبل سوريا و حسب ، بل أيضا حليفها الروسي . فالضغوط الأمريكية لشن عمل عسكري لمعاقبة الاستخدام العشوائي للأسلحة الكيميائية أدت إلى زيادة الضغوط على حكومة الأسد ، على الرغم من نفيها المتكرر الضلوع في مجزرة الغوطة ، التي أدت إلى مقتل نحو 1400 مدني . علم الأسد أن أي استخدام خارجي للقوة ضد القوات الحكومية و المنشآت السورية سيؤدي إلى إضعاف النظام سياسيا و عسكريا ، و يعطي دفعة معنوية كبيرة لمقاتلي المعارضة ، ما قد يقلب موازين الحرب الأهلية.
هذا القلق جعل من السلاح الكيميائي عبئا على الأسد و ليس مصدر قوة ، فوافق على تسليمه للرقابة الدولية ، و تخلى عنه ليبقى نظامه.