رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأيادى المرتعشة



لا تهمنى جنسية صاحب المطعم الذى تم إغلاقه فى الإسكندرية بسبب مخالفاته الصارخة، بعد استغاثة وبكاء سيدة مسنة على السوشيال ميديا، بقدر ما يهمنى أن هذه المخالفات قائمة ومستمرة منذ سنوات، بما فيها التعدى على الأرصفة، وإقامة مظلة خرسانية من دون تصريح، والإزعاج عبر مكبرات الصوت، والإخلال بشروط الأمن والبيئة وخلق حالة اختناق مرورى دائم فى واحد من أهم شوارع الإسكندرية، وذلك تحت سمع وبصر مسئولى الحى والمحافظة والمرور وشرطة المرافق، وبقاء صاحب هذا المطعم حرًا طليقًا رغم صدور حكم عليه بالحبس.
ما يهمنى أيضًا أن هناك مئات- بل آلافًا- من المخالفات المشابهة، ومن حالات إهدار القانون فى الكثير من مطاعم ومقاهى ومحال الإسكندرية والقاهرة وباقى مدن مصر، وكلها تتم تحت سمع وبصر مسئولى الأحياء والمحافظين، بل وأحيانًا بمباركة بعض الموظفين ضعاف الضمائر، لأسباب ليست خافية على أحد، ومع هذا فلا أحد يقترب منها، انتظارًا لظهور مسن أو مسنة أخرى تبكى وتستنجد بالسيد الرئيس، ووقتها سيشعر هؤلاء المتخاذلون بالخطر، ويقومون بأداء واجبهم خشية من حساب الرئيس لهم.
والحمد لله أن لدينا رئيسًا نحبه ونشعر أنه ملاذنا الأول والأخير، وأنه يحب هذا الشعب، ويشعر أن كل فرد فيه هو واحد من أبناء أسرته، وشىء جميل أن يلوذ المواطن البسيط برئيس الدولة فيجد بابه وقلبه مفتوحين، لكن الغريب أن يفعل المواطن ذلك بسبب فشله فى الحصول على حقه من كبار أو صغار الموظفين فى الدولة، الذين أدمن بعضهم تعكير حياة الناس بالروتين، أو بسبب التكاسل عن أداء واجباتهم، وأحيانًا بسبب أياديهم المرتعشة، التى لا تقوى على اتخاذ قرارات بسيطة لكنها حيوية بالنسبة لأصحابها.
والأمثلة كثيرة على قرارات حيوية امتنعت الأيادى المرتعشة عن توقيعها، حتى تدخل الرئيس بعد تلقى استغاثات من طالبى هذه القرارات:
■ هل تحتاج عمليات احتلال الأرصفة فى الشوارع الرئيسية لأن نتقدم باستغاثة للرئيس، بينما الأمر يمكن أن يتم بهدوء لو قام رئيس الحى بواجبه، أو أن يتكرم السيد الوزير المحافظ بالمرور بسيارته السوداء الفاخرة فى الشوارع، لرؤية هذه المخالفات ومحاسبة رؤساء الأحياء المقصرين وما أكثرهم؟.. هل المحافظون ورؤساء الأحياء مشغولون أكثر من رئيس الدولة الذى يجوب البلاد شرقًا وغربًا من أجل بناء المدن وإقامة المشروعات، وتنفيذ برنامجه الاقتصادى الطموح، الذى يستهدف رفاهية مائة مليون مواطن، أم أن البقاء فى مكاتبهم المكيفة والاستمتاع بالرواتب الكبيرة وبدلات اجتماعات اللجان والسفر أهم من خدمة المواطنين؟
■ هل كانت والدة الطالب محمد أشرف الذى أصيب فى حادث انهيار سور بمدرسة فى المرج، بحاجة إلى أن تبكى أمام مسئولى التعليم والصحة من أجل علاج ابنها؟ وهل كان من الطبيعى أن تغلق الأبواب أمامها حتى تضطر إلى نشر استغاثة لرئيس الجمهورية من أجل علاجه، وأن يتم نقل الطالب للعلاج فورًا بعد توجيهات الرئيس وإعلانه عن ذلك عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك»؟
■ هل عميت عيون مسئولى الحى والمحليات والصحة والتأمينات الاجتماعية، فلم ترَ مسنة تدعى «صفية» تعيش بلا مأوى بجوار محطة مترو سعد زغلول بالسيدة زينب فى محافظة القاهرة، ولم يتحرك أحد منهم إلا بعد أن تولى أصحاب القلوب الطيبة الأمر ونشروا استغاثة للسيد الرئيس فأصدر أوامره- مشكورًَا- بنقلها إلى إحدى دور الرعاية ليتم التنفيذ فورًا.
■ هل من الطبيعى أن تلجأ أسرة مواطن مصرى كان يعمل فى الكويت لنقل جثمان ابنها الذى توفى هناك فى حادث، لأن أسعار نقل جثامين المصريين إلى مصر غالية، لماذا لم تتحرك السفارة من تلقاء نفسها؟ وهل من الطبيعى أن يصدر رئيس البرلمان قرارًا برفض نقل جثث المغتربين المصريين مجانًا مع أنهم أحد أهم مصادر العملة الصعبة للبلاد باعتراف وزارة المالية؟
■ هل كان الأمر يحتاج لتدخل الرئيس وإعطائه الأوامر بنقل ضريح صوفى من طريق محور المحمودية بالإسكندرية، رغم أن القرار سيعود بالنفع على مئات الآلاف أو حتى الملايين من أبناء الإسكندرية؟ لماذا لم يقم المحافظ وكبار المسئولين بواجبهم ولم يجروا الاتصالات اللازمة لإتمام هذا الأمر؟
الأمثلة كثيرة كما قلنا، وهى تؤكد أن هناك «حاجة غلط» أو «حاجات كتير غلط»، أهمها التكاسل وارتعاش الأيادى من كبار وصغار الموظفين، فى دولة يسابق رئيسها الزمن منذ أكثر من خمس سنوات للقضاء على الإرهاب، ولبناء مساكن لغير القادرين، وإزالة العشوائيات، وبناء المستقبل فى عاصمة جديدة شرق القاهرة، وعاصمة أخرى صيفية بمقاييس عالمية مبهرة فى العلمين الجديدة.. ولتحسين الميزان التجارى وتحرير سعر الصرف، وجذب المستثمرين والسياح.. وغيرها وغيرها.
هل من الطبيعى أن يسعى الرئيس وحده لبناء المستقبل، هو وحكومته التى تواصل العمل ليلًا ونهارًا، بينما يكتفى صغار وكبار الموظفين بالقول «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون».. الأمر يحتاج إلى وقفة مع هؤلاء المسئولين، ومع من يرشحهم لتولى المسئولية التى ترتعش أياديهم عن حملها.